الجمعة 15 نوفمبر / November 2024

مقابر جماعية مؤقتة.. سكان تشيرنيهيف يروون شهادات صادمة عن الحرب

مقابر جماعية مؤقتة.. سكان تشيرنيهيف يروون شهادات صادمة عن الحرب

شارك القصة

تقرير عن مشاهد الدمار في مدينة تشيرنيهيف الأوكرانية (الصورة: غيتي)
دفن سكان مدينة تشيرنيهيف ما يصل إلى 100 شخص في يوم واحد في قبور مؤقتة، حيث أقامت العائلات جنازات جماعية خشية أن يُقتلوا إذا مكثوا في المقبرة.

عاش سكان تشيرنيهيف الأوكرانية أكثر من شهر من دون مياه وكهرباء بالكامل تقريبًا منذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، ولم تتمكن أي مساعدات من الدخول إلى المدينة، ما دفع أكثر من نصف السكان البالغ عددهم قبل الحرب 300 ألف نسمة، إلى الفرار.

أما الذين بقوا في المدينة التي تقع على بعد 90 ميلًا شمالي كييف، فقد أمضوا معظم الأسابيع الخمسة الماضية، في أقبية تحت الأرض بينما قصفت القوات الروسية الأحياء السكنية بالصواريخ وقذائف الهاون.

وبينما لا يزال عدد القتلى المدنيين غير واضح، أشار رئيس البلدية فلاديسلاف أتروشينكو إلى أن المدينة دفنت في بعض الأحيان ما يصل إلى 100 شخص في يوم واحد، في قبور مؤقتة، حيث أقامت العائلات جنازات جماعية خشية أن يُقتلوا إذا مكثوا في المقبرة.

وقال أتروشينكو، في مقابلة مع صحيفة "واشنطن بوست": "لم يكونوا يقاتلون الجيش هنا. كانوا يقصفون المدنيين".

أعمال عنف ووحشية

وتشيرنيهيف هي أكبر مدينة أوكرانية استعادتها القوات الأوكرانية من القوات الروسية، رغم أن سكانها يستعدون لما يخشون أن يكون عودة روسية في الأيام المقبلة.

وبعد وقت قصير من بدء الحرب، وصلت القوات الروسية إلى خارج تشيرنيهيف التي لا تبعد سوى 45 ميلًا برًا عن الحدود مع بيلاروسيا، حيث كانت تتمركز القوات الروسية، لكن الجيش الأوكراني تمكن من إبقائهم خارج المدينة، على الرغم من أنها كانت محاصرة بالكامل.

وأصبحت القرى التي تطوق تشيرنيهيف الخط الأمامي للقتال.

وتحدث سكان المدينة عن أعمال العنف والوحشية التي ارتكبها الجنود الروس، والتي أضيفت إلى العدد المتزايد من جرائم الحرب الروسية المحتملة التي ارتُكبت خلال الحرب في أوكرانيا.

وقال سكان محليون إن القوات الروسية استخدمت الذخائر العنقودية بشكل متكرر وعشوائي. وتظهر بقايا تلك الأسلحة في حقول خارج المدينة، إلى جانب عشرات الدبابات الروسية والأوكرانية المحترقة ومركبات النقل العسكرية.

مقابر جماعية

وقال سكان إحدى القرى القريبة من تشيرنيهيف إنهم دفنوا 12 مدنيًا يومي الأحد والإثنين، وإن العاملين في المجال الإنساني نقلوا أكثر من 100 جثة معظمها لجنود روس وأوكرانيين.

وقال سكان إنه تم نقل 56 جثة أخرى من المشرحة يوم الإثنين ودفنوها في خندق.

وخلافًا لما حدث في بلدات خارج كييف مثل إربين وبوتشا، حيث يسود الشعور بأن القوات الروسية تخلت عن تقدمها نحو العاصمة، يخشى المسؤولون في تشيرنيهيف من أن القوات الروسية تعيد تجميع صفوفها ببساطة وقد تعود قريبًا إلى مشارف المدينة.

وقال فياتشيسلاف تشاوس، رئيس الإدارة العسكرية في تشيرنيهيف للصحيفة، إن آخر الروس غادروا محيط المدينة قبل أيام قليلة فقط، مضيفًا أن الجيش كان يحاول بسرعة إنشاء وتأمين ممرات المساعدات والإخلاء التي كان يطلق عليها "طرق الحياة" تحسبًا لعودة القوات الروسية.

وقال رئيس المدينة للصحيفة: "ليس لدينا هذا الشعور بالسلام أو الهدوء هنا، لأن الروس يمكنهم العودة بالسرعة التي غادروا بها"، مضيفًا: "لا أفهم حتى مستقبل الحرب، سواء كانت هذه هي نهاية الحرب بالنسبة لنا، أو إذا كنا بحاجة فقط إلى إصلاح المياه والكهرباء قبل هجوم آخر".

