بدأت زعيمة اليمين المتطرف في إيطاليا جورجيا ميلوني وحلفاؤها اليوم الثلاثاء مشاورات تشكيل حكومة جديدة تنتظرها أزمات وتعقيدات جمّة.
فليس لحزب فراتيلي ديتاليا "إخوة إيطاليا" الذي تتزعمه ميلوني أي خبرة في الحكم، لكنه بدأ في عملية جمع فريق من مختلف الأحزاب لتشكيل مجلس وزراء مهمته الأولى معالجة أزمة ارتفاع للتضخم وأسعار الطاقة، ومشكلة العلاقات مع أوروبا التي تشعر بالقلق.
ويوم الأحد الفائت فاز "إخوة إيطاليا" بالانتخابات التشريعية وفقًا لاستطلاعات الرأي التي أعقبت إغلاق صناديق الاقتراع، لتصبح جورجيا ميلوني البالغة من العمر 45 عامًا وجه اليمين المتطرف الجديد في إيطاليا وأول امرأة ستتولى رأس الحكومة فيها.
وبعد اعتراف الحزب الديمقراطي بالهزيمة، تحتاج ميلوني اليوم لحليفيها حزب "الرابطة" اليميني المتطرف بزعامة ماتيو سالفيني وحزب "فورتسا إيطاليا" بزعامة رئيس الوزراء السابق سيلفيو برلوسكوني، لتشكيل ائتلاف يمثل الأغلبية في البرلمان بغرفتيه في سابقة لم تشهدها البلاد منذ الحرب العالمية الثانية.
وكانت ميلوني قد وعدت في خطاب الفوز أنها "ستبني حكومة صلبة متماسكة بتفويض شعبي قوي، ستبقى في السلطة لمدة 5 سنوات سواء أحبها اليسار أم لا".
الوقت يداهم ميلوني
أما توزيع الحقائب الأكثر أهمية، ولا سيما وزارات الاقتصاد والشؤون الخارجية والدفاع والداخلية، سيكون دائمًا مسألة سياسية، لكنه الآن وأكثر من أي وقت مضى "يجب أن يعكس مجالات الاختصاص" وفق صحيفة "لاستامبا".
وفي المرات السابقة كان تولي إدارة جديدة المهام يستغرق ما بين أربعة أسابيع إلى 12 أسبوعًا، لكن الاستحقاق الأول يقترب بسرعة، إذ يتعين على إيطاليا المثقلة بالديون أن تقدم لبروكسل مشروع موازنتها للعام المقبل قبل 15 أكتوبر/ تشرين الأول.
في المقابل، لن يبدأ الرئيس سيرجيو ماتاريلا مشاورات تكليف رئيس للحكومة الجديدة إلا بعد انتخاب رئيسي مجلس الشيوخ والنواب من أعضاء البرلمان الذي سيجتمع في 13 أكتوبر.
تجاذبات وطموحات داخلية
وتوقعت المحللة لدى وحدة الأبحاث بمجلة "إيكونوميست" أنييزي أورتولاني، أن تقوم ميلوني "باختيار شخصية غير مثيرة للجدل لمنصب وزير المالية".
فيما يسعى حلفاء ميلوني للحصول على الوزارات المهمة، فسالفيني يريد حقيبة الداخلية، فيما يطمح برلوسكوني لرئاسة مجلس الشيوخ.
لكن نتائجهما المخيبة في الانتخابات وعدم وصول أي منهما إلى عتبة 10% من الأصوات مقارنة "بفراتيلي ديتاليا" الذي حصل على 26%، يعني أن ميلوني قد تكون تعتزم تهميشهما.
وتشير التكهنات إلى احتمال تعيين أنتونيو تاجاني رئيس البرلمان الأوروبي السابق وزيرًا للخارجية، وهو ما يمكن أن يرضي برلوسكوني ويهدئ مخاوف دولية إزاء أن يكون حزب ميلوني الشعبوي المشكك في مؤسسات الاتحاد الأوروبي، يخطط لخوض معركة مع بروكسل.
هواجس أوروبية
تزامنًا، قد تحرك تصريحات الأيقونة اليمنية الجديدة هواجس الجيران الأوروبيين بشأن تعاطي روما مستقبلًا مع ملفاتها الإقليمية، في خضم تداعيات الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا.
فلا يتفق سالفيني وبرلسكوني مع ميلوني في العديد من الجبهات، ومنها إمداد أوكرانيا بالأسلحة، إلا أن برلوسكوني قلل من شأن المخاوف من احتمال زعزعة التحالف وقال اليوم الثلاثاء، إن حزبه مستعد لتقديم تنازلات "في مصلحة البلاد".
الفوز "كان الجزء السهل"
ووسط كل التجاذبات المحتملة في المستقبل فإن الفوز في الانتخابات "كان الجزء السهل تقريبًا"، حسبما كتب لوتشانو فونتانا رئيس تحرير صحيفة "كورييري ديلا سيرا".
وسعت ميلوني خلال الحملة الانتخابية لطمأنة المستثمرين إلى أنه رغم تاريخها المتطرف يمكن الوثوق بها، إلا أن فائدة السندات الإيطالية لعشر سنوات ارتفعت إلى أعلى مستوى لها منذ أكتوبر 2013 صباح اليوم.
واتسع الفارق بين أسعار الفائدة الألمانية والإيطالية، الذي يرصده المراقبون، إلى أكثر من 250 نقطة للمرة الأولى منذ ذروة جائحة فيروس كورونا في ربيع 2020.
وفيما الأسر والأنشطة التجارية تواجه صعوبات في تسديد الفواتير الباهظة بسبب الحرب في أوكرانيا، فإن إعداد ميزانية سيكون "مثل تسلق جبل إيفرست من دون عبوات أكسيجين بالنسبة للحكومة الجديدة"، على ما رأت صحيفة "كورييري ديلا سيرا".
أموال الإغاثة الأوروبية "بخطر"
ووافقت المفوضية الأوروبية اليوم الثلاثاء على ثاني شريحة من أموال الإغاثة لإيطاليا في مرحلة ما بعد جائحة كورونا، بقيمة تصل إلى 21 مليار يورو تقريبًا، وفق وكالة الأنباء الفرنسية.
لكن ميلوني قالت إنها تريد إعادة التفاوض على صفقة الإغاثة مع بروكسل، ما قد يعرض باقي المبلغ المقدر بنحو 200 مليار يورو، للخطر.
من جهته، حض المفوض الأوروبي لشؤون الاقتصاد باولو جنتيلوني "الحكومة الإيطالية القادمة على ضمان اغتنام هذه الفرصة" وقال إنها أساسية لوضع إيطاليا على مسار "نمو قوي ودائم".