يمثّل الزلزال الأخير الذي ضرب جنوب تركيا وسوريا، وشعر به سكان لبنان، وفلسطين، وعدد من الدول المجاورة، تذكيرًا صارخًا كيف يمكن أن تضرب هذه الكارثة الطبيعية أي مكان في العالم بشكل مفاجئ وغير متوقع.
وفي حين لم يتمكن كل التقدم التكنولوجي الذي شهده البشر من تطوير وسيلة تسمح بتحذير الإنسان من اقتراب موعد الزلازل، التي تحصد سنويًا أرواح آلاف الأشخاص وتخلّف دمارًا وخرابًا هائلين، تبرز العديد من النظريات التي تدّعي أنه يمكن التنبؤ بالزلازل قبل وقت من حدوثها.
وقد استشهد داعمو هذه النظريات بتغريدة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي قبل زلزال جنوب تركيا المدمر، حيث زُعم أن باحثًا هولنديًا توقع هذه الكارثة الطبيعية قبل أيام من وقوعها.
مؤشرات تسبق الزلازل
لكن في المقابل، يخبرنا العلم أننا ما زلنا متأخرين في التنبؤ بحدوث الزلازل بدقة، فوفق موقع "ساينس فور أي تشاينجغ وورلد"، يجب أن يحدد أي تنبؤ علمي بالزلازل 3 عناصر: التاريخ والوقت، والموقع، والقوّة.
والزلازل هي بطبيعتها ظاهرة مفاجئة، ومن الصعب التنبؤ بنطاق زمني محدد لها، لكن في محاولة للحد من أضرارها، طوّر العلماء لسنوات تقنيات لتحليل ومراقبة البيانات في المناطق التي تشهد حركة زلازل نشطة.
وفي هذا السياق، يؤكّد أستاذ الجيولوجيا والتغيرات المناخية أحمد ملاعبة لـ"العربي" أنه لا يمكن التنبؤ بالزلازل المدمّرة مهما بلغت دقّة الأجهزة، واجتمعت الشواهد والمؤثرات.
رغم ذلك، يتحدث ملاعبة عن بعض الشواهد التي قد تنذر باحتمال وقوع زلزال كبير، مثل الهزات الأرضية الاستباقية التي تسبق الزلزال الرئيسي، وارتفاع منسوب غاز الرادون فوق معدلاته.
وتأتي هذه الشواهد أيضًا إلى جانب بعض الافتراضيات المتمثلة بتغير حركات بعض الحيوانات، كخروج الثعابين من جحورها وانتشارها في الشوارع والجبال، وتبدّل حركة بعض الثدييات مثل الأحصنة، وخروج الأسماك والضفادع من البحار والمساحات المائية، وفق ملاعبة، الذي يؤكد أن "هذه الحركات نسبية وليست مطلقة".
كيف أصاب توقع الباحث الهولندي؟
أما عن "تنبؤ" هوغيربيتس، فيشرح أستاذ الجيولوجيا لـ"العربي" أن العالم الهولندي ذكر في تغريدته التي أثارت الجدل أن الزلزال الذي سيضرب المنطقة التركية سيأتي "عاجلًا أم آجلًا"، أي لم يحدد الفترة بدقة، وهو دليل على أن توقع وقوع الزلازل "مستحيل"، على حدّ تعبيره.
وعن الأدلة التي بنى عليها هوغيربيتس توقعه، يرى أن تطور التكنولوجيا الذكية أعطت الأقمار الصناعية القدرة على مراقبة الصفائح ورصد بعض تحركاتها، مثل ابتعاد الصفيحة العربية عن الإفريقية بمعدل مليمترين إلى سنتيمترين في السنة.
ويضيف ملاعبة من عمان: "يبدو أن العالم الهولندي دقيق جدًا ويراقب مثل هذه الحركات، ولاحظ أن هنالك حركة ما بين الصفائح ولو بالمليمترات، ومن هذا المنطلق أعتقد أنه أعطى هذا التوقع".
رغم ذلك، يجددّ ملاعبة تأكيده أن التوقع لم يكن محددًا بوقت أو بساعة، في حين يمكن أن يحدد العلم النشاط البركاني في أقل من جزء من الدقيقة، على عكس الزلزال الذي وصفه بأنه "ضربة مفاجئة".
ويشبّه الزلازل القوية بالجلطات أو أعراض القلب التي قد تصيب الإنسان، إذ من الممكن أن تحدث معه في أي وقت ومن دون سابق إنذار، وقد تختلف حدتها وأضرارها تمامًا كالزلازل.