ترنو عيون المجتمع الدولي نحو قصر دولمة بهتشة في مدينة إسطنبول التركية، الذي يحتضن مفاوضات السلام الروسية الأوكرانية، في محاولة لانتزاع وقف لإطلاق النار، بعد الهجوم الروسي على الجارة أوكرانيا الذي دخل شهره الثاني، وسبب إرباكًا في حسابات العالم بأسره أمنيًا واقتصاديًا.
وانطلقت اليوم الثلاثاء، جولة جديدة من المباحثات بين موسكو وكييف بوساطة تركية، تمخضت عن إعلان وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، أن المحادثات بين المفاوضين تشكل أهم تقدم يجري إحرازه خلال المحادثات حتى الآن، والتي بدأت في اليوم السادس من الهجوم الذي بدأ فجر 24 فبراير/ شباط 2022.
وتنبع أهمية تركيا في هذه المحادثات؛ من كونها طرفًا مقبولًا من روسيا وأوكرانيا على حد سواء، مع دعم أوروبي لحياد أنقرة، ولا سيما بعد تعرض موسكو لرزم عقوبات شديدة من قبل الولايات المتحدة والتكتل الأوروبي في محاولة لإجبار الرئيس الروسي فلادمير بوتين لوقف الحرب.
دلالة تاريخية كبيرة
اختارت أنقرة قصر دولمة بهتشة المطل على البوسفور، كمكان تاريخي لبدء جولات تفاوضية مباشرة بين وفدي موسكو وكييف اللذين خاضا محادثات سابقة، لم تتوصل سوى لفتح بعض الممرات الإنسانية.
وشكل القصر الذي بدأ العمل في بنائه في عهد الحكم العثماني عام 1843، المركز الإداري الرئيسي لسلاطين الإمبراطورية العثمانية منذ عام 1856 وحتى 1922.
وحاليًا تحول القصر إلى متحف يحظى باهتمام السياح المحليين والأجانب، لما يحتويه من تحف تاريخية يبلغ عددها أكثر من 55 ألف قطعة، ترجع إلى فترات مختلفة، إذ جرى جمع المقتنيات في أحد الأجنحة الحديثة التابعة للقصر التاريخي، ولا يتم عرضها في أروقة البناء المفتوحة للزوار.
ولطالما استقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زواره في القصر؛ من رؤساء دول وحكومات ومسؤولين غربيين، وحينما كان أردوغان يشغل منصب رئيس الوزراء كان يعقد فيه اجتماعات أمنية خاصة، في مكتبه بهذا القصر الذي يعتبر تحفة معمارية فارقة في الشطر الأوروبي من مدينة إسطنبول.
معالم القصر الخالدة
سمي القصر بهذا الاسم، لكون الأرضية التي بني فوقها، كانت عبارة عن ميناء طبيعي، جرى حشوه وغمره بالتراب، في مطلع القرن السابع عشر، ليصبح حديقة خاصة بالسلاطين، حيث أطلق عليها اسم"دولمة باهتشة"، أي الحديقة المحشوة، ثم أمر السلطان عبد المجيد الأول، عام 1843 ببناء القصر، الذي استغرق 13 عامًا.
ويضم القصر 43 صالونًا، و6 حمامات تركية، و43 مرحاضا، فهو مشهور بالفخامة والترف في تصميمه، من الداخل والخارج، حيث جرى استخدام 14 طنا من الذهب، و60 طنا من الفضة في تصميمه.
وافتتح متحف مقتنيات القصر عام 2011، ويضم بين جنباته أعدادًا كبيرة ومتنوعة من التحف الفنية والتاريخية، بدءًا من الشمعدان (منارة تركز عليها شمعة للاستضاءة)، إضافة إلى المزهريات، ومن الخزف والبورسلين، إلى الطاولات الخشبية، والمقاعد، ومن المنسوجات إلى مستلزمات المطبخ، والإضاءة، فضلًا عن بواكير العديد من الروايات البوليسية، وألعاب الأطفال.
كما أن كافة المقتنيات سواء المعروضة أو الموجودة في المخازن يرجع تاريخها إلى القرن التاسع عشر، وتقدم للزوار صورة كاملة عن الحياة التي كانت سائدة آنذاك.
كما استخدمت جميعها في عهد آخر 6 سلاطين عثمانيين، فضلًا عن الخليفة الأخير عبد المجيد أفندي، إلى جانب استخدامها في السنوات الأولى للجمهورية التركية.
ويحتوي المتحف على كل أدوات الطعام التي استخدمت على المأدبة التي أقامها السلطان عبد الحميد الثاني، على شرف الإمبراطور الألماني القيصر فيلهلم (كان قيصرًا للرايخ الثاني الألماني، إلى جانب كونه ملكًا لبروسيا) في شاليه قصر "يلدز" التاريخي.
وفي كل عام يتوافد الأتراك على القصر، لزيارة الغرفة التي فارق فيها مؤسس الجمهورية التركية، مصطفى كمال أتاتورك، الحياة في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 1938.
وحرصت تركيا على تخصيص قاعة عمل في القصر تجري فيها لقاءات ثنائية وثلاثية بين المسؤولين الأتراك وضيوفهم من الدول الأخرى.