Skip to main content

مهندس أول انتفاضة فلسطينية.. انتصار الوزير تروي تفاصيل استشهاد أبو جهاد

الأربعاء 7 ديسمبر 2022

هي انتصار الوزير، أم جهاد، وزيرة الشؤون الاجتماعية وعضو المجلس الوطني والمركزي والمجلس التشريعي الفلسطيني سابقًا ورئيسة الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، ولكن أيضًا "رفيقة درب" خليل الوزير (أبو جهاد)، أحد أهم قادة حركة التحرير الفلسطيني على الإطلاق.

في إطلالتها الثانية ضمن برنامج "وفي رواية أخرى"، تواصل "أم جهاد" ما بدأته في الجزء الأول من حديث عن فلسطين قبل النكبة وخلالها وعن بداية مشوار الوزير مع العمل المقاوم في غزة، لكنّها تستفيض في تفاصيل حياة أبو جهاد النضالية من البداية حتى النهاية.

تروي "أم جهاد" قصة النضال الفلسطيني، وتسلط الضوء على نشأة حركة فتح وتأسيسها في الكويت على يد الوزير وياسر عرفات. وتعرض رحلة الحركة في الجزائر وبداية النضال النسائي الحقيقي في سوريا التي ذاق فيها أبو جهاد السجن والتعذيب، لتكشف النقاب عن قصة اغتياله في تونس على يد كوماندوس إسرائيلي.

المؤتمر الرابع لحركة فتح

في حديثها لـ"العربي"، تتحدث انتصار الوزير "أم جهاد" عن محطة سوريا التي كانت مهمة لمسيرة النضال، ففي عام 1980 عُقد المؤتمر الرابع لحركة فتح في دمشق الذي عين فيه أبو جهاد نائبًا للقائد العام لحركة فتح، ياسر عرفات (أبو عمّار).

وتشرح الوزير أنه في ذلك المؤتمر، انتخب عرفات قائدًا عامًا لقوات الثورة الفلسطينية، وألقى كلمة اقترح فيها تسمية أبو جهاد نائبًا للقائد العام لقوات الثورة الفلسطينية. وتقول: "أجاب الحضور في المؤتمر بالتصفيق الحاد في تلك اللحظة".

كما اقترح عرفات في كلمته تسمية فاروق القدومي لمنصب أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح ومحمود عباس نائبًا لأمين سر اللجنة المركزية، وهو ما قابله الحضور بالتصفيق أيضًا، حيث مثّل إجماعًا على مقترحات عرفات. 

"علاقة الخندق الواحد"

وحول العلاقة بين عرفات وأبو جهاد، تقول الوزير: "منذ بداياتها كانت ثورية"، مشيرة إلى أن الرجلين كانا يلتقيان عند التفكير والإستراتيجية والهدف نفسه، وكانا يتناوبان على الأدوار. وتضيف: "كانت علاقة الخندق الواحد والمصير الواحد". 

وترفض الوزير مقولة إنّ العلاقة كانت قائمة على أساس التنافس بين الرجلين، خصوصًا من منظار أبي جهاد، الذي تنقل عنه قولًا كان يردّده منذ بداية حياتهما: "أنا مشروع شهيد أو جريح أو أسير". وتضيف: "لم يفكّر في الزعامة يومًا، بل كان همّه الوطن والقضية". وترى أن عرفات كان يحمل الأفكار نفسها. 

علاقة ثورية جمعت أبو جهاد وياسر عرفات

وإذ تشير إلى أن رفيق دربها أطلق الرصاصات الأولى في الكفاح المسلح في الخمسينيات قبل "فتح"، تؤكد أن من أطلق الرصاص في "فتح" في عام 1965 كان ياسر عرفات.

حصار بيروت

في عام 1982 وقع الاجتياح الإسرائيلي لبيروت وحوصرت العاصمة اللبنانية، ومعها قادة منظمة التحرير الفلسطينية، وكان فيليب حبيب مفاوضًا عن الجانب الأميركي وطلب من الفلسطينيين الانسحاب رافعين الرايات البيضاء، وهو طرح استفز القيادات الفلسطينية، بحسب الوزير.

