ركّز مؤتمر ميونخ الدولي للأمن في دورته الـ58، والذي انطلق أمس الجمعة في مدينة ميونخ الألمانية فعليًا وليس افتراضيًا، على عدد من القضايا السياسية والأمنية، وعلى رأسها الأزمة الأوكرانية بين روسيا والغرب.
قواعد النظام العالمي
وصرّحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين اليوم السبت، خلال المؤتمر، بأن روسيا شرعت في "تقويض" الهيكل الأمني الأوروبي، وهي تقوم "بمحاولة صارخة لإعادة كتابة قواعد النظام العالمي".
وقالت فون دير لايين: "لا يمكننا السماح بحدوث ذلك، نحن نواجه محاولة صارخة لإعادة كتابة قواعد النظام العالمي". كما ندّدت بتحالف روسي-صيني يسعى لفرض "قانون الأقوى".
وشددت رئيسة المفوضية الأوروبية على أن التصعيد في الأسابيع الأخيرة في أوكرانيا -وسط اتهامات غربية لروسيا بالتخطيط لغزو الدولة المجاورة- "قد يعيد تشكيل النظام العالمي".
وأوضحت أن القوات الروسية المنتشرة على حدود أوكرانيا تشكل "أكبر انتشار لقوات على الأراضي الأوروبية منذ أسوأ أيام الحرب الباردة".
وحذّرت فون دير لايين من أن غزو أوكرانيا قد يكلف روسيا "مستقبلًا مزدهرًا"، في إشارة إلى العقوبات التي ستفرض على موسكو إذا نفذت هجومًا على جارتها.
روسيا ستحصل على "المزيد من الناتو"
من جهته، قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ الذي كان واقفًا إلى جانب فون دير لايين: "للمرة الأولى تنضم بكين إلى موسكو في مطالبة حلف شمال الأطلسي بعدم قبول أي أعضاء جدد".
وأكّد ستولتنبرغ بدوره مجددًا الالتزام "الثابت" لأعضاء الحلف بحماية بعضهم البعض، محذرًا روسيا من أنها "ستحصل على المزيد من قوات الناتو في سعيها لخفض وجود هذه القوات" على حدودها.
وقال خلال كلمة ألقاها في المؤتمر: "تحاول موسكو دحر التاريخ وإعادة إنشاء مجال نفوذها، لكننا جميعًا حلفاء في حلف شمال الأطلسي وسنقوم دائما بما هو ضروري لحماية أنفسنا والدفاع عن بعضنا البعض".
"أمر سخيف جدًا"
من جانبه، وصف المستشار الألماني أولاف شولتس السبت اتهامات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بارتكاب "إبادة جماعية" ضد المدنيين في المناطق الانفصالية الموالية لروسيا في شرق أوكرانيا بأنها "سخيفة".
وقال شولتس الذي التقى أخيرًا الرئيس الروسي في موسكو، خلال مؤتمر ميونيخ للأمن: "قال بوتين إنه تم ارتكاب شكل من أشكال الإبادة الجماعية في منطقة دونباس الانفصالية، وهو أمر سخيف جدًا".
وبعد تلك المحادثات التي عقدت بين الزعيمين في العاصمة الروسية، استخدم بوتين مصطلح "الإبادة الجماعية" الذي تستخدمه موسكو بانتظام حول دونباس وهي المنطقة التي يقاتل فيها الجيش الأوكراني الانفصاليين الموالين لروسيا بدعم من موسكو منذ ثماني سنوات.
وتابع المستشار الألماني في كلمته: "لنكون واضحين، إرسال أكثر من 100 ألف جندي روسي ونشرهم حول أوكرانيا هو أمر لا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال".
وكانت وزارة الخارجية الأميركية أدانت في السابق استخدام مصطلح "إبادة جماعية" ضد المدنيين الذي يعيشون في المناطق الناطقة بالروسية في شرق أوكرانيا.
وأوضحت "نحن قلقون إزاء تحدث الرئيس بوتين ومسؤولين روس آخرين عن "إبادة جماعية" في دونباس. ليس هناك ذرة من الحقيقة في هذه الاتهامات".
"الناتو" سيعزز قوته في أوروبا
بدورها، هدّدت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس بتعزيز قوات شمال حلف الأطلسي (ناتو) في أوروبا الشرقية إذا غزت روسيا أوكرانيا، وذلك بالإضافة إلى فرض عقوبات اقتصادية "قاسية وفورية" ضد موسكو.
