نجا الطفل علي خليفة من الموت بأعجوبة بعد 14 ساعة قضاها تحت ركام مبنى استهدفته غارة إسرائيلية في جنوب لبنان، لكنه خسر - كما يروي أحد أقربائه - والدَيه وشقيقته وجدتيه، واضطر الأطباء لبتر يده.
ومنذ أكثر من شهر، وسّعت إسرائيل عدوانها على لبنان عبر غارات جوية غير مسبوقة عنفًا وكثافة، كما بدأت غزوًا بريًا في جنوبه ضاربة عرض الحائط بالتحذيرات الدولية والقرارات الأممية.
ومساء الجمعة، أعلنت وزارة الصحة اللبنانية ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي المتواصل على البلاد منذ 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إلى "3 آلاف و117 شهيدًا و13 ألفًا و888 جريحًا".
طفل لبناني ينجو بعد 14 ساعة تحت الأنقاض
وعلى سرير في قسم العناية المشدّدة للأطفال في أحد مستشفيات مدينة صيدا الساحلية قبل نقله إلى مستشفى أكثر تجهيزًا في بيروت، كان الطفل ذو السنتين تحت تأثير منوّم: رأسه ملفوف بضمادة بيضاء، جفناه منتفخان ووجهه المتورم تكسوه الجروح، بينما يخرج أنبوب التنفس الاصطناعي من فمه.
وتبدو من تحت غطاء أبيض طبي يده المبتورة فوق المعصم.
وبتأثّر شديد، قال حسين خليفة (45 عامًا)، خال والد الطفل، لوكالة فرانس برس: "علي هو الناجي الوحيد من عائلته. استشهد والده محمّد وأمه منى وشقيقته الصغيرة نور وجدتاه. كان يتنفّس بصعوبة عندما أُخرج بعد 14 ساعة تحت الأنقاض".
واستهدفت غارة إسرائيلية ليل 29 أكتوبر/ تشرين الأول مبنى من طبقات عدة في بلدة الصرفند، الواقعة على بعد قرابة 15 كيلومترًا جنوب صيدا، ما أسفر وفق حصيلة أوردتها وزارة الصحة في الليلة ذاتها عن استشهاد 8 أشخاص وإصابة 21 آخرين بجروح.
لكن حصيلة الشهداء ارتفعت في اليوم اللاحق، وفق سكان البلدة، إلى 15 شهيدًا غالبيتهم أقرباء.
وفي اليوم التالي للغارة، أحضرت فرق الإنقاذ معدات ورافعات ثقيلة لرفع الأنقاض.
وقال حسين: "كاد عمال الإنقاذ أن يفقدوا الأمل في العثور على أحياء تحت الركام (..) حتى اللحظة التي أصابت الجميع بصدمة، حين ظهر علي بين الحجارة في رفش الجرافة، بعدما كان الجميع قد ظنوا أنه فارق الحياة".
وبعد نقله إلى المستشفى، قرّر الأطباء المشرفون على علاج علي، "بتر يده اليمنى من المعصم"، وفق ما ذكر حسين.
ونُقل علي في وقت لاحق إلى مستشفى في بيروت لاستكمال علاجه، ولحاجته إلى البقاء في العناية المشددة.
وبحسب خال والد الصغير، كان علي نائمًا على الكنبة حين أصابت الغارة منزله، وما زال حتى اليوم نائمًا.
وعلّق حسين بالقول: "ننتظر أن تلتئم جراحه ويصحو"، مضيفًا بتأثر شديد: "متى يصحو؟".
"أكبر من إصابة جسدية"
والطفل علي هو في عداد آلاف الجرحى الذين أُصيبوا جراء الغارات الكثيفة التي تشنها إسرائيل على لبنان.
وقلبت الغارة الدامية على المبنى في الصرفند حياة الشقيقتين زينب (32 عامًا) وفاطمة (30 عامًا) خليفة رأسًا على عقب خلال لحظات مرت ثقيلة عليهما، بينما كانتا تتسامران في الغرفة ذاتها.
وإثر الغارة، تم نقل الشقيقتين إلى مستشفى في الصرفند، لتبدأ رحلة علاج طويلة من كسور وشظايا وحروق وفقدان أحبة ترك ندوبًا قاسية.
ونقل حسين خليفة، وهو خال الشقيقتين، عن زينب أنها "لم تسمع أصوات الصواريخ التي انهالت على منزل عائلتها، بل شعرت بظلمة تعمّ المكان وصراخًا يصمّ الآذان".
وأوضح أنها بقيت ساعتين تحت أنقاض المبنى قبل نقلها إلى المستشفى، حيث تبلغت لاحقًا باستشهاد والديها وزوجها وأطفالها الثلاثة الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاث وسبع سنوات.
واستدعت إصابتها نقلها قبل أيام إلى أحد مستشفيات بيروت لحاجتها لتلقي علاج متخصص بالعيون، بينما تتابع شقيقتها فاطمة علاجها في مستشفى البلدة.
وشرح طبيب العناية الفائقة والتخدير علي علاء الدين لفرانس برس من المستشفى في الصرفند، أن "الإصابات توزعت في أنحاء جسديهما: كسور في القدمين وتضرّر في الرئتين".
وبينما خضعت فاطمة في المستشفى "لعمليات ترميم الجمجمة والصدر، ومعالجة الرئتين"، فقدت شقيقتها زينب "إحدى عينيها وتحتاج العين الأخرى إلى علاج جراء إصابة بليغة"، وفق الطبيب.
وتكسو الجروح وجه زينب وتحيط بعينها اليمنى، بينما تغطي ضمادة بيضاء عينها اليسرى. أما شقيقتها فاطمة، فرأسها ملفوف بضمادات والحروق تعلو وجهها.
وتابع الطبيب: "حالة زينب وفاطمة ليست من أصعب الحالات التي نواجهها خلال الحرب، لكنها الأقسى من الناحيتين النفسية والإنسانية".
وأكد أن "الأضرار النفسية التي لحقت بزينب أكبر بكثير من إصابتها" الجسدية.
ورغم أنها لا تتمكن اليوم إلا من رؤية نور خافت، قال الطبيب: "يبقى أملنا كبيرًا في أن تستعيد الرؤية".