Skip to main content

عام على الصلاحيات الاستثنائية في تونس.. هكذا استفرد سعيّد بالحكم

الأحد 24 يوليو 2022

كان يوم 25 يوليو/ تموز 2021 يومًا فارقًا في التاريخ السياسي الحديث لتونس حيث خرج الرئيس التونسي قيس سعيّد معلنًا في خطاب بث على التلفزيون الرسمي إنهاء مهام رئيس الحكومة هشام المشيشي وتجميد عمل مجلس نواب الشعب مع رفع الحصانة عن نوابه مبررًا ذلك بالاستناد إلى الفصل 80 من الدستور التونسي، وذلك عقب ترؤسه اجتماعًا طارئًا جمع قيادات عسكرية وأمنية في قصر قرطاج. 

يوم مفصلي في تاريخ تونس

ويوضح رئيس نقابة الصحافيين التونسيين محمد ياسين الجلاصي في حديث إلى "العربي" ضمن برنامج "عين المكان" أن يوم 25 يوليو كان يومًا مفصليًا وتاريخيًا ومهمًا لأنه أنهى مسيرة من العبث في الدولة وباستقرارها في ظل حكم حركة النهضة، على حدّ وصفه.

ومن جهته، يعتبر رئيس اللجنة الاستشارية لصياغة الدستور الجديد في تونس صادق بلعيد أن أغلبية ساحقة في تونس استقبلت إجراءات 25 يوليو "بفرحة كبيرة". 

أمّا القيادية في حزب التيار الديمقراطي سامية عبو فترى أن تونس كانت أمام خيارين إمّا تدخّل العسكر أو أن يتحمل رئيس الجمهورية مسؤوليته وتطبيق الفصل 80 من الدستور. وتقول: "رأى البعض أنه لا يمكن تطبيق الفصل 80 لأنه ينص على أن يبقى البرلمان في حال انعقاد دائم لكن الرئيس سعيّد جمّد أعمال البرلمان". 

لكن عبو تعتبر أن "قيس سعيّد انقلب على 25 يوليو لأن الفصل 80 كان يسعى إلى دفع الخطر والعودة إلى الدولة، لكن سعيّد انقلب على الاستثناء وبدأ في رسم معالم دولة الاستبداد والسلطان الذي يُطاع دون مساءلة أو محاسبة". 

تراكمات دستورية وسياسية

وحول السياق الذي أوصل تونس إلى 25 يوليو، يعتبر أمين عام حركة الشعب زهير المغزاوي أن التراكمات هي التي أدّت إلى إجراءات 25 يوليو. ويقول: "نبدأ من آخرها أولًا على المستوى الدستوري، فالدستور مغلق لا يسمح بحل البرلمان إلّا في حالات تكون تقريبًا مستحيلة. كما لا يسمح بتعديل الدستور إلّا في حالات تكاد تكون مستحيلة". 

وعلى المستوى السياسي، "فإن انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 2019 فتحت على أزمة تتمثل في أن الانتخابات أفرزت كتلاً قريبة من حيث العدد ومتنافرة من حيث الأفكار والطروحات حتى أن البعض منها عبّر صراحة أنه لا يمكن أن يعمل مع الطرف الآخر"، ما أدى إلى تأزم الأوضاع الاجتماعية، بحسب المغزاوي. 

أمّا القيادي في جبهة الخلاص، جوهر بن مبارك، فيعتبر أن قرارات قيس سعيّد "أجهضت كل محاولات المجتمع التونسي لإنجاح عملية الانتقال الديمقراطي وأجهضت الثورة وعادت بتونس إلى المربع الأول، مربع الاستبداد وحكم الفرد ودولة اللاقانون". 

فبين خط سياسي مؤيد لمسار التدابير الاستثنائية الذي فرضة سعيّد في 25 يوليو وآخر رأى فيه انقلابًا على مكتسبات الثورة والديمقراطية التونسية، مرّ عام شهدت فيه البلاد حملة من القرارات الرئاسية رافقتها حملة من التضييقات على حرية التعبير ضمن ما اعتبره البعض أنه أتى في سياق قمعي أكبر. 

