رفعت الصين سقف المواجهة مع الولايات المتحدة حول تايوان محذرة من تبعات كبيرة في حال إعلان استقلال الجزيرة.
وحذّر وزير الدفاع الصيني وي فنغي نظيره الأميركي لويد أوستن، اليوم الجمعة، من أنه "إذا تجرأ أي شخص على فصل تايوان عن الصين، فلن يتردّد الجيش الصيني بكل تأكيد في بدء حرب مهما كلف الأمر".
وتعيش تايوان تحت تهديد دائم من تعرّضها لغزو صيني، بخاصّة مع تحوّلها مسرحًا للصراع الصيني- الأميركي، وبعد أن فتح الهجوم الروسي على أوكرانيا شهية الصين مجددًا إلى إعادة ضمّ هذه الجزيرة، وتلوّح بين الحين والآخر باستخدام القوة والتدخل عسكريًا إذا أعلنت تايوان الاستقلال.
وتتبنّى بكين مبدأ "الصين الواحدة"، وتعتبر تايوان جزءًا من أراضيها، وتعهّدت بضمّها بالقوة إذا لزم الأمر.
وفي إطار الصراع بين الصين والولايات المتحدة، لوّح الرئيس الأميركي جو بايدن، أكثر من مرة كان آخرها خلال زيارة بايدن لليابان في مايو/ أيار الماضي، بأن واشنطن ستتدخّل عسكريًا إذا حاولت الصين غزو تايوان بالقوة.
كما أعلنت الولايات المتحدة وتايوان، في الأول من يونيو/ حزيران الحالي، بدء محادثات تجارية ثنائية، باسم "مبادرة التجارة الأميركية-التايوانية للقرن الحادي والعشرين"، بهدف تطوير طرق ملموسة لتعميق علاقاتهما الاقتصادية والتجارية.
وردًا على الخطوة، أكدت بكين معارضتها لتوقيع أي اتفاق "له مضامين سيادية أو طبيعة رسمية، بين الولايات المتحدة ومنطقة تايوان الصينية"، داعية واشنطن إلى الالتزام بمبدأ "صين واحدة" والبيانات المشتركة الثلاثة بين الصين والولايات المتحدة.
وتقع تايوان، المعروفة رسميًا باسم "جمهورية الصين الوطنية"، في المحيط الهادئ ويفصلها عن الصين مضيق فورموزا؛ ولا تتجاوز المسافة بينها وبين الصين 140 كيلومترًا.
ويبلغ عدد سكانها 23.6 مليون نسمة، ومساحتها 36962 كيلومترًا، وتشكّل جزيرة تايوان 99% من أراضيها. وتتكوّن من جزيرة فورموزا، وعدد آخر من الجزر الصغيرة أبرزها: البيسكادورس، كيموي، مانسوا، بزاناس.
علاقة تايوان التاريخية بالصين
كانت تايوان تابعة للصين الشعبية حتى عام 1859، ثمّ خضعت لسيطرة اليابان وفقًا لمعاهدة "سيمونسكي"، قبل أن تعود للسيطرة الصينية بعد هزيمة اليابان في أعقاب الحرب العالمية الثانية عام 1945.
واعتُبرت الصين عضوًا مؤسسًا لهيئة الأمم المتحدة، وأحد الأعضاء الخمس الدائمين في مجلس الأمن. إلا أن خسارتها الحرب الأهلية عام 1949، دفع بأعضاء الحكومة القوميين للهرب إلى تايوان وتشكيل حكومة هناك وإعلان تايبيه عاصمة مؤقتة لها. ونقلت الحكومة احتياطيات جمهورية الصين من الذهب إلى تايوان، مع قرابة مليوني لاجئ لينضموا إلى 6 ملايين آخرين من سكان تايوان.
فيما أسّس الشيوعيون في الصين بزعامة ماو تسي تونغ، جمهورية الصين الشعبية.
تتمتع تايوان بدستور خاص، وقادتها منتخبون ديمقراطيًا، وحوالي 300 ألف جندي عامل في قواتها المسلحة.
وتعترف 22 دولة فقط بـ"حكومة جمهورية الصين" دبلوماسيًا.
