تشهد الآثار العمرانية في قطر على تاريخها العريق. ويروي الموروث الشعبي بعضًا من حكايا المواقع والقبائل والأحداث التي شهدتها البلاد في سالف الأعوام.
وما تنفض عنه الأبحاث غبار السنوات يكشف المغمور، ويكتب سطورًا جديدة عن تاريخ قديم.
وباختيار الدوحة عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2021 من جانب منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة، وهو حدث أطلق عليه المنظمون في قطر شعار "ثقافتنا نور"؛ تتحول الأنظار إلى غنى البلاد بالمعالم الأثرية ومن بينها مستوطنات وحصون وقلاع، وشواهد أخرى على حاضر ثري يتغنى بإرث الماضي.
مروب العصور الوسطى
تضم مروب، المستوطنة الإسلامية الكبيرة الوحيدة في قطر التي تعود إلى العصور الوسطى ولا تقع على الساحل، نحو مائتي وحدة سكنية شُيِّدت على شكل مجموعات، قصر سكني، ومشاغل ومسجدين، بالإضافة إلى مجموعة من القبور منتشرة حول البيوت كشفت عنها الحفريات.
ويُعد قصر مروب أقدم قصر إسلامي تم اكتشافه في قطر. ويشبه مخطط القصر شبه المستطيل القصور السكنية الأموية والعباسية المعروفة في العراق، سوريا وإيران.
ويدل البحث الميداني والدراسات المقارنة للقى الأثرية - مثل القطع النقدية والفخار التي عُثِر عليها في موقع مروب- على تأسيس الموقع في العصر العباسي المبكر (القرن 9 ميلادي)، وعلى استيطان لمدة لا تقل عن قرن من الزمان.
الرويضة
كانت الرويضة ذات يوم بلدة صغيرة بشمال دولة قطر، أُخْلِيت عند نهاية القرن الثامن عشر. وهي اليوم أحد أكبر المواقع الأثرية تمتد على ما يزيد عن كيلومترين ونصف الكيلومتر على طول شاطئ خليج ضحل.
وأسفرت الحفريات الأخيرة عن رفع النقاب عن قلعة كبيرة، بيت فخم، بئرين، مجموعة من المخازن، مسجد، محل لإصلاح السفن ومقبرة مسورة بالإضافة إلى بقايا العديد من البنى المؤقتة.
وتبيّن الاكتشافات من البحر على وجود علاقات تجارية واسعة النطاق، حيث تم العثور على الكثير من اللُقى منها أكواب خزفية من الصين، واليابان وميانمار (بورما)، وأواني فخارية غير مطلية من جلفار (الإمارات العربية المتحدة) والبحرين، وأواني فخارية مصنوعة من عجينة مزججة من إيران وخزف من أوروبا...
فريحة
هو بلدة صغيرة مهجورة تقع على خليج ضحل وتبعد نحو خمس كيلومترات شمال مدينة الزبارة. وتشير الحفريات الحالية والبحوث، إلى أن البلدة تعود إلى أوائل القرن الثامن عشر وحتى منتصف القرن التاسع عشر، حينما أُخليت.
ويعني هذا، أن فريحة كانت موجودة قبل مدينة الزبارة، وربما أُخليت عندما أُقيمت هذه المدينة الجديدة.
وتقع قلعة فريحة وسط الموقع، وهي بناية مربعة الشكل بطول ضلع 45 مترًا، ذات أسوار دفاعية وأبراج في الزوايا.
وغير بعيد من القلعة، على الشاطئ، ترقد أطلال مسجد بُني على الطراز التقليدي القطري.
الزبارة
تُعدّ الزبارة أحد أفضل الأمثلة الباقية للمدن الخليجية، التي كانت تقوم على التجارة خلال الفترة الممتدة ما بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
فهي كانت ميناء مزدهرًا لصيد وتجارة اللؤلؤ، وسجلت عام 2009 منطقة محمية.
وعام 2013 أدرجت لجنة التراث العالمي موقع الزبارة الأثري على قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو. ويتألف الموقع المُدْرَج من ثلاثة أجزاء رئيسية، أكبرها البقايا الأثرية للمدينة التي يعود تاريخها إلى 1760. أما قلعة مرير فهي مستوطنة مترابطة بمدينة الزبارة الأولى، حُصّنَت من أجل حماية الآبار الداخلية للمدينة. بينما تُعَدّ قلعة الزبارة التي شُيِّدت عام 1938 أحدث تلك العناصر وأبرزها في الموقع.
وإلى جانب المواقع المذكورة أعلاه، تنتشر القلاع القديمة وبقاياها في جميع أنحاء المناطق الشمالية للدولة، كما في اليوسفية، وبئر الحسين، والثغب وزكريت، والتي كانت تراقب مدخل شبه جزيرة رأس بروق.
كذلك تقع على الساحل الشرقي قلاع في الحويلة، الزرقاء والعذبة، وفي مناطق حول الدوحة في الكوت، وأم صلال والوجبة التي تعد أقدم قلعة في قطر شهدت هزيمة القوات العثمانية أمام قطر .