ويقول الجلاصي: "بعد 25 يوليو ازدادت الانتهاكات بعدد كبير في حق حرية التعبير والصحافة والصحافيين وأصبحنا نرى التضييقات أكثر مما كنا نراه سابقًا. وقد أصبح مجال تدخل السلطة التنفيذية في الإعلام العمومي بطريقة فظة ضربت حق الوصول إلى المعلومة".

رفض واسع للاستفتاء على مشروع الدستور الجديد لتونس - غيتي

انتهاك الحقوق والحريات

ويؤكد الممثل عن منظمة محامون بلا حدود في تونس الأمين بنغازي، أن وضع الحقوق والحريات هو أسوأ مما كان عليه في السابق. ويقول: "شهدنا في المرحلة الأخيرة عدة انتهاكات لحقوق الإنسان وانتهاكات لحق التنقل من منع سفر وإقامة جبرية لمجموعة من السياسيين، إضافة إلى انتهاكات لحق التظاهر السلمي". 

ومن جهته، يشير بن مبارك إلى أن عددًا كبيرًا من المدنيين تتم مقاضاتهم في محاكم عسكرية. وينقل عن منظمات دولية منها "هيومن رايتس ووتش" أن عدد الملفات التي أحيلت إلى المحاكم العسكرية في عام أكثر من تلك التي أحيلت في عشرة أعوام. ويرى أن ذلك أدى إلى انهيار في منظومة الحقوق والحريات. 

ويعتبر نقيب الصحفيين التونسيين أن مقاضاة مدنيين ولا سيما الصحافيين أمام القضاء العسكري هو من أخطر الأمور التي تشهدها تونس. 

وقد رصدت منظمة محامون بلا حدود التونسية في تقريرها "200 يوم بعد تفعيل الفصل 80 من دستور 2014" أهم الأوضاع الحقوقية حيث تم منع 56 شخصية سياسية من السفر. وصدرت بطاقات إيداع في السجن بحق 50 شخصًا. وتم فتح بحث تحقيقي بشأن 6 شخصيات. ووُضع 15 شخصًا في الإقامة الجبرية. وصدرت بشأن 5 أشخاص بطاقات جلب.

ولكن أمين عام حركة الشعب زهير المغزاوي، يلفت إلى أن الدستور الذي قدّمه رئيس الجمهورية للاستفتاء لم يمس بأي شكل من الأشكال بوضوع الحريات، معتبرًا أن مسألة المساس بالحريات مبالغ فيها كثيرًا.

تطهير القضاء

وكانت أولى المحطات التي يشير فيها سعيّد إلى القضاء التونسي بعد نحو شهرين من 25 يوليو حينما صرّح أنه لا يمكن تطهير البلاد إلّا بتطهير القضاء، لتكون مقدمة لأحداث عديدة تمثّلت بحل المجلس الأعلى للقضاء. وأصدر مرسومًا يستبدلهم بأعضاء مجلس قضاء أعلى مؤقت. 

وتلا هذه الأحداث في أبريل/ نيسان الماضي إصدار مرسوم رئاسي جديد يمنح الرئيس قيس سعيّد صلاحية تعيين أعضاء الهيئة المستقلة للانتخابات والذي بدوره صرّح خلال أداء أعضائها اليمين القانونية إعلانه عن رفضه حضور مراقبين أجانب في الاستفتاء المقرر في 25 يوليو/ تموز الحالي.

نقابة الصحفيين التونسيين تندد بمقاضاة المدنيين أمام المحاكم العسكرية - غيتي

ممارسات استبدادية

وترى القيادية في حزب التيار الديمقراطي سامية عبو أن ما يمارسه سعيّد في تونس هو "ما تقوم به الأنظمة الاستبداية من تدجين الإعلام والقضاء وممارسة سياسة العنف لكتم الأفواه"، على حدّ وصفها. وتلفت إلى أن "سعيّد يواجه الفساد في كل القطاعات باستثناء الأمن الذي فساده معلوم للجميع". 

