الجمعة 22 نوفمبر / November 2024

مهددون بالترحيل إلى رواندا.. "العربي" يتقصى واقع اللاجئين في بريطانيا

مهددون بالترحيل إلى رواندا.. "العربي" يتقصى واقع اللاجئين في بريطانيا
الإثنين 23 يناير 2023

شارك القصة

تحقيق لـ"العربي" عن اللاجئين في بريطانيا وكابوس ترحيلهم إلى رواندا (الصورة: غيتي)

لطالما كانت المملكة المتحدة حلمًا لطالبي اللجوء حول العالم، لكنها باتت اليوم كابوسًا ومصدر قلق لهم، بعد الاتفاقية التي أبرمت بين الحكومة البريطانية ورواندا.

فقد وضعت هذه الاتفاقية الكثير من علامات الاستفهام على مصير الآلاف من طالبي اللجوء، ولكنها أيضًا تواجه بعقبات قانونية تحول دون تنفيذ القرار.

رحلة محفوفة بالخوف

متابعة لهذا الملف، تقّصى برنامج "عين المكان" قصص بعض اللاجئين المهدّدين بالترحيل إلى رواندا، والذين ينتظرون بتّ السلطات البريطانية في المصير الذي ينتظرهم.

لكن رحلة فريق العمل للوصول إلى اللاجئين المهددين بالترحيل، محفوفة بخوف العديد منهم من الحديث، ومن بينهم السيدة السورية أم محمد التي ما زالت تنتظر قرار المحكمة بترحيلها رفقة أبنائها، والتي وافقت على تصوريها شريطة إخفاء وجهها.

وتكشف اللاجئة السورية المهددة بالترحيل لـ"العربي"، أنها لجأت مع عائلتها إلى بريطانيا هربًا من بلدٍ مزّقته الحرب وفي ظل نظام ديكتاتوري، قتل زوجها وأقرباءها وكان يلاحقها.

وتتابع: "نحن نعيش في حرب، المفروض عليهم أن يساعدونا ولا يردوننا خائبين وترحيلنا إلى رواندا.. هذا الأمر أرهقنا نفسيًا أكثر من التعب الذي عانينا منه أصلًا خلال رحلة اللجوء.. ما زلنا حتى هذه اللحظة عاجزين عن استيعاب كيف وصلنا وما زلنا نعيش كابوس ما عشناه في البحر".

وتشدد أم محمد على أن اللاجئين يخوضون رحلة الموت، بحثًا عن بلدٍ يشعرون فيه بالأمان حيث لا أحد يهددهم، لكن ما حصل معهم كان العكس. 

قرار الترحيل إلى رواندا 

وفي 14 أبريل/ نيسان 2022، وقّعت الحكومتان البريطانية والرواندية اتّفاقية لاستقبال طالبي اللجوء والمهاجرين إلى المملكة المتحدة على أراضيها، حيث يأتي هذا الاتفاق وفق خطّة حكومية بريطانية مدّتها 5 سنوات.

وتقضي هذه الخطة بترحيل طالبي اللجوء الذين يصلون إلى بريطانيا، نحو رواندا، ويحقّ لهم تقديم طلبات اللجوء من هناك، ليفتح هذا الاتفاق أسئلة كبيرة حول أسباب اختيار رواندا تحديدًا، رغم العديد من السلبيات التي تحيط بالبلد.

في هذا السياق، يفيد عضو البرلمان البريطاني تيم لوتون بأن الحكومة البريطانية ناقشت هذه الاتفاقية مع حكومة رواندا، لأخذ القادمين إلى بريطانيا بطريقة غير شرعية وغير قانونية عن طريق البحر.

ويلفت لوتون إلى أن الاتفاقية تنص على إرسال هؤلاء إلى رواندا، حيث ستتم معالجة ملفهم هناك بدلًا من معالجة طلبات اللجوء وهم على الأراضي البريطانية.

تحركات شعبية في لندن رافضة للاتفاقية البريطانية مع رواندا - غيتي
تحركات شعبية في لندن رافضة للاتفاقية البريطانية مع رواندا - غيتي

ويضيف عضو البرلمان: "الفكرة الرئيسية من هذه القصة، هي أن هناك الكثير من الأشخاص القادمين إلى بريطانيا بطرق غير شرعية.. هذا يتطلب الكثير من الوقت لمعالجة طلبات لجوئهم.. وهناك الكثير من القادمين يتقدمون من غير أسس قانونية مما يتطلب ترحيلهم إلى بلدهم الأصلي".

كما يلحظ تيم لوتون، أن النية من هذا الإجراء ردع هؤلاء الذين اختاروا الدفع للمهربين للقدوم إلى بريطانيا بأكثر الطرق خطورة، وإظهار أن المجازفة عبر البحر بقوارب صغيرة هي من أسوأ الطرق للقدوم إلى المملكة المتحدة، ويجب عليهم إيجاد طرقٍ أخرى للقدوم إلى هنا.

وعليه، ستدفع الحكومة البريطانية لرواندا كي تقوم هي بمعالجة طلبات اللجوء تلك، والاعتناء بهؤلاء اللاجئين. 

أوضاع اللاجئين في رواندا

وللتعرف أكثر على تفاصيل حياة اللاجئين في رواندا، التقى "العربي" بالصحافية البريطانية ميشيلا رونغ التي زارت رواندا عدّة مرات، واطّلعت على حياة اللاجئين هناك.

