يقدّم حزب البعث السوري نفسه على أنّه "حزب قومي عربي اشتراكي علماني وحركة قومية شعبية انقلابية تناضل في سبيل تحقيق الوحدة العربية والحرية والاشتراكية".
وقد جاء في مقدمة النظام الداخلي للحزب أنه حزب قومي يؤمن بأنّ العرب أمّة واحدة لها حقها الطبيعي في أن تحيا في دولة واحدة، ويؤمن بأن القومية حقيقة حيّة خالدة، وبأنّ الشعور القومي الواعي الذي يربط الفرد بأمّته حافز على التضحية.
لكنّ الفكرة الحداثية التي عبّر عنها الحزب في انطلاقته، آلت في النهاية إلى حكم أسرة الأسد لتحوّل سوريا إلى مملكة حافظ الأسد وولده بشار، في تكريس لحكم استبدادي عائلي دموي طائفي رجعي عطّل سوريا وأجهض نهضتها.
فمن أين جاء البعث، وكيف نشأ، وكيف تطور؟ وكيف آل الأمر إلى الأسد وعائلته؟ وهل يتحمل حزب البعث ذلك كله؟
من حافظ إلى بشار الأسد.. عقلية واحدة
سيطر حزب البعث على الحكم في سوريا منذ عام 1963 وشهد في بداياته صراعات وانقسامات بين القيادتَين القومية والقطرية.
قام حافظ الأسد في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 1970 بحركة انقلابية تسلّم على إثرها قيادة الحزب، ووصفه منتقدوه بأنه قضى على التعددية السياسية والمعارضة وحرية الرأي والتعبير، وسيطر على مفاصل الدولة وأدارها إدارة قمعية استبدادية قضت على كل فرصة للتغيير أو التطوير.
مات حافظ الأسد وورث الحكم ابنه بشار عام 2000 وبدا أنه جاء بأفكار جيل جديد وآماله وطموحاته في التغيير السياسي فيما عُرف بربيع دمشق. لكن سرعان ما تجاوز بشار الأسد سحر البدايات ليعود إلى سياسات أبيه.
الثورة السورية تُحدِث انشقاقات في حزب البعث
اشتعلت ثورات الربيع العربي وأدركت سوريا في 15 مارس/ آذار 2011، وعلى إثرها أقرت الحكومة السورية مشروع قانون الأحزاب في يوليو/ تموز 2011 وبشّرت بالتعددية السياسية وتوسيع المشاركة في إدارة الدولة.
حينها، شكّل بشار الأسد لجنة برئاسة نائبه فاروق الشرع لعقد حوار وطني شامل مع الأطراف السياسية السورية المختلفة، وأبرزها هيئة تنسيق أحزاب المعارضة الوطنية، وهو ما اعتبره البعض أول اعتراف رسمي بأحزاب المعارضة السورية منذ ما يزيد على 40 عامًا.
وخلال سنوات الربيع العربي منذ 2011 إلى اليوم شهد البعث انشقاقات واسعة في صفوفه وانحاز الآلاف من عناصره إلى الثورة السورية.
كيف خرج البعث عن مفهومه عند وصوله إلى الحكم؟
ويرفض مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في باريس سلام الكواكبي إعادة نشوء القومية العربية إلى مرحلة النهضة العربية (نهاية القرن التاسع عشر) حيث انتشرت كتابات محمد عبده وجمال الدين الأفغاني وعبد الرحمن الكواكبي.
ويوضح الكواكبي، في حديث إلى "العربي"، أنّ هذه الكتابات كانت كلها محصورة في إطار طلب الإصلاح وطلب إيجاد موطئ قدم للمكوّن العربي ضمن الإمبراطورية العثمانية، ولم يكن الهدف هو اندثار الإمبراطورية على الأقل في تلك المرحلة.
ويلفت إلى أنّ البعث ليس الوريث الشرعي للقومية لكن قدّم نفسه بوصفه "الممثل الوحيد" للفكر القومي العربي، مشيرًا إلى أنّ ميشال عفلق وصلاح الدين البيطار عادا من منحتهما الدراسية متأثرين بما درساه، كما أنّ من العوامل التي أسهمت في بروزه الخروج من الاستعمار الفرنسي، حيث كان هناك رغبة في ضم السوريين إلى مشروع مشترك.
ويلاحظ الكواكبي أنّ البعث السوري والبعث العراقي عندما سعيا إلى الوحدة فهما سعيا إلى السيطرة على الآخر وليس بمنظور قومي أبدًا.
ويلفت إلى أنّ الحزب عندما وصل إلى الحكم خرج تمامًا عن مفهوم البعث باعتباره حلمًا عربيًا قوميًا، علمًا أنّ البعث في أساسه لم يكن يسعى إلى تعريب الآخرين أو رفض القوميات الأخرى، وإنما أثناء حكمه فعل العكس.