من جهته، يعتبر بن مبارك أنّ سعيّد "استحوذ على السلطة التنفيذية حيث أقال الحكومة ونصب حكومة موالية له بمقتضى النص وحل المجلس الأعلى للقضاء ونصّب نفسه قاضي القضاة وحاكم القضاة في قصر قرطاج وعزل 57 قاضيًا بعد أن كال لهم التهم في محاولة لترهيب السلطة القضائية، ثم استحوذ على مقدرات الدولة عبر وضع مواليه في المناصب الحساسة". 

أكثر من ذلك، ترى عبو أن سعيّد "ركّع القضاء" أي أنه مارس الترهيب بحيث أصبح القضاة يبتون بأي ملف وفقًا لتمنيات الرئيس من دون أي تعليمات.  

لكن أمين عام حركة الشعب زهير المغزاوي يتساءل كيف يمكن للقضاة المتمردين على سعيّد والذين نفذوا إضرابًا ناجحًا أن يوظفهم سعيّد. ويضيف: "كنا نرى 25 يوليو فرصة لتونس لكن إدارة هذه المرحلة شابتها أخطاء". 

"خارطة الطريق"

وفي خضم مطالب محلية ودولية بالإعلان عن خارطة لإنهاء الإجراءات الاستثنائية، أعلن الرئيس سعيّد عمّا أسماه "خارطة الطريق"، التي كان أحد بنودها إجراء استفتاء على دستور جديد للبلاد بعد عام على إجراءاته الاستثنائية وتحديدًا في 25 يوليو/ تموز 2022.

وأوضح الصادق بلعيد رئيس اللجنة الاستشارية لصياغة الدستور أنه عندما كلفه الرئيس بصياغة الدستور فهو لم يتلق أي معلومات أو حتى إشارة. قال: "فهمت هذا الشيء بأنه تعبير عن ثقته بشخصي المتواضع خصوصًا وأن الرئيس كان أحد تلامذتي". 

ويعيب المغزاوي على بلعيد وأمين محفوظ أنهما قبلا أن يكون دورهما استشاريًا، لافتًا إلى أن نسخة الدستور التي قدمها بلعيد للرئيس لم تعرض على المتحاورين الذين كانت حركة الشعب منهم.   

ويقول بلعيد لـ"العربي": "ظهرت فكرة أنه ربما الرئيس لم يتكلم حول الدستور لأنه أراد أن يجري الأمر وكأنه طبيعي، في حين أنه في الحقيقة ربما كان وفي سريّة تامة قد وضع مشروع له من الدستور، لا يتقارب مع المشروع الذي قدمته في 20 يونيو/ حزيران السابق".

الأزمة الاقتصادية

وقد أشار بلعيد إلى أن الباب الاقتصادي الذي افتتح به النسخة التي قدمها من الدستور قد أُخرج تمامًا من النص. ورأى أن النص الحالي هو خطر على مستقبل تونس. 

وقد أورد المعهد الوطني للإحصاء نسب التضخم خلال عام 2022 حيث بلغت نسبة التضخم في شهر نارس/ آذار 7.2% لترتفع في أبريل/ نيسان إلى 7.5% وإلى 7.8% في شهر مايو/ أيار وإلى 8.1% في شهر يونيو/ حزيران. 

وقد بلغ الدين العام 82.57% من إجمالي الناتج المحلي عام 2022. ووصلت قيمة الدين الخارجي لحوالي 24 مليار دولار.

كل هذه الإجراءات والتضييقات التي وُصفت في وقت ما أنها تؤسس لمناخ أحكام عرفية أدت إلى حالة من الرفض التام من المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية الذين عبروا عن رفضهم لممارسات سعيّد ن خلال إحداث مبادرات وجبهات للتصدي لما آلت إليه الأمور سياسيًا بعد قرارات 25 يوليو/ تموز 2021.  

واعتبر بن مبارك أن جبهة الخلاص أسست لموقف وطني جامع حده الأدنى أن سعيّد ذاهب بتونس إلى الطريق الخطأ، واصفًا الجبهة "بالجبهة الأكثر اتساعًا وقوة في التاريخ المعاصر لتونس".

المصادر:
العربي
شارك القصة