أكد أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني اليوم الثلاثاء، أن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في قطاع غزة هو الأشد همجية وبشاعة وانتهاكًا للقيم والمواثيق.
وشدّد على أنّ القرارات والإدانات والتقارير استُنفِدت، ولم يبقَ سوى الجريمة العارية المتواصلة، وضحاياها من الأطفال والنساء والأطفال، معتبرًا أنّ ما يجري هو جريمة إبادة بأحدث الأسلحة.
وحذّر في السياق من نهج يريد تفصيل المنطقة كلها على قياس إسرائيل، ويبحث عن طرقٍ التفافيةٍ لتجنب إنهاء الاحتلال وفرض حكم شعب على شعب آخر بالقوة.
واستغرب كيف أنّ البعض ما زال يحاول البحث عن تدابير مبتكرة لإدارة غزة بعد الحرب، بسلطة أو من دون سلطة، من منطلقات أمنية فحسب، والمقصود بالطبع أمن الاحتلال لا أمن الرازح تحت الاحتلال.
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تشن إسرائيل عدوانًا على غزة أسفر عن أكثر من 137 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال.
وتواصل إسرائيل الحرب متجاهلة قراري مجلس الأمن الدولي بإنهاء الحرب فورًا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني المزري بغزة.
أمير دولة قطر: جريمة إبادة لشعب مُحاصَر في معسكر اعتقال
وفي كلمته خلال الجلسة الافتتاحية لاجتماعات الدورة الـ79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، شدد أمير دولة قطر على أن ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في قطاع غزة اليوم من عدوان سافر هو الأشد همجية وبشاعة والأكثر انتهاكًا للقيم الإنسانية والمواثيق والأعراف الدولية.
واعتبر أنّ "هذه ليست هذه حربًا بمفهوم الحرب المعروف والمتداول في العلاقات الدولية، بل هي جريمة إبادة بأحدث الأسلحة لشعب محاصر في معسكر اعتقال لا مهرب فيه من وابل القنابل الذي تلقيه الطائرات".
وأوضح أنّ القرارات والإدانات والتقارير استُنفِدت، "ولم يبق سوى الجريمة العارية المتواصلة مع سبق الإصرار، ومن دون روادع، وضحاياها من الأطفال والنساء وكبار السن".
وقال: "نحن نعارض العنف والتعرض للمدنيين الأبرياء من أي طرف كان، ولكن بعد مرور عام على الحرب، ومع كل ما ارتُكبَ ويرتَكبُ فيها، لم يعد ممكنًا الحديث عن حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها في هذا السياق من دون التورط في تبرير الجريمة. لم يعد بوسع أي مسؤول الادعاء أنه لا يعلم، فالحقائق معروفة والتقارير عن قصف المدارس والمستشفيات واستخدام الغذاء والدواء سلاحًا تصدر عن منظمات دولية، ونوايا القادة الإسرائيليين منشورة وتقال على رؤوس الأشهاد. ولذلك فإن عدم التدخل لوقف العدوان هو فضيحة كبرى".
قضية فلسطين "عصيّة على التهميش"
وإذا رأى أن ثمة من يحاول تغييب القضية الفلسطينية من دون حلها، أكد أمير قطر أنها قضية عصية على التهميش، لأنها قضية سكان أصليين على أرضهم يتعرضون لاحتلال استيطاني إحلالي.
وفيما لفت إلى أنّ هذا الاحتلال بات "يتّخذ شكل نظام فصل عنصري في القرن الحادي والعشرين"، شدّد على أنّ قضية فلسطين لن تزول إلا في حالتين، "زوال الاحتلال، أو زوال الشعب الفلسطيني"، مضيفًا: "ويبدو أن في إسرائيل من يمنّي النفس بالقضاء على هذا الشعب".
وذكّر بأنّ العدوان الإسرائيلي المستمر منذ قرابة عام ليس إلا محصلة غياب إرادة سياسية صادقة، وتقاعس دولي متعمد، عن حل القضية الفلسطينية حلًا عادلًا، وإصرار السلطات الإسرائيلية المحتلة على فرض الأمر الواقع على الفلسطينيين والعالم بكل أنواع القوة.
واعتبر أنّ "الحرب الوحشية الجارية أطلقت رصاصة الرحمة على الشرعية الدولية، وألحقت أضرارًا فادحة بمصداقية المفاهيم التي قام على أساسها المجتمع الدولي بعد الحرب العالمية الثانية".
أمير قطر يحذر من "تدابير مبتكرة لإدارة غزة بعد الحرب"
وفي السياق، استهجن أمير دولة قطر كيف أنّ "البعض ما زال يحاول البحث عن تدابير مبتكرة لإدارة غزة بعد الحرب، بسلطة أو من دون سلطة، من منطلقات أمنية فحسب (والمقصود بالطبع أمن الاحتلال لا أمن الرازح تحت الاحتلال).
