حكمت محكمة ألمانية، اليوم الثلاثاء، بسجن امرأة تبلغ من العمر 97 عامًا لمدة عامين مع وقف التنفيذ، بعد إدانتها بتهمة المشاركة في قتل حوالي 11 ألف شخص، خلال فترة عملها في أحد معسكرات الاعتقال النازية خلال الحرب العالمية الثانية.
ومنذ أكثر من عام، بدأت محاكمة إيرمغارد فورشنر، السكرتيرة السابقة في معسكر "شتوتهوف"، بتهمة المساعدة والتحريض على قتل 10505 أشخاص، ومحاولة قتل خمسة آخرين.
وخلال محاكمتها في بلدة إيتزيهوي بشمال ألمانيا في وقت سابق من هذا الشهر، قالت فورشنر إنها "تأسف لما حدث، لكنها لم تعترف بذنبها".
وتُعتبر فورشنر أول امرأة مدنية في ألمانيا تُدان في جرائم ارتكبت بمعسكر اعتقال نازي.
وخلال المحاكمة، قال القاضي دومينيك غروس، إن المحاكمة ستكون "واحدة من آخر المحاكمات الجنائية في جميع أنحاء العالم المتعلقة بجرائم الحقبة النازية".
وألقي القبض علي فورشنر في سبتمبر/ أيلول 2021، عندما كانت تعيش في دار للمسنين في هامبورغ.
ومع بدء محاكمتها، لم تحضر للمحكمة وهربت. لكن تمّ القبض عليها بعد ساعات فقط في ضواحي هامبورغ، وتمّ احتجازها لمدة خمسة أيام، وتزويدها ببطاقة إلكترونية للمعصم.
من هي فورشنر؟
ذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية أن فورشنر عملت سكرتيرة لقائد معسكر "شتوتهوف" بول فيرنر هوبي بين يونيو/ حزيران 1943 وأبريل/ نيسان 1945، ولذلك حُكم عليها بموجب قانون الأحداث لأنها كانت بعمر 18 عامًا وقت ارتكاب الجرائم قبل عقود من الزمن.
ووصلت فورشنر إلى المحكمة على كرسي متحرّك ومرتدية قبعة بيضاء وقناعًا طبيًا محاولة إخفاء وجهها.
وبسبب تقدّم المتهمة في السن، استمعت المحكمة، خلال جلسات امتدت لمدة ساعتين في أكثر من 40 يومًا، إلى 30 ناجيًا وأقارب سجناء في "ستوتهوف"، من الولايات المتحدة، وفرنسا، والنمسا، ودول البلطيق.
كما شرح الخبراء بالتفصيل الدور الذي لعبته فورشنر بحكم عملها كموظفة مدنية تنفّذ الإجراءات البيروقراطية في السجن، وكانت تُشاهد بنفسها أعمال التعذيب والقتل المنهجي للسجناء في غرف الغاز، أو بالرصاص، أو بتركهم يتجمّدون في الهواء الطلق.
وأشارت الصحيفة إلى أن ما بين 63 ألفا إلى 65 ألف شخص، حوالي 28 ألفًا منهم من اليهود، قُتلوا في شتوتهوف، معظمهم في غرف الغاز، وبعضهم بطلقة في مؤخرة العنق، حيث ضمّ السجن منشأة خاصة بذلك.
ومن بين الشهادات القاسية على جرائم فورشنر، ما رواه جوزيف سالومونوفيتش، البالغ من العمر الآن 84 عامًا والذي استطاع الهرب من المعسكر، لكن والده قتل هناك.
وأدلى سالومونوفيتش بشهادته في ديسمبر/ كانون الأول 2021، حيث سافر خصيصًا من منزله في جمهورية التشيك إلى ألمانيا. وخلال الاستماع لشهادته، رفع سالومونوفيتش صورة والده وخاطب فورشنر مباشرة، قائلًا: إنها "مذنبة بشكل غير مباشر، حتى لو كانت تجلس فقط في المكتب".
وأثناء المحاكمة، قام مسؤولو المحكمة، بمن فيهم القاضي، بزيارة موقع "ستوتهوف" القريب من مدينة غدانسك في بولندا، وشاهدوا مكتب فورشنر ومدى قربه من أماكن قتل السجناء، بما في ذلك غرف الغاز ومحارق الجثث والمشانق.
وخلصوا إلى أن قرب مكتبها من هذه الأماكن، بالإضافة إلى أنها كانت تنفّذ الأوامر عبر الآلة الكاتبة الخاصة بها والهاتف، كانت كافية لحصولها على معلومات وافرة عمّا يجري، وبالتالي شاركت بنشاط في ارتكاب الجرائم.
أثناء المحاكمة، لم تتحدث فورشنر كثيرًا، وكانت تتواصل مع المحكمة من خلال محاميها وولفغانغ مولكينتين، الذي قال إن موكلته "لا تنكر الجرائم التي وقعت في المعسكر، إلا أنها أنكرت أنها مذنبة بارتكابها".
وتأتي المحاكمة عقب زلزال أمني ضرب ألمانيا، حيث نفذ الآلاف من عناصر الأمن والاستخبارات اعتقالات ومطاردات في مخابئ أعضاء محسوبين على اليمين المتطرّف.
وكشفت التحقيقات الأولية عن تورّط المشتبه بهم في تنفيذ ما أسمتها السلطات بـ"المؤامرة الإرهابية لقلب نظام الحكم، وإسقاط الدولة الألمانية ومبادئها الديمقراطية، فضلًا عن إعادة التفاوض بشأن تسوية ما بعد الحرب العالمية الثانية".