السبت 16 نوفمبر / November 2024

"الوحدة القاتلة".. ما علاقة العزلة الاجتماعية بأمراض القلب؟

"الوحدة القاتلة".. ما علاقة العزلة الاجتماعية بأمراض القلب؟

شارك القصة

مدرب التنمية البشرية أشرف قرطام يتحدث عن أسباب اختيار العديد من الأشخاص للعزلة والوحدة وتداعيات هذا الخيار (الصورة: غيتي)
وجدت دراسة حديثة أن النساء اللواتي كن يشعرن بالوحدة والمعزولات كن أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب بنسبة تتراوح بين 13 و27%.

توصلت دراسة حديثة إلى أن الشعور بالوحدة يزيد من خطر إصابة النساء الأكبر سنًا بمشاكل قلبية قاتلة. وقد درس العلماء بيانات من 57000 امرأة فوق سن 65 تمت متابعتهن لما يقرب من عقد من الزمان.

وسُئلت المشاركات عن مستوى الوحدة والعزلة الاجتماعية لديهن، وتمت مقارنتها بمعدلات الإصابة بأمراض القلب.

ووجدت الدراسة أن النساء اللواتي كن يشعرن بالوحدة والمعزولات كن أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب بنسبة تتراوح بين 13 و27%.

تأثير كوفيد

وحذر البحث، الذي نُشر في مجلة "جاما"، من أن زيادة العزلة الناجمة عن كوفيد-19 وعمليات الإغلاق قد تعرض المزيد من النساء الأكبر سنًا لخطر الإصابة بأمراض القلب.

وقالت المؤلفة الرئيسة، الدكتورة ناتالي جولاشوسكي، من جامعة كاليفورنيا: "نحن كائنات اجتماعية". 

وفي هذا الوقت، يعاني العديد من الأشخاص من العزلة الاجتماعية والوحدة، والتي قد تتحول إلى حالات مزمنة. "ومن المهم أن نفهم بشكل أكبر الآثار الحادة وطويلة المدى لهذه الحاللات على صحة القلب والأوعية الدموية والرفاهية العامة"، بحسب جولاشوسكي. 

وأوضحت أن العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة مترابطان بشكل طفيف ويمكن أن يحدثا في الوقت نفسه، لكن لا يستلزم أحدهما الآخر.

وعلى سبيل المثال، لا يشعر الشخص المعزول اجتماعيًا دائمًا بالوحدة بينما لا يزال الشخص يعاني من الوحدة حتى لو رأى الكثير من الأصدقاء والعائلة.

الفرق بين العزلة والوحدة 

وقال المؤلف المشارك الدكتور جون بيليتيير: "العزلة الاجتماعية تعني الابتعاد جسديًا عن الناس، مثل عدم لمس الآخرين أو رؤيتهم أو التحدث إليهم. الوحدة هي شعور يمكن أن يشعر به حتى الأشخاص الذين يتواصلون بانتظام مع الآخرين". 

وأضاف أن العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة يشكلان "مصدر قلق متزايد للصحة العامة"، حيث أنهما مرتبطان بمشاكل صحية مثل السمنة والتدخين وقلة النشاط البدني وسوء التغذية وارتفاع ضغط الدم وارتفاع الكوليسترول.

أمراض القلب

وتسبب أمراض القلب ربع الوفيات في المملكة المتحدة، أي أكثر من 160.000 كل عام. وهناك 3.6 مليون امرأة يعشن مع أمراض القلب في المملكة.

واشتملت الدراسة الجديدة على أكثر من 57000 امرأة أميركية بعد انقطاع الطمث ممن أجبن سابقًا على استبيانات لتقييم العزلة الاجتماعية من عام 2011 إلى عام 2012. وتم إرسال استبيان ثانٍ لتقييم الشعور بالوحدة والدعم الاجتماعي بين عامي 2014 و 2015. وتمت متابعة المشاركات من وقت ملء الاستبيان حتى عام 2019 أو عندما تم تشخيصهن بأمراض القلب والأوعية الدموية.

وعانى ما مجموعه 1599 من المشاركات من مشاكل القلب القاتلة المحتملة. ويرتبط الشعور بالوحدة لدى عامة السكان أيضًا بضعف صحة الرئة. وتقر مؤسسة القلب البريطانية بوجود "ارتباط بين العزلة الاجتماعية وزيادة خطر الوفاة".

هل يمكن للوحدة أن تكون قرارًا شخصيًا؟

وفيما قد يعاني أحد ما من الوحدة، قد يختارها آخر بمحض إرادته. ويختلط على البعض تعريف الحالة التي يمرون بها، فقد تختلف خصائصها ودوافعها وأسبابها.

وأوضح مدرب التنمية البشرية أشرف قرطام، أن الوحدة هي شعور قد ينتاب المرء حتى ولو كان محاطًا بالناس والضجيج، أمّا العُزلة فهي أن يكون الإنسان لوحده بعيدًا عن الناس جسديًا. وقال في حديث له مع "العربي": "إن الوحدة أصعب من العزلة".

وشرح قرطام أن الوحدة هي سيف ذو حدين، فالإنسان يحتاج أن يكون في عزلة مع نفسه أحيانًا، ولكن لا ينبغي أن يكون ذلك نتيجة عقاب الإنسان لنفسه.

وغالبًا ما يكون اختيار الوحدة هو ردة الفعل الأولى بعد التعرض للخيبة جراء إحدى العلاقات الاجتماعية، وفقًا لمدرب التنمية البشرية.

وأشار إلى أن الفرد قد يختار الهروب من المواجهة، التي تعد إحدى مهارات العصر الحديث. وشرح قرطام أن تعليم المواجهة إحدى مجالات تخصصه بوصفه مدرب تنمية بشرية. وقال: "لا يمكن الانعزال في كل مرة تواجه فيها مشكلة مع الناس، فالمشاكل هي إثبات أننا على قيد الحياة".

العزلة الاختيارية

وأكد قرطام أن العزلة القائمة على اختيار شخصي، بهدف التعرف إلى الذات والتعمق بها لفترة قصيرة، أمر إيجابي. واستشهد بسيرة الشاعر والمتصوف من الأصول الفارسية شمس الدين التبريزي الذي أثرى المكتبة الصوفية عندما كان في عزلة إرادية.

وكان التبريزي رحّالة إلى أن التقى بجلال الدين الرومي الفقيه القانوني الصوفي حيث أثمر اللقاء أعمالًا صوفية راقية أيضًا، وفقًا لقرطام. 

ومن جهة أخرى، أشار قرطام إلى أن التوازن هو الأساس. فالعزلة التي يصاحبها الوحدة أمر خاطئ، وكذلك البقاء في اختلاط دائم واتصال مع الناس أمر سيئ أيضًا؛ فاختيار العزلة ومحاورة الذات من فترة إلى أخرى أمر صحي، ويسهم في استقرار شخصية الإنسان.

تابع القراءة
المصادر:
العربي - ترجمات
Close