كما طلبت قيادات لبنانية من الفلسطينيين الانسحاب لعدم تدمير بيروت العاصمة. تقول الوزير: "كان قرارًا صعبًا، لكن عرفات طلب أن يقوم باستشارة فدخل للصلاة وعاد قائلًا هبّت روائح الجنة"، في إشارة إلى أن القيادة اتخذت القرار بالصمود والقتال، وهكذا بدأت مواجهة الاحتلال.

وتؤكد الوزير أن أبو جهاد كان يؤيد خيار المقاومة في ذلك الحين كما فعلت القيادة الفلسطينية مجتمعة، لكن بعد ثلاثة أشهر من الحصار المرير لبيروت اضطرت للإنسحاب. وتصف أم جهاد صمود القيادة الفلسطينية والمسلحين الفلسطينيين واللبنانيين بـ"الأسطوري"، حيث دافعوا بكل قوتهم طيلة 88 يومًا رغم العدوان الإسرائيلي. 

الاجتياح الإسرائيلي للبنان 1982 -غيتي

وتروي الوزير أنها خرجت من بيروت هي وأبو جهاد في سفن مختلفة ووصلا الأراضي السورية ومكثا عدة أشهر في سوريا قبل أن ينتقلا للعيش في الأردن.

ثم عاد أبو جهاد إلى البقاع في لبنان، لكن مرسومًا سوريًا صدر وقضى بإبعاده عن سوريا والمناطق التي تديرها، أي لبنان، فغادر إلى طرابلس وقاد المعركة هناك فيما كان عرفات في تونس، وقد جاء الأخير متخفيًا لقيادة المعركة مع أبو جهاد في طرابلس. ثم توجه أبو جهاد من طرابلس إلى تونس ثم الجزائر، فيما غادر أبو عمار طرابلس عن طريق مصر ثم اليمن. 

معركة الكرامة

في معرض حديثها عن محطات المقاومة، تستذكر الوزير هزيمة إسرائيل في معركة الكرامة، حيث دعم الفدائيون الفلسطينيون الجيش الأردني في معركة ضد الإسرائيليين في بلدة الكرامة الأردنية. وتشير إلى أن أبو جهاد ومعظم أعضاء قيادة فتح شاركوا في تلك المعركة. 

وتلفت الوزير إلى أن الهدف من "إخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان هو إبعاد المقاومة عن الحدود مع فلسطين التي تحتلها إسرائيل". ولم تكن تونس سوى محطة لأبو جهاد وأبو عمار في طريقهما إلى فلسطين. 

وحول يوميات العائلة في تونس، تقول الوزير إنه كان يحضر اجتماعات اللجنة المركزية ولا يمكث في البيت سوى لأيام قليلة في كل مرة لأسباب أمنية. 

وتؤكد الوزير أن أبو جهاد كان يعلم أنه على قائمة القادة المستهدفين من قبل إسرائيل. وتنقل عن لسان زوجها الراحل أنه كان يقول: "النور مضاء على اسمي وصورتي ولن يُطفأ إلا إذا اغتالوني". 

لكنها تشير إلى أنه كان حريصًا جدًا بينما كان القلق على حياته ينتابها بشكل دائم، وهو ما كان يزعج أبو جهاد الذي كان إنسانًا قدريًا. 

ليلة الرحيل إلى القدس

تروي الوزير أنه في ليلة استشهاد أبو جهاد في 16 أبريل/ نيسان 1988 كان يعقد مجلس أمناء في تونس لتشكيل جمعية تضم مجموعة من الشباب العرب بأهداف اجتماعية وثقافية لدعم فلسطينيي عام 1948. وخرج بعدها لزيارة أحد أصدقائه ثم عاد إلى المنزل وكان مشغولًا يرتب أوراقه ويتحضر للسفر إلى بغداد في فجر اليوم التالي. 

وتخبر الوزير أنها كانت تطلب له أرقام هواتف أشخاص في تونس وفرنسا لإجراء مكالمات هاتفية فتدخل ابنتهما حنان لتخبر والدها عن حلم شاهدته في نومها، حيث رأت أن والدها يريد أن يدخل القدس بينما ينتشر الإسرائيليون في المكان وكانت الفتاة في القدس وتلتقي والدها الذي قال لها إنه يريد أن يذهب إلى القدس على حصان أبيض"، ليجيبها الوالد بعدها: "أنا ذاهب إلى القدس على حصان أبيض". 

