سجلت الليرة اللبنانية انخفاضًا قياسيًا جديدًا في سعر صرفها أمام الدولار، حيث وصلت إلى 100 ألف ليرة لكل دولار واحد، بالتزامن مع بدء المصارف إضرابها احتجاجًا على الأحكام الصادرة بحقها لدى القضاء والمرتبطة باسترداد ودائع بعض المواطنين.
وبينما يستمر الصراع بين المصارف والقضاء تتعاظم الأزمة السياسية في البلاد، خصوصًا في ظل الفراغ الرئاسي وغياب أي أفق لتوافق سياسي قريب.
ويؤكد انخفاض الليرة اللبنانية تراجعًا غير مسبوق في قيمتها، ليقترب من 99% منذ انهيار النظام المالي في البلاد عام 2019.
وكانت الليرة قد ربطت بالدولار عند سعر 1507 ليرات عام 1993، وهو رقم استمر حتى عام 2019، عندما أدت عقود من الهدر وسوء الإدارة والفساد إلى أزمة مالية خانقة.
وقد صارت اليوم أكبر ورقة متداولة وهي فئة 100 ألف ليرة، وكانت تساوي 67 دولارًا، إذ أصبحت تعادل الآن دولارًا واحدًا فقط.
وتعتبر الأزمة الاقتصادية المالية هي الأسوأ في تاريخ لبنان، فعلى مدى 3 سنوات أصبح أكثر من 80% من السكان تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة.
"التحقيق مع حاكم مصرف لبنان"
وفي سياق متصل، قالت مصادر قضائية لبنانية لـ"العربي": إن "الاستنابة القضائية الفرنسية التي أحالها المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات إلى قاضي التحقيق الأول في بيروت، ستنفذ ابتداء من الأربعاء المقبل".
وتشمل المذكرة التحقيق مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشقيقه، إضافة إلى مساعدته.
وأكدت المصادر القضائية أن رياض سلامة سيحضر جلسة التحقيق غدًا الأربعاء.
وكانت القاضية الفرنسية قد زارت اليوم الثلاثاء قصر عدل بيروت، حيث التقت القاضي شربل أبو سمرا، وبحثت معه تفاصيل الأيام الثلاثة المقبلة من التحقيقات.
"يوم أسود في تاريخ لبنان"
وفي هذا الإطار، يصف الكاتب الصحافي اللبناني يوسف دياب، انهيار الليرة اللبنانية باليوم الأسود في لبنان وفي تاريخ الشعب اللبناني، مشيرًا إلى أنه أكبر انهيار للعملة الوطنية بتاريخها وأكبر انهيار للقدرة الشرائية للمواطن الذي بات اليوم أمام واقع سيئ للغاية.
وفي حديث لـ"العربي" من العاصمة اللبنانية بيروت، يوضح أن الإضراب الذي لجأت إليه المصارف هو انعكاس لحالة الملاحقات القضائية التي تطالها في كثير من الملفات العائدة للمودعين، مشيرًا إلى أن المعضلة الأكبر والمأزق الاقتصادي والمالي ناجم عن غياب الرؤية لدى المنظومة السياسية وضربها عرض الحائط بكل التحذيرات الداخلية والدولية بضرورة الذهاب نحو انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتشكيل حكومة إصلاحات حقيقية، كما يطلب صندوق النقد الدولي.
اللبنانيون يقطعون طرقات في ضواحي #بيروت، وسط دعوات للاحتجاج، بعد تخطي الليرة 100 ألف مقابل دولار واحد.. التفاصيل مع مراسلنا 👇#لبنان pic.twitter.com/INKZhfQSr8
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) March 14, 2023
ويرى دياب أن المنظومة السياسية في وادٍ والشعب اللبناني ومصيره في وادٍ آخر، مشيرًا إلى أن هذه المنظومة اليوم تخشى الذهاب إلى معالجة إصلاحية حقيقية خوفًا من أن يصبح رأسها تحت المقصلة المحاسبية في مرحلة لاحقة، معربًا عن اعتقاده أنها لا تبالي اليوم من الانهيار الذي يعيشه لبنان من أجل أن تحمي مكاسبها داخل السلطة.
وبشأن تأخير الإصلاحات في لبنان، يضيف أن القوى السياسية اليوم التي تتحكم بمفاصل البلاد وفي الحكم في لبنان لا تريد إصلاحات على الإطلاق، لأن العملية الإصلاحية تكشف فساد هذه المنظومة المتجذر منذ أكثر من ثلاثة عقود، لذلك إذا دخلت في ورشة الإصلاح المطلوبة فستكون أمام حال من اثنين، إما أن تضع رأسها تحت سلطة القضاء، وإما أن تحاسب أمام الشارع وتصبح خارج السلطة.
ويعرب دياب عن اعتقاده أن لبنان اليوم أمام معضلة بنيوية تتعلق بالأزمة السياسية التي تتحكم بالبلاد.
آلية التحقيق مع رياض سلامة
وبشأن الآلية التي سيعتمدها المحققون للتحقيق في قضية حاكم مصرف لبنان، يفيد دياب بأن الوفود الأوروبية اجتمعت اليوم مع قاضي التحقيق في بيروت شربل أبو سمرا، حيث جرى الاتفاق على أن تنطلق التحقيقات مع رياض سلامة عند الساعة 10:30 بالتوقيت المحلي من قبل ظهر الأربعاء.
ويضيف الصحافي اللبناني يوسف دياب أن التحقيق سيديره القاضي شربل أبو سمرا، مشيرًا إلى أن رياض سلامة سيواجه أكثر من 100 سؤال من قبل الوفود الأوروبية.
ويتابع حسب المعلومات التي حصل عليها أن التحقيق مع رياض سلامة سيحتاج إلى 3 أيام متتالية، حيث سيسمح له بأن يكون لديه فريق من وكلاء الدفاع عنه مواكبته في الجلسة، كما سيكون هناك أيضًا محام فرنسي يحضر كوكيل عن رياض سلامة.
ويردف دياب أن التحقيقات ستتمحور حول التحويلات المالية التي أجراها رياض سلامة وشقيقه من مصرف لبنان ومن مصارف تجارية إلى مصارف أوروبية وضعت في حسابهما في الخارج.
ويوضح أن القضاء الأوروبي يريد معرفة مسألتين أساسيتين، الأولى وهي مصدر هذه الأموال، وما إذا كانت شرعية أم غير شرعية، أما المسألة الثانية فهي ما إذا كانت هذه الأموال حصل عليها سلامة وشقيقه من أعمال تجارية خاصة بهم أم من خلال عمولات على اكتتاب لبنان في "اليوروبوندز" التي حصلت في السنوات الماضية.