وقالت في كلمتها: "لن نتوقف عند الإجراءات الاقتصادية بل سنعزز قوة حلفائنا في الناتو في الجانب الشرقي"، في حال حصل غزو.
وخلال كلمة له في المؤتمر، دعا رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الحلفاء إلى "الوحدة" في مواجهة التهديدات الروسية بغزو أوكرانيا.
وقال جونسون: "يجب أن نتّحد لمواجهة هذه التهديدات" مشيرًا إلى أن العقوبات التي ستفرضها بريطانيا على روسيا في حال هاجمت أوكرانيا ستجعل "مستحيلًا" على موسكو الوصول إلى الأسواق المالية في مدينة لندن.
"الحل في اتفاقيات مينسك"
في السياق نفسه، وصف وزير الخارجية الصيني وانغ يي اتفاقيات مينسك للسلام في شرق أوكرانيا بأنها "المخرج الوحيد" لحل الأزمة الأوكرانية، وقال: إن أوكرانيا يجب ألا تكون جبهة للتنافس بين القوى الكبرى.
وقال وانغ، خلال مشاركته في المؤتمر عبر الفيديو: إن جميع الأطراف يجب أن تجلس من أجل مناقشة صافية ثم تخرج بخارطة طريق وجدول زمني لتطبيق اتفاقيات مينسك.
وقال وانغ: إن سيادة واستقلال ووحدة أراضي أي دولة يجب أن تبقى محترمة ومصانة.
ومضى الوزير الصيني قائلًا في تناوله لأزمة أوكرانيا: إن أي دولة، حتى إن كانت دولة كبرى، يجب ألا تجعل إرادتها بديلًا عن الأعراف الدولية.
وأضاف أن دولًا كبرى معينة تعيد إلى الوجود عقلية الحرب الباردة وتشعل المواجهة بين الكتل.
الناتو متمسك بمبادئه
وفي هذا الإطار، أفاد مراسل "العربي" مكسيم العيسى بأن تصريحات الأمين العام للناتو ورئيسة المفوضية الأوروبية توضح مدى جاهزية حلف الشمال الأطلسي عسكريًا والبدائل بخصوص الجانب الاقتصادي وأزمة الغاز.
وأشار مكسيم من أمام مكان انعقاد مؤتمر ميونيخ للأمن، إلى أن الناتو لا يريد التنازل عن مبادئه بانضمام أي دول تريد أن تصبح جزءًا منه.
ولفت إلى أن العديد من ممثلي دول الخليج العربي وعلى رأسها قطر تحضر المؤتمر، ربما للحديث عن البدائل الممكنة لتوريد الغاز إلى أوروبا في حال قررت روسيا غزو أوكرانيا وقطعت الغاز عن أوروبا.
ومن موسكو، أفاد مراسل "العربي" محمد حسن بأن روسيا قاطعت المؤتمر لأنها ترى أنه خلال السنوات الماضية كانت تردد نفس المطالب بعدم السماح لانتشار الناتو نحو الشرق وضم دول جديدة، وكانت تسمع نفس الردود دون أي تجاوب لمخاوفها.
وحسب المراسل، فإن موسكو ترى بأن ضم كييف لحلف الشمال الأطلسي لا يهدد فقط أمنها القوي، بل هي مسألة وجودية بالنسبة لها، وفقًا لتصريحات الكرملين.
وعلى الصعيد الميداني، أفاد مراسل العربي بأن الكرملين أعرب عن قلقه بسبب تصاعد الأزمة في شرق أوكرانيا، إذ يجري الحديث عن نقل أعداد كبيرة من اللاجئين من دونيتسك ولوهانسك إلى روسيا، حيث يتم توزيعهم ليس فقط في المناطق الحدودية، بل في مناطق داخل روسيا.
وتابع بأن روسيا حتى الآن لم تندد فيما يحصل بالداخل، وكأنها بطريقة غير مباشر تشير إلى أن هذا الموضوع شأن داخلي أوكراني-أوكراني.
وكانت العلاقات توترت بين كييف وموسكو على خلفية ضم روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية إلى أراضيها بطريقة غير قانونية، ودعمها الانفصاليين الموالين لها في "دونباس".
ومؤخرًا، وجهت الدول الغربية اتهامات إلى روسيا بشأن حشد قواتها قرب الحدود الأوكرانية، فيما هددت واشنطن بفرض عقوبات على موسكو في حال شنت هجومًا على كييف.