"دولة واحدة ونظامان"
في الثمانينيات، طرحت الصين صيغة "دولة واحدة ونظامان" تمنح بموجبها تايوان استقلالية كبيرة إذا قبلت إعادة توحيد الصين. رفضت تايوان العرض، لكنها خفّفت من القواعد الخاصة بالزيارات والاستثمار في الصين.
أعلنت تايوان انتهاء الحرب مع جمهورية الصين الشعبية في البر الرئيس عام 1991.
وأجرى الطرفان محادثات محدودة بين الممثلين غير الرسميين للجانبين، لكن بسبب إصرار بكين على أن حكومة جمهورية الصين التايوانية غير شرعية علقت هذه الاجتماعات.
عام 2000، شعرت بكين بالقلق عندما انتُخب تشين شوي بيان، المؤيد صراحة للاستقلال، رئيسًا لتايوان.
وأصدرت الصين، عام 2005، ما يسمّى بقانون "مناهضة الانفصال"، والذي ينصّ على حق الصين في استخدام "الوسائل غير السلمية" ضد تايوان إذا حاولت "الانفصال" عن الصين.
عام 2016، انتُخبت تساي إنغ ون، التي تقود الحزب الديمقراطي التقدمي (DPP)، رئيسة للبلاد. ويميل حزبها نحو الاستقلال الرسمي النهائي عن الصين.
وعلى مدار العامين الماضيين، كثفت الصين مناوراتها العسكرية حول الجزيرة، في الوقت الذي تسعى فيه إلى الضغط على تايبيه لقبول مطالباتها بالسيادة، إذ تشعر الصين بعدم الرضا بشكل خاص إزاء دعم الولايات المتحدة لتايوان.
وعلى الرغم من أن واشنطن قطعت علاقاتها الرسمية مع الجزيرة عام 1979، إلا أنه في سبتمبر/ أيلول 2021، أرسلت الولايات الماحدة مسؤولًا رفيع المستوى في وزارة الخارجية إلى الجزيرة، في أول زيارة رسمية من نوعها منذ عقود.
وخلال تلك الزيارة المثيرة للجدل، أجرت الصين تدريبات عسكرية بالذخيرة الحية في الممر المائي الذي يفصل الجزيرة عن البر الرئيس.
وانتقدت بكين بشدة الاجتماع، وحذّرت الولايات المتحدة من "عدم إرسال أي إشارات خاطئة لعناصر" استقلال تايوان "لتجنّب إلحاق ضرر شديد بالعلاقات الصينية-الأميركية".
ما هي أهمية تايوان للصين؟
منذ ثمانينيات القرن الماضي، جذبت تايوان استثمارات أجنبية بلغت 7.6 مليار دولار في ذروتها خلال عام 2018.
ويستقطب قطاع الإلكترونيات الحصة الأكبر من هذا الاستثمار الأجنبي، وتحديدًا "أشباه المواصلات"، حيث تعتبر شركة "تايوان لتصنيع أشباه الموصلات" (TSMC)، أكبر شركة لتصنيع الرقائق في العالم، وتبلغ قيمتها 600 مليار دولار. وتتمتع تايوان بسطوة كبيرة على السوق الصيني بسبب أشباه الموصلات.
وأشارت شركة "غلوبال داتا" للاحصائيات الدولية إلى أن تايوان تحتل المرتبة 21 في أكبر اقتصادات العالم، ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي 662.1 مليار دولار، متوقعة أن يستمر اقتصاد تايوان بالنمو بنسبة 19% إضافية بحلول عام 2025.
ويرتبط اقتصادا الصين وتايوان بشكل كبير، إذ إن بكين أكبر شريك تصدير لتايوان (515 مليار دولار صادرات، من يناير/ كانون الثاني 2017 إلى يناير 2022 )، تليها الولايات المتحدة (245 مليار دولار في الفترة ذاتها).
وبعيدًا عن الأهمية الاقتصادية، فإنّ ضمّ تايوان إلى الصين يسمح لبكين بالسيطرة الكاملة على الممرات الرئيسة للسفن التي تدخل وتخرج من بحر الصين الشرقي والجنوبي، ويمنع حلفاء واشنطن على غرار اليابان عن التجارة والإمدادات.