ابو جهاد وابنته حنان

نامت أم جهاد واستفاقت على صوت اقتحام المنزل وإذ بأبو جهاد يأخذ مسدسه. ودخل أربعة ملثمين إلى البيت فأطلق أبو جهاد النار على أحدهم  فأصابه بيده لكن المسلح أمر أم جهاد بالوقوف إلى جانب الحائط. فاقترب المسلح الثاني وأطلق النار على أبو جهاد وفعل المسلحان الثالث والرابع الأمر نفسه.

وتتابع أم جهاد رواية تلك اللحظات بعيون تملأها الدموع، حيث دخل أحد المسلحين  إلى غرفة ابنهما وأطلق النار في الغرفة فظنّت أم جهاد أن طفلها الصغير نضال بعمر العامين قد استشهد، فبدأت تنهار، لكنها سمعت صراخ الطفل، وإذ بالمسلح يخرج من الغرفة ويطلق النار على أبو جهاد مجددًا فصرخت أم جهاد بأعلى صوتها "كفى"، فأفاقت ابنتها حنان التي رأت والدها الشهيد جثة على الأرض.

وسمعت أم جهاد صوت امرأة تقول باللغة الفرنسية للمسلحين: "أسرعوا غادروا بسرعة"، فغادروا المكان مسرعين. وقالت أم جهاد لطفلتها: "إن والدك أصبح شهيدًا".

وتضيف أم جهاد في روايتها لقصة النضال: "الحمدلله أبو جهاد لا يزال حيًا في قلوب الملايين". 

وداع مليوني

وقد أقيم تشييع مليوني للشهيد أبو جهاد في دمشق. وكان عرفات قد اقترح دفن الجثمان في الأردن لكن أم جهاد أرادت أن يُدفن في سوريا لأن والديه كانا في دمشق. وعندما أخبرت القيادة الفلسطينية في سوريا عن قرارها جاء الرد: "أهلًا بأبو جهاد وبعائلته".

وتروي أن زوجة السفير السوري جاءت لتقديم واجب العزاء فطلبت منها إيصال رسالتها لرئيس النظام آنذاك حافظ الأسد وهو ما حدث فعلًا. وتخبر أم جهاد أن السفير السوري كلّمها وقال لها إن "الرئيس يقدم تعازيه ويقول أهلًا بعائلة أبو جهاد وبكل من يريد أن يشارك في جنازته". وهذا ما حدث بعد ذلك. 

شيّع أبو جهاد في جنازة حضرها الملايين في دمشق

ورغم أن رحيل أبو جهاد كان خسارة للشعب الفلسطيني وللمقاومة، تقول الوزير بتأثر إنه برحيل أبو جهاد "فقدت حياتي، الرفيق والزوج والقائد والحبيب". 

وفي مذكراتها "رفقة عمر"، تشير الوزير إلى أن أبو جهاد لم يكن مناضلًا فقط، بل كان شاعرًا حيث كان رقيقًا وحساسًا وعاطفيًا، لكنه كان في الوقت ذاته صلبًا ومؤمنًا بقضيته وبالحرية والنصر في الوقت نفسه. 

وكان يحب العزف على آلة البيانو وكان يحب أن يستمع لعزف ابنته حنان على الآلة وكان يصطحب أولاده إلى المكتبة ويشجعهم على القراءة. 

مهندس الانتفاضة الأولى

وجاء استشهاد أبو جهاد بعد أشهر من انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى. ويوصف أبو جهاد بأنه مهندس الانتفاضة الأولى.

وفي هذا السياق توضح الوزير أن العمل التنظيمي في داخل الأرض المحتلة كان سريًا واستمر لسنوات طويلة. لكن أبو جهاد استطاع تكوين صورة عن المجتمع الفلسطيني، حيث رأى أن المقاومة يجب أن تنتقل إلى الداخل وأراد التغيير في بنية المجتمع، فأقام تنظيم الشبيبة الطلابية في الجامعات وأسس العديد من الاتحادات بينها اتحادات المعلمين ولجان المرأة للعمل الاجتماعي ودعم العديد من الجمعيات والجامعات في الداخل. 

وتلفت الوزير إلى أن أبو جهاد كان يدعو التنظيم للاستعداد ليوم مقاومة الاحتلال على أن تكون الانطلاقة من اختيارهم، فكانت الانتفاضة. ونفت الوزير الانطباع الشائع بأن الانتفاضة كانت هبّة شعبية لم يسبقها أي تنظيم وتؤكد أن أبو جهاد أسس لها وكانت العمل النضالي الأهم في حياة أبو جهاد. 