وقال: "إنها نفس طريقة التفكير التي قادت من كارثة إلى أخرى. إنه النهج الذي يريد تفصيل المنطقة كلها على قياس إسرائيل، ويبحث عن طرقٍ التفافيةٍ لتجنب إنهاء الاحتلال وفرض حكم شعب على شعب آخر بالقوة".
وسأل: "أيُعقَل أنه حتى بعد هذه الكارثة، لم تستنتج الدول الكبرى ذات القدرة على التأثير في سير الأحداث ضرورة وقف الحرب والتوجه إلى الحل العادل على الفور بدلًا من التفنن في الصياغات للتهرب منه؟".
وإذ شدّد على أنّ زوال الاحتلال وممارسة الشعب الفلسطيني حقه في تقرير المصير ليس منة أو مكرمة من أحد، اعتبر أنّه "من المؤسف أن يفشل مجلس الأمن في تنفيذ قراره بوقف إطلاق النار في قطاع غزة، أو يمتنع عن منح دولة فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة على الرغم من اعتماد الجمعية العامة في شهر مايو الماضي قرارًا يدعم طلب فلسطين لهذه العضوية".
وقال: "ليس حصول دولة فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة تحقيقًا لسيادتها أو تصفية للاحتلال، ولكنه على الأقل يرسل رسالة لحكومة اليمين المتطرف الضالعة في تحدي الشرعية الدولية بأن القوة لا تلغي الحق".
وشدّد على أنّ الحديث عن إضرار مثل هذه الخطوة بعملية السلام هو "ذرّ للرماد في العيون، فلا يوجد شريك إسرائيلي للسلام في عهد الحكومة الحالية، ولا تجري عملية سلام، بل عملية إبادة".
واعتبر أن استمرار المأساة الإنسانية للشعب الفلسطيني الشقيق منذ أكثر من سبعة عقود ونصف يعد وصمة عار في جبين المجتمع الدولي ومؤسساته، مشدّدًا على أن "لا معنى لأي حديث عن الأمن والسلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والعالم بأسره إذا لم ترافقه خطوات عينية تقود إلى الوقف الفوري لإطلاق النار وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية كافة".
"وساطة في ظل حرب شرسة وظروف معقّدة"
وتوقف أمير دولة قطر عند جهود الوساطة التي اضطلعت بها الدوحة سعيًا منها لوقف العدوان على غزة، وإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين، حيث لفت إلى أنّها "وساطة في ظل حرب شرسة وظروف معقدة، لا يتورع خلالها طرف عن اغتيال القيادات السياسية التي يفاوضها"، في إشارة إلى اغتيال إسماعيل هنية "الذي يتناسى كثيرون أنه لم يكن القائد السياسي لحركة حماس فحسب، بل كان أيضًا أول رئيس وزراء فلسطيني منتخب".
وقال: "الوساطة والعمل الإنساني هما خيارنا السياسي الاستراتيجي على المستوى الإقليمي والدولي، وواجبنا الإنساني قبل السياسي، ولا نمنّن به أحدًا". كما ذكّر بأنّ جهود الوساطة التي بذلتها دولة قطر بالشراكة مع مصر والولايات المتحدة أثمرت بعقد اتفاق هدنة إنسانية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أدى إلى وقف مؤقت لإطلاق النار في قطاع غزة وإطلاق سراح 240 من الأسرى الفلسطينيين و109 من المحتجزين في غزة، ورفع مستوى تدفق شحنات الإغاثة".
وأكّد أنّ دولة قطر "لن تألوَ جهدًا في تقديم مختلف أشكال الدعم الإنساني للشعب الفلسطيني الشقيق حتى إنهاء هذه الأزمة"، مذكّرًا بالدعم الإنساني الذي قدّمته للسكان المدنيين في قطاع غزة، والدور الذي لعبه في إجلاء الجرحى والمرضى، فضلاً عن المبادرات الإنسانية لإيصال المساعدات عبر كل الطرق المتاحة. ولفت إلى أنّ قطر رفعت أيضًا من مستوى دعمها لوكالة الأونروا؛ "هذه الوكالة الدولية التي لا يمكن الاستغناء عن خدماتها، والتي تعرضت إلى افتراءات لأسباب سياسية متعلقة برغبة حكومة إسرائيل في تصفية قضية اللاجئين من دون حل لقضية فلسطين".
وقال: "على الرغم من التحديات الجسيمة ومحاولات العرقلة، وما نتعرض له من افتراءات، نواصل جهدنا في التوسط لحل النزاعات بالطرق السلمية، فنحن ندرك أن أي نزاع لا يخلو من قوى معنية باستمراره، ومشككة بأي وساطة مهما كانت النوايا. وسوف نواصل بذل الجهد مع شركائنا حتى التوصل إلى وقف إطلاق النار الدائم وإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين، والتوجه إلى مسار الحل العادل وفقًا لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، وحصول الشعب الفلسطيني على كافة حقوقه المشروعة وفي مقدمتها دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود 1967".