وروى كيف أنه "لجعل تعقّبه أكثر صعوبة، يغير أماكنه بانتظام وينام بالقرب من ثلاثة حراس شخصيين مكلفين بإبقائه على قيد الحياة".

وعندما انتخب رئيسًا للبلدية لأول مرة عام 2015، لم يتخيل أتروشينكو أن واجباته ستشمل العثور على شاحنات مبردة للمشارح للحفاظ على القتلى المجهولين. ولم يتخيل قط أن القوات الروسية تحتل المقبرة الرئيسة للمدينة في ضواحيها.

لوكاشيفكا وإرهاب تيتان

وفي مواجهة مقاومة شديدة، لم تتمكّن القوات الروسية إلا من تطويق تشيرنيهيف، ما يعني أن القرى التي كانت ذات يوم في محيط المدينة مثل لوكاشيفكا الصغيرة، لم تكن ملاذًا آمنًا، وبدلًا من ذلك، تحمّل السكان أسابيع من المعارك المدفعية الشرسة التي تخلّلها قصف عنقودي روسي.

وتنتشر ناقلات الذخائر العنقودية التي تحمل كل واحدة منها عشرات القنابل المحظورة بموجب اتفاقية للأمم المتحدة، على مساحة كبيرة من أراضي القرية لدرجة أنه في الأيام التي تلت انسحاب الروس، قام السكان بتكديسها في أكوام.

وبحلول التاسع من مارس/ آذار الماضي، كانت القرية التي يبلغ عدد سكانها 288 نسمة تحت سيطرة كتيبة روسية يقودها رجل يعرف باسم "تيتان"، وقال السكان إنه أرهبهم بالضرب المبرح والإعدام الوهمي.

ووصف أليكسي بافليوك (26 عامًا) من سكان القرية للصحيفة، حادثة اقتحم فيها تيتان وجنديان آخران منزله، وجرّوه وصديقًا له إلى الفناء الخلفي، وعلّقوهما من ذراعيهما بحبل على غصن شجرة، وجردوهما من ملابسهما، قبل أن يضغطوا بالبنادق على صدورهم.

وقال: "كانت الحرارة متدنية لدرجة التجمّد، لكنني لم ألاحظ الأمر حيث كنت أودّع الحياة. تركنا الجنود معلّقين، بينما كانوا يسرقون كل شيء ذي قيمة من المنزل. ثمّ قطعوا الحبال".

وذكر السكان أنهم اصطفوا في طوابير وصودرت هواتفهم وجوازات سفرهم، بينما قال آخرون إن الجنود الروس سرقوا سجادهم ووسائدهم.

وفي مزرعة للماشية على أطراف القرية التي استولت عليها القوات الروسية من الأوكرانيين الذين كانوا يستخدمونها موقعًا دفاعيًا، أعدم رجال تيتان عشرات الأبقار والعجول، وأطلقوا النار عليهم في حناجرهم وأعينهم من مسافة قريبة. وقطعوا رؤوس بعض الماشية.

داخل المدينة، ومع استمرار الحصار، خاطر المتطوعون بحياتهم لتوصيل المياه. وباستخدام مولد كهربائي محمول، استطاع السكان اليائسون شحن هواتفهم للاتصال بالعائلة للتأكد من أنهم ما زالوا على قيد الحياة.

وقال موظفو المستشفى إنه على الرغم من جهود المتطوّعين، لقي العديد من السكان مصرعهم ليس بسبب القصف فحسب، بل لأنهم لم يتمكنوا من الحصول على الأدوية الأساسية.

ولا يزال العديد من الجرحى جراء الهجمات الروسية داخل المدينة في مستشفى مدينة تشيرنيهيف، وغالبًا ما تقيم أسرهم معهم لأن منازلهم دمرت.

ووصف الكادر الطبي في المدينة الشهر الماضي بأنه "الأصعب في حياتهم"، ورووا شهادات عن سكان تمزّقت أعضاؤهم من القصف، من ضمنهم عشرات أصيبوا في قصف استهدف طابورًا للخبز في المدينة.

وقال أحد المتطوعين: "رأيت الدماء في كل مكان، اثنا عشر شخصًا قتلوا على الفور".

وفي اليوم التالي، أصاب القصف الروسي وقذائف الهاون المستشفى، مما أدى إلى تحطم النوافذ والأبواب، بينما امتلأت الممرات بالدخان وأُصيب بعض المرضى والموظفين.

وفي المشرحة خلف المستشفى، ظلّت 13 جثة مجهولة في شاحنة تبريد، ولا يزال الضحايا يرتدون الملابس التي قُتلوا بها.

تابع القراءة
المصادر:
العربي - ترجمات
Close