فيما يُثير هدر الطعام قلقًا عالميًا ولا سيما أن تداعياته لا تقتصر على الناحية الأخلاقية بل تطال البيئة أيضًا، يشكل اليوم العالمي لفن الطبخ المستدام محطة للتفكّر بأساليب مختلفة للتعاطي مع الغذاء ومصادره ومصيره.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة أعلنت في العام 2016، الثامن عشر من يونيو/ حزيران لكل عام يومًا لهذا الفن، "اعترافًا بأهمية الطبخ بوصفه إحدى وسائل التعبير الثقافي المرتبطة بالتنوع الطبيعي والثقافي في العالم".
هدر الطعام والضرر البيئي
ففي الوقت الذي يئن فيه العالم تحت وطأة الأزمات وتداعيات التغيّر المناخي، تمثل الأغذية التي تُفقد وتهدر 38% من إجمالي استخدام الطاقة في نظام الغذاء العالمي، وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة.
ويتم هدر هذه الكميات الضخمة من المأكولات باعتماد مبررات مثل عدم الرغبة بتناول طعام أُعد في اليوم السابق، أو مر على وجوده في الثلاجة عدة أيام، أو تم شراء كميات كبيرة منه فتلف بعضه أو تجاوز مدة الصلاحية خلال التخزين.
بالتوازي، تفيد تقارير أممية بأن 14% تقريبًا من الأغذية تُفقد في العام نفسه بعد حصادها حتى مرحلة البيع بالتجزئة.
وتشير تقديرات إلى أن نسبة 17% من الأغذية تهدر في مرحلة البيع بالتجزئة، وعلى مستوى الاستهلاك.
لمَ فن الطبخ المستدام؟
بما أن فن الطبخ يشير إلى أسلوب الطهي في منطقة معينة، فإن فن الطبخ المستدام يعني المطبخ الذي يأخذ في الاعتبار من أين تأتي المكونات، وكيف تزرع الأغذية، وكيف تصل إلى أسواقنا، وفي نهاية المطاف إلى أطباقنا، وفق موقع "الأمم المتحدة".
ويشرح برنامج الاستثمار في السكان الريفيين "إيفاد"، المقصود بالاستدامة في هذا الصدد، متحدثًا عن استخدام الموارد الطبيعية استخدامًا مسؤولًا، سواء أكان ذلك في الزراعة أو الصيد أو حتى إعداد الطعام.
وبناء عليه، يمكن استخدام تلك الموارد على أساس قابل للاستمرار في المستقبل والحفاظ على البيئة في آن معًا، وفق المصدر نفسه.
وللتوعية حول فن الطبخ المستدام ودور الجمهور في المساهمة بالتنمية المستدامة، تتضافر المنظمات الأممية للاحتفال بالمناسبة، بالتعاون مع أطراف منها دول أعضاء في الأمم المتحدة والمجتمع المدني.
فعلى سبيل المثال، أطلقت اليونسكو مبادرات منها تشجيع الطاقة النظيفة للمطاعم المحلية، باستخدام الغاز والكهرباء بدلًا من الفحم، والغاز الطبيعي بدلًا من الكربون.
كما استهدفت المنظمة إذكاء الوعي العام بفن الطهو المستدام من خلال عدة وسائل، بينها قنوات الطعام التلفزيونية والمعارض الثقافية الغذائية المخصّصة لصناعة الأغذية والمزارعين.
كيف يمكن الحد من الهدر والطبخ بشكل مستدام؟
ينصح المختصون للحد من تبذير الطعام بعدم شرائه بكميات كبيرة، حتى وإن كانت هناك عروض وتخفيضات تشجع على ذلك.
ويحث هؤلاء على إعداد لائحة بالضروري فقط وتناول بقايا الطعام الصالحة للأكل، واتباع التخطيط والتدبير وشراء ما سيتم أكله، وليس ما سيتم تخزينه ثم التخلص منه.
وتحت عنوان "فنّ الطبخ وما يمكنكم فعله لجعله أكثر استدامة"، كانت منظمة الأغذية والزراعة تحدثت في مقال أرشيفي عن "إعادة تدوير المواد الغذائية إلى منتجات أعلى قيمة"، وتحويل المواد التي كانت ستهدر إلى منتجات أو مكونات جديدة.
وأشارت إلى أن كاتسوهيرو ناكامورا، الطاهي وسفير اليابان للنوايا الحسنة لدى منظمة الأغذية والزراعة، دائمًا ما يأخذ في الحسبان في مطبخه تقليل المهدر من الأغذية إلى الحد الأدنى.
وأوضحت أن الرجل الذي تساءل على مر السنوات حول كيفية استخدام ثمرة الموزة بأكملها، تمكن من التوصل إلى الموز المقدّد والمحلّى. ويتم ذلك عبر تغليف الموز بأكمله بالسكّر لمدة أسبوع ثمّ تجفيفه لبضعة أيام.
ونقلت المنظمة أيضًا عن الطاهي وسفير النوايا الحسنة لديها رودريغو ياتشيكو، الذي يدير مطعمه الخاص في الإكوادور، قوله: "إننا نطبخ بطريقة لا نترك فيها بقايا. ونحوّل ما يتبقى إلى سماد عضوي، ونأكل المنتجات الطازجة".
ومما يقترحه الطاهي أن يحضر المرء طعامه بنفسه، الأمر الذي من شأنه الحد من مواد التغليف والنفايات البلاستيكية.
وبرأيه، قد يشكل تحضير المربيات والمخللات طريقة رائعة للحفاظ على ما يتم قطفه حديثًا من فاكهة وخضروات.