وحول عبارة أبو جهاد الشهيرة "لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة"، تشير الوزير إلى أنها جاءت عندما اقترح أحد القادة تشكيل حكومة منفى فجاء جواب أبو جهاد بأن الوقت ليس مناسبًا ولتترك الانتفاضة لتأخذ دورها.  

مفاوضات السلام

وفي عام 1990 بدأت مفاوضات السلام في مدريد والولايات المتحدة الأميركية وكانت تتضمن مسارًا سريًا وهو مسار أوسلو الذي انتهى إلى الاتفاقية الشهيرة.

وتلفت الوزير إلى أنها كانت عضو لجنة مركزية آنذاك حيث عينت في صيف 1989، وكان لديها ملاحظات على تلك الاتفاقية، إلا أنها وافقت عليها لأن همها الوحيد كان أن تدخل للأراضي الفلسطينية. 

وإذ تجد أن تخيّل موقف أبو جهاد من اتفاقية أوسلو فيما لو كان على قيد الحياة، صعب، تؤكد أنه كان مؤمنًا بإقامة دولة فلسطينية على أي أرض فلسطينية تتحرر ما يعطي الفلسطينيين فرصة لاستكمال العمل. وتقول: "كان مؤمنًا بالمفاوضات والكفاح المسلح في الوقت نفسه". 

العودة إلى فلسطين

عادت أم جهاد إلى فلسطين عام 1994 بعد 32 عامًا في المنفى. وتتحدث عمّا رأته عند وصولها قائلة: "كان هناك دمار كبير"، وقد زارت غزة وعددًا من مدن الضفة. 

وكانت الوزير أول وزيرة في السلطة الوطنية الفلسطينية وتولت حقيبة الشؤون الاجتماعية ولمست حاجات كبرى للناس وللمرأة وللأطفال.

وتشير إلى أن الوضع وصل إلى مرحلة متطورة جدًا قبل عام 2007، عند الانقسام الفلسطيني. 

كما تلفت إلى أن الإسرائيليين لم يلتزموا ببنود الاتفاقية. لكنها تعتبر أن ما أنجزته اتفاقية أوسلو كان عودة أكثر من 75% من الفلسطينيين. 

"اغتيال" عرفات

وترى الوزير أن عرفات الذي حوصر لسنوات استشهد بعملية اغتيال بطريقة التسميم باليورانيوم. 

وحول مسيرة عملها في السلطة الفلسطينية وفي المجالس التشريعية، تشير الوزير إلى أن المجلس التشريعي لعام 1996 كان من أهم المجالس التشريعية حيث أقرّ أكثر من 75 قانونًا أعطت للمرأة حريتها وقد استند القانون الأساسي على وثيقة الاستقلال التي قرأها عرفات في الجزائر. 

كما تؤكد الوزير استمرارها بالعمل السياسي والاجتماعي حتى الموت، مشددة على أهمية دعم عائلات الأسرى والجرحى والشهداء. وتلفت إلى دور الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في التوعية والنضال على المستوى الاجتماعي وضد الاحتلال. 

الواقع المؤسف

وحول تقييمها لأداء حركة فتح في الوقت الحالي، تقول الوزير: "الوضع مؤسف لأن هناك تراجعًا عند الشباب بسبب غياب الأفق السياسي للعملية النضالية وهو ما يولد شعورًا بالإحباط لدى الشباب". 

وتلفت الوزير إلى تأثير ممارسات الاحتلال الحالية، من قتل بدم بارد وأسر وهدم، على الناس وعلى إيمانها بالحل السلمي. وترى أن هناك اختلافًا بين قرار قيادات فتح بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال والواقع لكنها تؤكد أنها تؤيد تلك القرارات. 

وتختم حديثها بالقول: "الشباب لن يسكتوا عن ممارسات الاحتلال في حال استمرارها". وتضيف: "إذا غاب أبو جهاد يأتي مئة أبو جهاد، نريد استقلالًا"، مؤكدة على صمود الشعب الذي يقدم الشهيد تلو الشهيد وأنها مؤمنة بقضية فلسطين وأن الاحتلال لن يدوم.


المصادر:
العربي
شارك القصة