تشهد مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، منذ يوم أمس الثلاثاء، غضبًا واسعًا بعد هدم قبة تراثية تاريخية في منطقة الإمام الشافعي وسط القاهرة لتطوير مشاريع توسيع عمرانية.
وتناقل ناشطون على المنصات الإلكترونية، صورًا لقبة "حليم باشا" وقد نالت منها عمليات الهدم، وسط تعليقات غاضبة ومستنكرة للمس بآثار تعود لأكثر من 150 عامًا، ومنها ما قبل ذلك بكثير.
وقال الناشط والمهندس، حسين مهران، في منشور عبر منصة إكس: "هذا الطراز المعماري، غير موجود في أي بلد بالعالم غير مصر، وهو نتاج قرون من التطور والتفاعل والتفاعل مع حضارات مختلفة وصلت بنا إلى هذا الجمال".
"عمرها آلاف السنين"
من جانبه، تفاعل الفنان خالد النبوي، مع الحدث، وكتب على حسابه الشخصي في منصة إكس، معلقًا على صورة القبة المهدمة: "عمرها آلاف السنين، لماذا تريدون أن تحولوا عمرها إلى صفر؟"
ونشرت ناشطة مصرية صورة لداخل القبة، وكتبت: "سماكة الحائط فقط تحتاج لدارسة تتطلب سنوات عدة".
أما الإعلامية لميس الحديدي فعلقت على ما حصل مستعينة بأبيات شعر لقصيدة "مصر تتحدث عن نفسها"، للشاعر الراحل حافظ إبراهيم، وهي قصيدة شهيرة غنتها السيدة أم كلثوم في عام 1951.
وكتبت الحديدي من القصيدة: "وقف الخلق ينظرون جميعًا كيف أبنى قواعد المجد وحدي".. وأضافت: "ووقفوا بعد دهر ينظرون كيف يهدم أبنائي تاريخي وذاكره السنين ..هكذا تتحدث مصر عن نفسها".
ومنذ عام 2012، بدأت الحكومة المصرية حملة إزالة المقابر التاريخية ذات الطابع المعماري التراثي في منطقتي الإمام الشافعي والسيدة نفيسة، في إطار خطة تطوير المنطقة ومد الجسور والمحاور التي تخفف من وطأة الزحام المروري في القاهرة.
تحركات نيابية
وأمام تلك العمليات، أفادت صحيفة "الشروق" المحلية، أن النائب عبد المنعم إمام، عضو مجلس النواب ورئيس حزب العدل، طالب بإحاطة للاستفسار عن أسباب هدم قبة مستولدة محمد علي باشا (قبة حليم باشا)، والإجراءات المتخذة لحماية التراث المعماري والتاريخي.
وتضمن طلب الإحاطة، الذي وجهه "إمام" إلى وزير السياحة والآثار، تساؤلات حول خطة الوزارة لحماية المواقع التراثية والأثرية، وضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث، بالإضافة إلى استفسار حول مدى التنسيق بين وزارتي الآثار والثقافة والهيئات المعنية، بحماية التراث لضمان الحفاظ عليه للأجيال القادمة.
وأشار "إمام" في طلبه إلى أن قبة مستولدة محمد علي باشا تُعَد جزءًا من التراث الثقافي والتاريخي لمصر، وتحمل قيمة معمارية وأثرية لا تقدر بثمن، ومع ذلك، هناك تقارير تشير إلى هدم القبة أو تعرضها لأضرار جسيمة، مما يثير القلق حول مدى اهتمام الدولة بالحفاظ على هذا المعلم التاريخي.
أما النائبة مها عبد الناصر، فقالت: "تابعت بكل أسى وقلق ما حدث لقبة حليم باشا التاريخية، وما يتوالى من عمليات هدم للمقابر الأثرية"، وطالبت بوقف أعمال الهدم وإنجاز مراجعة شاملة من جميع الجهات المعنية لكل الأعمال لحماية ما تبقى من هذه الثروات الحضارية.
ثقافة الهدم
من جانبها، قالت الكاتبة والناقدة عبلة الرويني: "ثقافة الهدم! ماذا يعني محو مسرح لإقامة (كاراج)؟". وأضافت: "إنها حكاية قديمة متكررة، منذ حريق الأوبرا الخديوية 1971 وإقامة كاراج متعدد الطوابق، أصبح يسمى كاراج الأوبرا".
وتابعت: "المشكلة ليست هدم المسرح العائم (مسرح فاطمة رشدي)، أو التفكير فى إزالته، لبناء كاراج متعدد الطوابق، إنما المشكلة هي ثقافة الهدم، محو الذاكرة والعبث بالتاريخ والأثر وتجريف الثقافة، تلك الآفة القديمة الممتدة، من محو حصص الرسم والموسيقى والنشاط المسرحي في المدارس، إلى تقليص الدراسات الإنسانية، وإلغاء دراسة الفلسفة والمنطق، ومن هدم بيت أم كلثوم (تحول إلى فندق وبرج تجاري) إلي محاولة هدم مقبرة طه حسين التي تم إنقاذها بصعوبة إلى هدم المقابر الأثرية وجبانات القاهرة، وأخيرًا قرار هدم المسرح العائم. ولا أحد ينفي، ولا أحد يؤكد قرار الإزالة، لنفاجأ بين يوم وليلة بهدم المسرح ومحو ذاكرة وإرث ثقافي".
ويشير متخصصون إلى أن المقابر مبنية في أغلبها حول أفنية خاصة، وقد شيدت على مدى التاريخ الإسلامي بطرز مختلفة، وأن كثيرًا منها لا مثيل له في مصر. ويحتوي كثير منها على منحوتات رخامية وخشبية ومعدنية.
كما تضم هذه المقابر مدافن سياسيين من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين بينهم الزعيم أحمد عرابي، وأضرحة رائعة لسلاطين المماليك الذين حكموا مصر بين عامي 1250 و1517. وتضم أيضًا مقبرة الإمام الشافعي، أحد أئمة السنة الأربعة الذي توفي عام 820 ميلاديًا.