يضاعف قرار الرئيس الأميركي جو بايدن حظر واردات النفط الروسي من الضغط الاقتصادي على نظيره الروسي فلاديمير بوتين الذي أحاطته العقوبات من كل جانب، لكن قرار بايدن لا يخلو من المخاطرة حيث قد لا يحصد التأييد الأوروبي المطلوب.
هي حرب عالمية جديدة وليست تقليدية كسابقتيها العسكريتين، ففي القرن الواحد والعشرين يمكن إيلام الطرف المنافس دون إطلاق رصاصة واحدة بل يمكن استهداف موارده الاقتصادية وتجفيف منابع أمواله.
وبحسب صحيفة "الغارديان"، ففي ظاهر الأمر، يبدو إعلان البيت الأبيض وكأنه ضربة حرة إلى حد ما، بالنظر إلى حقيقة أن روسيا تمثل 7% فقط من النفط الذي يستورده أكبر اقتصاد في العالم. وأراد بايدن أن يوجع روسيا وأن يحفز المنتجين الأميركيين على تعزيز عمليات الاستكشاف والتنقيب عن النفط بالتوازي مع تطوير صناعة الطاقة المتجددة في وقت واحد.
ويذهب ثلاثة أخماس صادرات النفط الروسية إلى الاتحاد الأوروبي و8% فقط إلى الولايات المتحدة.
ارتفاع أسعار النفط
وبحسب الصحيفة، يقوم بايدن بهذه المغامرة لثلاثة أسباب مهمة. الأول هو أن تشديد العقوبات قد أعطى تحولًا صعوديًا آخر لأسعار النفط.
فقد ارتفعت أسعار النفط بنسبة 70% منذ بداية العام وليس هناك ما يشير إلى انخفاضها في أي وقت قريب. وتوقعت شركة الاستشارات "ريستاد إنرجي" ومقرها أوسلو، أن فرض حظر كامل على النفط والغاز الروسيين قد يرفع أسعار النفط الخام إلى 200 دولار للبرميل، ليتخطى السعر بذلك ذروة الـ 147 دولارًا للبرميل التي تم بلوغها في عام 2008.
يشكل ارتفاع أسعار النفط ضغطًا على كاهل المواطنين الأميركيين ويعزز مخاوف التضخم، ما يجعل قرار بايدن موجعًا بالنسبة إلى الولايات المتحدة كما لروسيا. ودعا بايدن مواطنيه وشركات بلاده إلى التحلي بالمسؤولية في مواجهة الارتفاع الآني في أسعار النفط. وطلب من الشركات النأي بنفسها عن الاستثمار في ارتفاع أسعار النفط والغاز.
تصدع التحالف الغربي ضد بوتين
والخطر الثاني هو أن تصرف بايدن أدى إلى تصدع التحالف الغربي ضد بوتين، والذي كان قويًا في الأسبوعين الأولين من الصراع. في حين أن الدعم المقدم من بريطانيا (على مراحل بحلول نهاية العام) يعني أن الولايات المتحدة لن تفعل ذلك بمفردها مع الحظر الذي فرضته، فمن الواضح أن الدول الأوروبية الأخرى لديها مخاوف. هذا ليس مفاجئًا، لأن الاتحاد الأوروبي يحصل على 40% من غازه وما يزيد قليلاً عن ربع نفطه من روسيا.
لذلك عندما قال بايدن إن الغرب ظل موحدًا في تصميمه على مواصلة الضغط على روسيا، فإن هذا ليس صحيحًا تمامًا. فالاتحاد الأوروبي، كما أوضح المستشار الألماني، أولاف شولتز، قبل 24 ساعة من إعلان الحظر الأميركي، قلق بشأن أمن الطاقة وقرر ألا يحذو حذوه في الوقت الحالي على الأقل.
لن تواجه الولايات المتحدة أزمة طاقة لكن دول أوروبا ستواجه واقعًا مختلفًا.
مخاوف من قطع الإمداد الروسي من الغاز
وبحسب الصحيفة، يخلق هذا الاعتماد على الطاقة الروسية خطرًا ثالثًا، وهو أن ينتقم بوتين أولاً بقطع الإمدادات.
فقد أعلن الاتحاد الأوروبي عن خطوات لتقليل اعتماده على النفط والغاز الروسيين، ويمكن أن يكون للأزمة تأثير في تسريع الانتقال من الوقود الأحفوري إلى الطاقة النظيفة، ولكن فقدان هذا الجزء الكبير من طاقته على المدى القصير من شأنه أن يؤدي إلى نمو أضعف وتضخم أعلى.
وقال الرئيس التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول: "لم يعد أحد لديه أية أوهام، استغلال روسيا لمواردها من الغاز الطبيعي كسلاح اقتصادي وسياسي يظهر حاجة أوروبا الملحة للتحرك بسرعة لتكون مستعدة لمواجهة غموض كبير يكتنف إمدادات الغاز الروسية للشتاء القادم".
وأكد أن الدول الأعضاء في الوكالة لديها مخزونات نفطية كافية لضخ المزيد في السوق من أجل تهدئة الأسعار بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا.
وبينما تثبت أسعار الطاقة المرتفعة في النهاية أنها مصححة ذاتيًا لأنها تميل إلى أن تؤدي إلى ركود، فإن الضرر الذي يمكن أن تسببه كبير، حيث تعرّض الحرب في أوكرانيا التعافي من وباء كورونا إلى انتكاسة.
كل هذا يجعل من المهم أن تؤدي العقوبات المفروضة على بوتين إلى نتيجة سريعة، فكلما طال أمد الحرب الاقتصادية ارتفعت التكلفة.