وتقول الصحافية الخبيرة في الشؤون الإفريقية: "أعتقد أن هناك 145 ألف لاجئ يعيشون في رواندا، أغلبهم من الكونغو وفقراء الهند، وهم موزّعون في 6 مخيمات لجوء".

أما هذه المخيمات، فهي عبارة عن خيم تقع خارج المدن والقرى، وفيها يعيشون ويدرسون، ويعتمدون على ما يحصلون عليه من مساعدات السلطات في رواندا لهم، وفق رونغ التي تؤكد أن "اللاجئين يستطيعون التعايش في هذه الأماكن.. لكنهم غير مرفّهين".

ورغم أن الخطة الحكومية حدّدت الفئة المستهدفة من هذا الإجراء، وهم الأشخاص الذين يصلون إلى بريطانيا بطرق غير قانونية وغير شرعية، لكنها وجهت بانتقادات كبيرة من بينها الأعضاء الروحيين في مجلس اللوردات البريطاني.

"خطوة مخجلة"

فقد اعتبر الأعضاء الروحيون أن هذه الخطوة "مخجلة وعار على السياسة البريطانية". كذلك اعتبر مجلس اللوردات أن الضمانات في الاتفاقية الموقّعة غير قابلة للتنفيذ منتقدا الإجراءات الحكومية السريعة في إبرامها.

ولم تسلم الحكومة البريطانية من انتقادات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، التي اعتبرت أن هذه القرارات غير مقبولة.

كما يكشف مدير لجنة حقوق الإنسان في منظمة العفو الدولية ستيف فالديرز لبرنامج "عين المكان"، أن لرواندا الكثير للعمل عليه في سجل حقوق الإنسان وسياسة اللجوء، وأن المملكة المتحدة لديها مسؤولياتها.

ولكن تحاول بريطانيا رمي هذه المسؤوليات على رواندا، بحسب فالديرز الذي يصف الاتفاقية "بالمخزية" وبأنها خرق للالتزامات الدولية.

متظاهر يحمل تذكرة طائرة تظهر رحلة باتجاه واحد من لندن إلى رواندا – غيتي
متظاهر يحمل تذكرة طائرة تظهر رحلة باتجاه واحد من لندن إلى رواندا – غيتي

رواندا وحقوق الإنسان

أما رواندا، فهي واحدة من الدول الإفريقية التي تقع وسط القارة السمراء، وتعتبر من أكثر الدول من حيث الكثافة السكانية ومرّت بتاريخ الإبادة الجماعية، وبحربٍ أهلية راح ضحيتها أكثر من 800 ألف مواطن.

وانتهت الحرب بمصالحة اجتماعية اعتبرت نموذجًا عالميًا، لكنها رغم ذلك تعد رواندا دولة عسكرية حيث تقوم الحكومة بمراقبة الاتصالات والإنترنت.

وبحسب قانون تم وضعه عام 2019، يسمح للحكومة باختراق شبكات الاتصالات والإنترنت، خصوصًا بعد قيام السلطات بتوقيع عقد مع شركة "بيغاسوس" الإسرائيلية لمراقبة شبكات الاتصالات.

بالإضافة إلى ذلك، تعيش البلاد في مستويات من الفقر والاضطرابات والحكم الصارم حيث تعرّض الكثير من المواطنين للاختفاء القسري والاعتقال والاغتيال بسبب التعبير عن آرائهم.

حتى إن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون، انتقد قبل أشهر من توقيع الاتفاقية، واقع حقوق الإنسان في رواندا.

جدل قانوني وحقوقي

يوم 15 يونيو/ حزيران 2022، صعد عدد من اللاجئين إلى الطائرة بغية ترحيلهم إلى رواندا، ولكن الرحلة ألغيت قبل أن تقلع الطائرة بلحظات عقب صدور قرار من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ببطلان هذا الإجراء.

وفجّر هذا القرار نقاشًا قانونيًا، فالمحكمة العليا البريطانية سمحت بتنفيذ القرار بينما موقف القانون الدولي لم يسمح بالتنفيذ، تاركًا مصير الآلاف من اللاجئين مجهولًا وغامضًا.

بدوره، يعلّق جيمس ويلسون نائب مدير مجموعة حملات "ديتشن أكشن" قائلًا: "لدينا مخاوف جدية بشأن هذه الشراكة بين رواندا وبريطانيا، ونعتقد بأنه لا ينبغي إخراج أي شخص لاجئ من المملكة المتحدة فقط لأغراض الاستماع إلى طلب اللجوء.. فيجب أن يجري الاستماع في المملكة المتحدة وبشكلٍ عادل".

كذلك، عبّر ويلسون عن مخاوفه من أمان اللاجئين في رواندا حيث يخشون من أن المرحلين يواجهون خطرًا حقيقيًا سواء في بلدانهم الأصلية، أو في رواندا التي قد تلاحقهم إذا كانت لديهم انتماءات سياسية معينة.

ويرى نائب مدير مجموعة حملات "ديتشن أكشن" أنه يجب على الحكومة البريطانية النظر في الخطوات التالية بعناية، وخصوصًا أن ما يقدّر بـ 10 آلاف شخص كل عام من الذين يطلبون اللجوء إلى المملكة المتحدة سيرحلّون إلى رواندا.

وبين تهديد وزراء الحكومات البريطانية المتعاقبة، بتنفيذ سياسة الترحيل والطعون التي تقدم في المحاكم، والخوف الذي يعتري آلاف طالبي اللجوء، يبقى اللاجئ الحلقة الأضعف ومصيره يظل معلقًا بحبال السياسة وتقلباتها. 


المصادر:
العربي
Close