اعتبرت منظمات دولية أن كييف انتهكت اتفاقيات جنيف فيما يتعلّق بحقوق أسرى الحرب خلال الهجوم الروسي على أوكرانيا.
وعقدت كييف، الأربعاء الماضي، مؤتمرًا صحافيًا في المقر الرئيسي لجهاز المخابرات الأوكرانية في أوديسا، لثلاثة أسرى حرب روس، وكان أحدهم يمشى ويداه خلف ظهره ويحدق في الأرض وكأنه خائف.
ولدى دخولهم، همس أحد الصحافيين من بين الجمهور: "يا إلهي، لا يمكن أن يكون أكبر من 18 عامًا".
وذكر كل من الأسرى اسمه وتاريخ ميلاده ومكان ميلاده ووحدته العسكرية الروسية، كما أعربوا عن شعورهم بالندم والخجل من الأوكرانيين. ثم فتح خاطفوهم المجال لأسئلة الصحافيين.
وانتقدت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية هذه المؤتمرات، معتبرة أنها "غير تقليدية ومشكوك فيها من الناحية الأخلاقية - وربما من الناحية القانونية، وتمثّل معركة البلدين على المعلومات".
فبينما تحظر موسكو حتى استخدام كلمات "حرب" أو "غزو" وتصف وسائل الإعلام الروسية المعارك بأنها "عملية خاصة"، تستعرض أوكرانيا الجنود الروس الأسرى لمواجهة الكرملين.
ولم يتضح ما إذا كانت تعليقات الأسرى قسرية أم مكتوبة. نظر أحدهم إلى الطاولة وهو يتكلم، بينما بدا الآخران مرتاحين أكثر. ولم تظهر على أي منهم كدمات واضحة أو علامات تدل على تعرضهم للضرب أو سوء المعاملة.
وتطابق جوهر ما قالوه مع المؤتمرات الصحافية المماثلة التي عُقدت في جميع أنحاء البلاد خلال الأسبوعين الماضيين، حيث قالوا جميعًا إنهم لا يتفقون مع الحرب الروسية، وأعربوا عن أسفهم لدورهم فيها، وأنهم لم يعرفوا أنهم سيقدمون إلى الأراضي الأوكرانية حتى تلقوا الأوامر في 23 فبراير/ شباط الماضي، أي قبل ساعات من بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا.
المادة 13 من اتفاقية جنيف
اعتبرت منظمات دولية ومراقبون أن هذا النوع من المؤتمرات قد يحمل انتهاكات لاتفاقيات جنيف، التي تحدد قواعد يجب اتباعها في معاملة أسرى الحرب.
وتنصّ المادة 13 من اتفاقية جنيف الثالثة على أنه "يجب معاملة أسرى الحرب معاملة إنسانية في جميع الأوقات".
وتحظر المادة على وجه التحديد الأفعال التي تسبب الوفاة أو "تعريض صحة السجين لخطر جسيم، ولا ينبغي إخضاع أي أسير حرب للتشويه الجسدي أو للتجارب الطبية أو العلمية"، وتؤكد "وجوب حماية أسرى الحرب في جميع الأوقات، لا سيما ضد أعمال العنف أو التخويف، وضدّ الإهانات أو فضول الجمهور".
لكن مع بدء الهجوم، انتشرت مقاطع فيديو، لم يتم التحقق منها، للجنود الروس الأسرى أثناء استجوابهم على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل المواطنين العاديين، الذين كانوا في بعض الأحيان نفس الأشخاص الذين يطرحون الأسئلة.
الأمر الذي دفع مستشار الرئاسة الأوكرانية أوليكسي أريستوفيتش إلى الدعوة إلى "معاملة إنسانية للسجناء" في مقطع فيديو على الإنترنت. وذكّر المشاهدين بأن شركاء أوكرانيا الغربيين يراقبون عن كثب.
لكن وزارة الشؤون الداخلية الأوكرانية نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة مقاطع فيديو وصورا دموية تزعم أنها لجثث جنود روس، وهو انتهاك محتمل آخر لاتفاقيات جنيف.
جدل سياسي-قانوني
وفي دفاعه عن المؤتمرات ومقاطع الفيديو، قال كونستانتين باتوزكي، المحلل السياسي الأوكراني: "تحدث أشياء مروعة ومثيرة للاشمئزاز في أي حرب. علينا معالجة الأكاذيب الروسية، ويجب على العالم أن يجعل روسيا تعترف بأنها تكبدت خسائر عسكرية".
بدوره، جادل تشارلز دنلاب، وهو لواء متقاعد بالقوات الجوية والمدير التنفيذي لمركز القانون والأخلاق والأمن القومي في كلية ديوك للقانون، بأن المادة 13 من اتفاقية جنيف الثالثة "لا تحظر، في حد ذاتها، نشر الصور أو مقاطع فيديو لأسرى الحرب، إذ إنه يجب تقييم النية وراء إصدار فيديو أو صورة معينة". لكنّه في الوقت نفسه، أكد أنه "لا ينبغي أن يكون أسرى الحرب أدوات دعاية".
بدوره، قال أندرو ستروهلين، مدير الإعلام الأوروبي في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، إنه "قد يبدو أن أسرى الحرب أحرار في التحدّث كما يحلو لهم، إلا أنهم محتجزون من قبل قوة عسكرية أخرى، ويكاد يكون من المستحيل أخذ كلام أحدهم بجدية".
دعاية مضادة ومضايقة
وشرح غريغوري إس جوردون، الباحث في القانون الجنائي الدولي، أن حماية أسرى الحرب قد تغيّرت مع تغير طبيعة الحروب.
وأوضح أن الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية كان إخراج أسرى الحرب إلى العلن نوعًا من الدعاية، والسخرية، والإساءة، والمضايقة، مؤكدًا أن الاتفاقية الدولية لحماية أسرى الحرب جاءت لإنهاء هذا النوع من الإساءة.
وأضاف أن لأوكرانيا مصلحة إستراتيجية "في الامتثال الصارم لقوانين الحرب"، وأن من مصلحة البلدين معاملة الجنود الأسرى وفق هذه الاتفاقية.
وردًا على سؤال عما إذا كانوا يعرفون ما سيحدث لهم بعد المؤتمر الصحافي، افترض الجنود الروس أنهم سيعادون في نهاية المطاف إلى بلادهم ضمن عملية تبادل الأسرى.
لكن جوردون أكد أن مجرد ظهورهم في المؤتمر الصحافي قد يعرضهم للخطر، موضحًا أنه "إذا انتقد أسير حرب حكومته، حتى لو تم إجباره على الإدلاء بهذه التعليقات، فقد تنظر سلطات بلده إلى الأمر على أنه تعاون مع العدو".