الأبراج
احتضنت معظم المستوطنات المبكرة برجًا واحدًا أو أكثر، واختلفت أشكالها من أسطوانية إلى مستطيلة بُنِيَت عادة من الحجارة.
وبحسب الموروث الشفهي، فقد كان الغرض من بناء الأبراج حماية الأودية التي كانت تجمع مياه الأمطار الثمينة ومراقبة قدوم السفن، كما قد تكون استُخدمت كذلك مركزاً لتحديد التقويم القمري.
أبراج المراقبة والدفاع لمدينة الخور تقع على الميناء القديم، وقد استخدمت لمراقبة السفن وحماية مدخل بئر عين حليتان، التي شكلت المصدر الرئيسي للمياه وجعلت الحياة ممكنة في مدينة الخور.
أما برجا برزان فقد شُيّدا بأمر من الشيخ محمد بن جاسم آل ثاني، مؤسس قرية أم صلال محمد.
و"برزان" هو الاسم الذي يطلق على البرج الغربي الذي يبلغ ارتفاعه 14 مترًا، ويتألف من ثلاثة مستويات ويعرف بشكله المميز 'T' الذي يتفرد به في منطقة الخليج. بينما يجسد البرج الشرقي الذي بُني بالحجارة وكُسي بالطين، المثال النموذجي بشكله المستطيلي للأبراج القطرية.
الآبار
لعبت الآبار في الماضي دورًا هامًا كونها المصدر الرئيس للمياه الطبيعية، في غياب أنهار دائمة في قطر. غير أنها لم تعد مصادر أساسية للمياه كما كانت في السابق، فمواقعها تحت الأرض وفي مناطق غير مأهولة بالسكان جعلت معظمها يجف ويتقهقر.
ومن أبرز مصادر المياه القديمة عين حليتان في الخور، التي كانت سببًا رئيسيًا لاستقرار قبيلة المهاندة بالمدينة، وهي تقع على ساحل الخور الغربي، وتتميز بكونها أسطوانية الشكل ومبنية من الحصى والطين والجص.
وتتحدث بعض المصادر الشفهية القديمة، عن قدرة مياه هذه العين الاستثنائية على علاج العديد من الأمراض، ما دعا السكان المحليين إلى إطلاق اسم "الطبيب" عليها.
منحدرات راس بروق
تأوي راس بروق وهي شبه جزيرة تقع على الساحل الغربي لقطر، بقايا استقرار بشري يعود إلى عصور ما قبل التاريخ.
إذ اكتشفت هناك حتى الآن مواقع أثرية عديدة تعود إلى تلك الحقبة، وكانت تحتضن أمثلة عن أدوات مصنوعة من حجر الصوان استُخْدِمت للصيد.
ومما يميّز المنطقة مشهد المنحدرات البيضاء الاستثنائي وشكل ولون المشهد الناتج عن تعرية الطبقات الجيرية الهشة، والرياح التي نحتت المنحدرات البيضاء والأشكال الجيولوجية العجيبة كتلال على شكل فطر.
النقوش الصخرية بالجساسية
يُعد موقع الجساسية أحد المواقع العديدة ذات النقوش الصخرية في قطر.
وبعد أن اكتشف الموقع في العام 1957 شُرع في دراسته بشكل أعمق عام 1974، وصُنِّف 874 من النقوش الفردية وأخرى مركبة، تتألف أساسًا من حفر مستديرة تشبه علامات أكواب بأشكال مختلفة بما في ذلك الصفوف، والوريدات والنجوم، كما تتكون من نقوش أخرى كنقوش للقوارب، وآثار للأقدام ورموز وعلامات أخرى تضفي قدرًا من الغموض.
ويعتقد أن علامات الأكواب هذه استخدمت في ألعاب لوحية قديمة، كلعبة "المنقلة" والتي كانت تعرف في قطر بـ"الحالوسة أو "الحويلة".
جزيرة بن غنام
تقع الجزيرة على الساحل الشرقي لقطر في موقع محمي داخل خليج خور الشقيق. وكانت مكانًا للعبور، ومخيمًا مؤقتًا للتجارة مع البحرين استخدمه الصيادون المتجولون أو غواصو اللؤلؤ في بداية الألفية الثانية قبل الميلاد.
وفي وقت لاحق، كانت الجزيرة موقعًا لإنتاج الصبغ الأحمر الأرجواني من الأصداف البحرية خلال الفترة الكاشية، ثم كانت مخيمًا لرحلات صيد اللؤلؤ خلال الفترة الساسانية، ومركزًا للصيد خلال الفترة الإسلامية المتأخرة.
وتزخر الجزيرة بتراث طبيعي يجتذب الزوار، وبأشجار المنغروف والأسماك الصغيرة وسرطان البحر، وبعدد كبير من الطيور المهاجرة التي تقصد الجزيرة خلال أشهر الشتاء.