مطالبات حقوقية بفتح تحقيق.. هل يمكن محاسبة إسرائيل على جرائمها؟
تتزايد المطالبات الحقوقية بضرورة فتح المحكمة الجنائية الدولية تحقيقًا في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ترتكبها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وكانت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة قد أعلنت في وقت سابق عن وجود أدلة واضحة على احتمال ارتكاب جرائم حرب في ما وصفته بـ"أعمال العنف الأخيرة" في قطاع غزة.
هذه المطالبات تستند إلى مرجعيات القانون الدولي الإنساني بهدف تثبيت حقوق الشعب الفلسطيني للسعي إلى محاسبة إسرائيل في المحافل الدولية.
فما هي هذه القواعد وإلى ماذا تهدف؟
بداية لا بد من الإشارة إلى القانون الدولي الإنساني تطور عبر مسار طويل من الاتفاقيات والبروتوكولات، بدءًا من اتفاقية جنيف الأولى عام 1864، مرورًا باتفاقيات جنيف لعام 1949، وما تبعها من تعديلات عام 1977.
وقد شملت قواعده بشكل رئيسي حماية المدنيين والمرافق الرئيسية كالمستشفيات والمدارس وعمال الإغاثة.
وبحسب الأمم المتحدة، تنقسم المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني إلى مجموعتين من القواعد، حيث تركز الأولى على احترام كرامة الإنسان وحياته والمعاملة الإنسانية، فيما تشمل الثانية التمييز والتناسب وأخذ الاحتياطات بين الأطراف المتحاربة.
وهي تكتسب صفة الإلزام بهدف التقليل أو تجنب وقوع ضحايا في صفوف المدنيين وقت الحروب. لكن بالنظر إلى السوابق القضائية التي جهد في سبيلها العديد من القانونيين والحقوقيين، يتكون انطباع بحصانة إسرائيل من مفاعيلها وآثارها القانونية سواء لجهة الإدانة الصريحة أو محاكمة السياسيين الإسرائيليين على جرائمهم، وتعطيل تقارير لجان التحقيق الأممية.
"حصانة" إسرائيل وإفلاتها من العقاب
بعد عملية الرصاص المصبوب التي شنت من خلالها إسرائيل عملية عسكرية على غزة بين عامي 2008 - 2009، تشكلت بعثة لتقصي الحقائق عرفت بلجنة غولدستون بقرار من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
برأت اللجنة آنذاك ساحة المقاومة من مزاعم اتخاذ المدنيين دروعًا بشرية في غزة، بينما على العكس من ذلك، رصدت اللجنة أربع حالات استخدم فيها الجيش الإسرائيلي المدنيين الفلسطينيين دروعصا بشرية، وهو ما يمثل انتهاًكا للقانون الإنساني الدولي بحسب التقرير.
وخلصت إلى أن انتهاكات خطيرة لحقوق الانسان ارتكبت أثناء العملية العسكرية ترتقي لمستوى جرائم الحرب. لكن رفضت إسرائيل التعاون مع التحقيق ونتائجه، بينما لم يتمخض عنه أي إجراء فعلي، نظرًا لتعطيل اعتماده من قبل الولايات المتحدة في ذلك الوقت، وعدم إحالته إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وفي عام 2014 تشكلت لجنة أممية أخرى بعد عملية الجرف الصامد التي استمرت لـ52 يومًا، تعرض فيها القطاع لعدوان عسكري واسع شمل المنازل السكنية والبنى التحتية. هذه اللجنة التي ترأسها الأكاديمي الكندي وليام شاباس، عينت بهدف الوقوف على الانتهاكات الجسيمة التي تعرض لها المدنيون في قطاع غزة.
إلا أنّ شاباس استقال من اللجنة عام 2015 قبل أن تصدر بعثة التحقيق تقريرها، وذلك احتجاجًا منه على اتهامات إسرائيلية وجهت له بالتحيز للجانب الفلسطيني.
صدر التقرير في يونيو 2015، الذي وصف بأنه أقل حدة من تقرير غولدستون السابق في لهجته المنتقدة لإسرائيل، ومع ذلك فقد توصل المحققون إلى أن عمليات الجيش الإسرائيلي ولا سيما في منطقة خزاعة والشجاعية ورفح ترتقي لوصفها بجرائم الحرب.