وخلص إلى أنّ "قيام دولة فلسطينية مستقلة ضمن حل عادل ودائم هو في مصلحة الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني، ولن نصل إلى هذا الهدف إلا بوجود شريك جاد وواع بأهمية نبذ الخلاف وإنهاء الاحتلال وكل أشكال العدوان، حتى نصل معه سويا إلى السلام المنشود في الشرق الأوسط".
أمير قطر يطالب بوقف العدوان على غزة والحرب على لبنان
وفي الملف اللبناني، لفت أمير دولة قطر إلى أن إسرائيل تشن حربًا على لبنان بعد الجريمة الكبرى المتمثّلة بتفخيخ وتفجير أجهزة الاتصال بآلاف الناس في لحظة واحدة دون أخذ هويتهم أو مكان تواجدهم بالاعتبار.
ومنذ صباح الإثنين، يشن الجيش الإسرائيلي هجومًا هو "الأعنف والأوسع" على لبنان منذ بدء المواجهات مع حزب الله قبل نحو عام، وأسفر عن 558 شهيدًا، بينهم 50 طفلًا و94 امرأة، و1835 جريحًا، وفق وزارة الصحة اللبنانية.
وقال أمير دولة قطر: "لا أحد يعلم إلى أي حد يمكن أن تتدهور هذه الحرب. وهو ما سبق أن حذرنا منه مراراً وتكراراً، إذا لم تتوقف الحرب الوحشية على غزة. يجب أن تتوقف هذه الحرب التدميرية المنهجية، وهذا خيار إسرائيل كما يعرف قادتها جيداً. إنهم يعرفون أنها لن تجلب الأمن والسلام لشمال إسرائيل أو للبنان، وأن مفتاح الأمن هو السلام العادل".
وأضاف: "أوقفوا العدوان على غزة، أوقفوا الحرب على لبنان".
هكذا يتحقق الأمن والاستقرار في الدول العربية
وتطرق أمير دولة قطر في ختام كلمته، إلى مختلف ملفات المنطقة، حيث أكد تطلّع الدوحة إلى الحفاظ على هدنة عام 2022 في اليمن، والانطلاق منها نحو وقف شامل لإطلاق النار وتسوية الأزمة وضمان وحدة اليمن وتحقيق تطلعات شعبه، وذلك من خلال التفاوض بين الأطراف اليمنية على أساس مخرجات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
وإزاء الأزمة في سوريا، ذكّر بأنّ موقف دولة قطر واضح منذ البداية وحريص على مصلحة الشعب السوري، معربًا عن تطلعه إلى أن تقتنع الأطراف والدول ذات الصلة بالأزمة بضرورة الحوار والتفاهم على إنهائها وفقًا لإعلان جنيف1 وقرار مجلس الأمن 2254، وبما يُحقِّق تطلعات الشعب السوري، ويحافظ على وحدة سوريا وسيادتها واستقلالها.
وفي الشأن السوداني، دعا جميع الأطراف السودانية إلى وقف القتال، مؤكدًا دعم الدوحة للجهود الإقليمية والدولية لإنهاء هذه الأزمة بما يضمن وحدة مؤسسات الدولة وسيادة السودان واستقراره.
وفي ليبيا أكد أمير دولة قطر دعم المسار السياسي وتنفيذ قرارات مجلس الأمن، وحث الأطراف كافة على العودة إلى الحوار وتجاوز الخلافات من أجل إتمام المصالحة الوطنية الشاملة والحفاظ على التقدم والمكاسب التي تحققت على المسارات الأمنية والسياسية والاقتصادية، وتوحيد مؤسسات الدولة.
وشدّد على أنّه "لا يمكن للبلدان العربية أن تحقق الأمن والاستقرار من دون دول راسخة قادرة على التشريع وإنفاذ القانون، ووضع سياسات وطنية وتنفيذها، ولا يمكن أن ترسخ أي دولة وتستقر بوجود قوى مسلحة غير خاضعة لها".
كما تطرق إلى الحرب بين روسيا وأوكرانيا، مؤكدًا أنها تسببت في معاناة إنسانية كبيرة وآثار على أوروبا والعالم، ومجددًا دعوة بلاده إلى تطبيق أحكام ميثاق منظمة الأمم المتحدة، وقواعد القانون الدولي، والعمل على إيجاد حل سلمي، بوصفه الحل الوحيد المُمكن.
وأكد أن دولة قطر لن تدّخر وسعًا في العمل مع شركائها الدوليين ومنظمة الأمم المتحدة لتوطيد أركان السلم والأمن والتنمية المستدامة وحقوق الإنسان وسيادة القانون على جميع المستويات والتصدي للتحديات العالمية من أجل تحقيق مستقبل أفضل للجميع.