من درة النيل إلى بؤرة مآس.. سكان جزيرة توتي السودانية يروون معاناتهم
تعد جزيرة توتي أحد أبرز معالم العاصمة السودانية الخرطوم وإحدى أقدم مناطقها، ولطالما كانت قبلة سياحية مميزة، لكنها باتت الآن عنوانًا لمعاناة إنسانية كبيرة.
وباتت الجزيرة الواقعة في نهر النيل الأزرق على مساحة تمتد لتسعمئة فدان، ويقطنها نحو عشرين ألف نسمة، عنوانًا لمعاناة إنسانية كبيرة بسبب تداعيات الاقتتال بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وتدور حرب السودان منذ أبريل/ نيسان 2023 بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، نائبه سابقًا.
وقد اتُهم الطرفان بارتكاب جرائم حرب، بما في ذلك استهداف مدنيين، ومنع وصول المساعدات الإنسانية، واستخدام أساليب التجويع في حق ملايين المدنيين، إلى جانب أزمة نزوح تعد الأسوأ عالميًا، وفق الأمم المتحدة.
"لا نوم ولا أمان"
كان محمد عوض وعائلته من بين عشرات فرّوا من جزيرة توتي السودانية في وقت سابق من هذا العام، وسط حصار فرضته قوات الدعم السريع شبه العسكرية، ووجدوًا ملاذًا في مكان للإيواء، بعد أن عاشوا لعدة أشهر على طعام شحيح، وفي ظل خطر الإصابة بالأمراض.
وقال عوض لوكالة رويترز، وهو يحمل أحد أطفاله في المأوى المخصص للسكان النازحين في أم درمان، وهو مكان يسيطر عليه الجيش: "لا توجد أغذية، والأمراض كثيرة، ولا نوم ولا أمان".
وكانت الجزيرة تسمى "درة النيل"، حيث تلتحف النيلين الأزرق والأبيض، ومنها يولد نهر النيل، ويعود تاريخها إلى 7 قرون مضت، وأول من سكنها قبيلة المحس القادمة من أرض الشمال، حيث تحد الجزيرة من جوانبها بساتين المانغا والليمون ومزارع الخضراوات.
قاوم سكان توتي كل محاولات الترحيل منذ عشرات السنين قدر مقاومتهم تهديدات غضب النيل، لتظل الجزيرة محتفظة بإرث الريف وترابط المجتمع، حتى جاءت الحرب وشردتهم.
ويقول خبراء إن جزيرة توتي واحدة من 14 منطقة في أنحاء السودان معرضة لخطر المجاعة. كما اجتاحت حمى الضنك الجزيرة التي تمتاز بكونها مجتمعًا زراعيًا مترابطًا. وتعد الجزيرة الواقعة في وسط نهر النيل بمثابة نموذج مصغر للدمار، الذي سببته الحرب.
وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 61 ألف شخص لقوا حتفهم في ولاية الخرطوم خلال الأشهر الأربعة عشر الأولى من حرب السودان، وهو عدد أكبر بكثير من المسجل سابقًا. وذكر ناشطون أن قوات الدعم السريع فرضت على الناس مبالغ كبيرة لإجلائهم.
الجوع يفتك بجزيرة توتي
سارة سراج وهي أم غادرت مع طفليها الجزيرة، تقول لرويترز إن 6 أو 7 أشخاص يموتون يوميًا، وإنها لم تتمكن من علاج أطفالها من حمى الضنك، وهو مرض ينقله البعوض، إلا بمجرد وصولها إلى أم درمان.
مطابخ خيرية اضطرت إلى الإغلاق في جزيرة توتي، وأماكن أخرى بالعاصمة الخرطوم، بسبب نقص التمويل والإمدادات وارتفاع الأسعار، مع الحرب الشرسة.
وتصف مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين الوضع بالسودان، بأنه "كارثة" إنسانية، حيث يواجه نحو 26 مليون شخص انعدامًا حادًا في الأمن الغذائي.
وتعالج ربيعة عبد القادر، المتخصصة في التغذية، الأسر التي تصل حديثًا في مأوى بالمدينة. وتقول: "نسأل الأم عن نوعية طعام أطفالها، وحين نصر عليها لتجيبنا تذرف الدموع، ما يعني أن لا إجابة لديها".