دور المحكمة الجنائية الدولية
وتكرر تشكيل هذه اللجان في الحربين التاليتين عامي 2018 و2021 من قبل المؤسسات الأممية المعنية بحقوق الانسان والتحقيق بجرائم الحرب، لكن دون ان يكون لها أثر قانوني على المسؤولين الإسرائيليين المتورطين في هذه الانتهاكات.
وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد فتحت تحقيقًا في مارس/ آذار عام 2021 في الجرائم المرتكبة في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، لكنها تاهت في التفاصيل القانونية التي تحيلها إلى قضايا فنية تتعلق بولاية المحكمة، وممارسة اختصاصها على المطلوبين للعدالة الدولية.
واستطاعت الجنائية الدولية في حالات سابقة تقديم متهمين إلى العدالة مثل كمبوديا وروندا ويوغسلافيا السابقة، فهل ستستطيع أن تكرر هذه المحاكمات في الحالة الفلسطينية؟
في هذا الإطار، رأى أستاذ القانون الدولي في جامعة القدس، الدكتور منير نسيبة، أن فرصة محاسبة إسرائيل دوليًا على جرائمها التي ترتكبها في قطاع غزة مرتفعة وبل ممكنة جدًا، مع استمرار العدوان.
وقال نسيبة في حديث إلى "العربي": إن مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية كريم خان، وصل إلى معبر رفح على حدود القطاع، وبعد يوم عقد مؤتمرًا صحافيًا في القاهرة وفي كلا المناسبتين أكد أنه يحقق في جرائم حرب ترتكبها إسرائيل في غزة، محذرًا الاحتلال من مواصلة الحصار على القطاع، ومنعه دخول المساعدات الغذائية والطبية.
مجازر فادحة في غزة
ويعتقد نسيبة أنه وعلى رغم من إهمال هذه المحكمة الدولية للملف الفلسطيني على مدى السنوات السابقة، فإن "فداحة المجازر التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة خلال وقت قصير ومتسارع، يرقى للإبادة الجماعية، إضافة للتهجير القسري، الذي طال أكثر من نصف سكان القطاع، دون أدنى المقومات الحياتية".
ولليوم الثامن والعشرين على التوالي، تواصل إسرائيل عدوانها على غزة، مرتكبة المجازر بحق المدنيين، إذ تخطى عدد الشهداء في غزة الـ9000، جلهم من الأطفال والنساء، إضافة لآلاف المصابين، وسط تشديد مطبق للحصار المستمر منذ 17 عامًا، مانعة المياه والكهرباء والوقود والمساعدات الغذائية والطبية عن القطاع.
سابقة تاريخية بالمطالبة بإخلاء مستشفيات غزة
وقال نسيبة: إن الحروب لم تسجل تاريخيًا دعوة من قبل دولة لإخلاء مستشفيات البلاد، أو المناطق التي تهاجمها، وسط تحول تلك المشافي في غزة لمراكز إيواء، مع تدمير الاحتلال الوحدات السكنية في القطاع، وأضاف الخبير القانوني أن كل تلك المعطيات تعد جرائم دولية جسيمة.
ولم يستبعد مضي إسرائيل بعدوانها قصفًا على القطاع للضغط على سكانه للاتجاه جنوبًا، تمهيدًا لنقلهم إلى مصر، وهي خطة غير خفية، على حد تعبيره.
وأكد نسيبة أنه لا يمكن أبدًا للمحكمة الجنائية بعد اليوم إهمال هذا الملف، وسيكون المدعي العام مضطرًا للنظر في تلك الجرائم والتحقيق بها.
وتوقع أستاذ القانون الدولي في جامعة القدس، توجه خان وفريق التحقيق الدولي إلى غزة، بعد أن تضع الحرب أوزارها، للتحقيق في كل تلك الوقائع، وسيكون لزامًا عليه توجيه الاتهامات لإسرائيل بالإبادة الجماعية، والتطهير العرقي.