"منقذنا" من لهيب الصيف الحار.. هل تعرفون "قصة" اختراع مكيف الهواء؟
لا شكّ أن العمل داخل المكاتب خلال شهر يوليو/ تموز الحار، أو النوم براحة خلال أغسطس/ آب، لم يكونا ممكنين لولا مكيّف الهواء الذي ينقذنا من درجات الحرارة المرتفعة ولهيب الصيف.
وفي وقت تواصل درجات الحرارة حول العالم تسجيل مستويات قياسيّة في ظلّ لهيب غير مسبوق، بات مكيّف الهواء بمثابة "المنقذ"، بعدما أضحى جزءًا لا يتجزّأ من يومياتنا.
ولكن هل يمكن أن تتخيّلوا الحياة من دونه، ولا سيما في الشركات والمستشفيات والمختبرات والكثير من المباني الحيوية الأخرى؟
وفق سالفاتور باسيلي، مؤلف كتاب "كيف غيّر تكييف الهواء كل شيء"، ساعد مكيف الهواء عالمنا إلى الحد الذي يمكن فيه للناس أن يعيشوا حياة طبيعية جدًا خلال الأشهر الحارة، وهو ما لم يكن ليحدث من قبل.
وإذا كانت التقديرات تشير إلى أنّ 75% من المنازل في الولايات المتحدة تضمّ مكيفات هواء، كما أنّ 48% من إجمالي استهلاك الطاقة في المنازل الأميركية في يومنا هذا ناتج عن التبريد والتدفئة، فإنّ المفارقة أنّ هذا الاختراع لم يلاقِ في بادئ الأمر اهتمامًا كبيرًا.
"تبريد اصطناعي".. كيف بدأت الفكرة؟
تعود قصّة مكيّف الهواء إلى أربعينيات القرن التاسع عشر، حين اقترح الطبيب والمخترع جون جوري من فلوريدا فكرة تبريد المدن لتخليص السكان من "شرور ارتفاع درجات الحرارة"، بحسب ما يذكر موقع "ثوت".
كان جوري يعتقد أن التبريد هو المفتاح لتجنب أمراض مثل الملاريا وجعل المرضى أكثر راحة، لكن نظامه البدائي لتبريد غرف المستشفيات تطلب شحن الثلج إلى فلوريدا من البحيرات والجداول المتجمدة في شمال الولايات المتحدة.
وللتغلب على هذا التحدي اللوجستي المكلف، بدأ جوري في تجربة مفهوم التبريد الاصطناعي حيث صمّم آلة لصنع الجليد باستخدام ضاغط يعمل بالحصان أو ضغط الماء الذي تحركه الرياح.
وحصل على براءة اختراع عام 1851، وعلى الرغم من أن جوري لم ينجح في تسويق تقنيته التي ظن أغلب الناس حينها أنها "متعبة" من دون جدوى، إلا أنها أرست الأساس لتكييف الهواء والتبريد الحديث.
التصميم الأول.. محاولة إنقاذ مطبعة
وظلت فكرة التبريد الصناعي راكدة لعدة سنوات حتى تولى المهندس ويليس كاريير وظيفة من شأنها أن تؤدي إلى اختراع أول وحدة تكييف كهربائية حديثة.
ففي مطلع القرن العشرين، هددت الرطوبة سمعة شركة Sackett-Wilhelms للطباعة الحجرية والنشر في بروكلين، وذلك بعد فصلين من الحرارة الشديدة أدّيا إلى تعطيل العمل وانكماش الصفحات المطبوعة، ووجدت شركة الطباعة أن صناعة التبريد الناشئة يمكن أن تقدم المساعدة.
وعام 1902 قدم ويليس كاريير المهندس البالغ من العمر 25 عامًا آنذاك، تصميمه لأول نظام تكييف بدائي لتقليل الرطوبة حول الآلة الطابعة، محققًا إنجازًا كان يُعتقد في السابق أنه مستحيل، وقد أدى اختراعه إلى ظهور شركة رائدة عالميًا في مجال التدفئة وتكييف الهواء والتبريد.
فقد استخدم مروحة صناعية لنفخ الهواء فوق أسلاك بخارية مملوءة بالماء البارد؛ فتتكثف الرطوبة الزائدة بعد ذلك وتنتج هواءً باردًا.
في هذا السياق يقول باسيلي: "لم يقتصر الأمر على حل المشكلة فحسب، بل بدأ الهواء البارد في جعل الناس مرتاحين، ثم انطفأ المصباح".
لكن قبل الغوص في تفاصيل الاختراع، لا بد أن نعلم من هو المخترع.
من هو ويليس كاريير؟
وُلد ويليس هافيلاند كاريير في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 1876 في حي أنغولا بنيويورك، لوالدين هما دوان ويليامز كارير وإليزابيث آر هافيلاند.
تخرج ويليس من أكاديمية أنغولا عام 1894، ومن مدرسة بافالو الثانوية عام 1897، ثم درس في جامعة كورنيل عام 1897 وحصل على درجة ماجستير في الهندسة منها عام 1901.
وفي معلومة لافتة عن طفولته، عانى ويليس من مشاكل تعلمية، ولا سيما في مادة الرياضيات، بحيث لم يكن قادرًا على استيعاب بعض أبسط المسائل الرياضية الابتدائية.
إلا أن والدته لم تيأس وأرادت حلّ هذه المشكلة، فكانت تقوم بتبسيط المسائل الرياضية وتقريبها إليه مثل تقطيع التفاح إلى أجزاء حتى تشرح له المفاهيم الصعبة عليه.
"جهاز معالجة الهواء"
وبالعودة إلى اختراعه الذي غيّر حياتنا، كان المهندس الشاب يعلم أن اختراعه الأولي لم يكن الأكثر فاعلية للتحكم في الرطوبة، فقام ويليس بسلسلة من التجارب على تصميمه للتحكم، وحصل على براءة اختراع لـ "جهاز معالجة الهواء"، والذي يمكنه إما ترطيب الهواء عن طريق تسخين الماء أو إزالة الرطوبة عن طريق تبريد الماء.
كما ابتكر ويليس كاريير نظام تحكم آلي وحصل على براءة اختراع أخرى لتنظيم الرطوبة ودرجة حرارة الهواء في مصانع النسيج.
ولم يمض وقت طويل قبل أن يدرك كاريير أن التحكم في الرطوبة وتكييف الهواء يمكن أن يفيد العديد من الصناعات الأخرى، فأنشأ شركة كاريير الهندسية مع ستة مهندسين آخرين.
انتشار آلة تكييف الهواء
شيئًا فشيئًا، بدأ الصناعيون يدركون أهمية التحكم بالظروف الجوية لحماية منتجاتهم، فحظيت معدات كاريير على اهتمام كبير زادته التغطية الصحفية الواسعة.
وفيما كان تكييف الهواء يشتهر أكثر فأكثر بالقطاع الصناعي، عرّفت صالات السينما الأميركية عامة الناس على تقنية تبريد الهواء وفق مجلة "سميثسونيان".
ويقول باسيلي في هذا الإطار إن "ضاغط الطرد المركزي الذي صممه كاريير ساعد في تبريد دور السينما إلى حد كبير في جميع أنحاء الولايات المتحدة". وحوالي عام 1919، أصبحت آلات التبريد أساسية في دور السينما وكانت هذه ثورة بحد ذاتها.
وبفضل اختراعه الذي طوره عبر السنين، أدرج اسم ويليس كارير على قائمة القاعة الوطنية الأميركية للمخترعين للأسماء التي قدمت اختراعات مفيدة للبشرية عام 1985.