تحاول الحكومة الإسرائيلية منذ اندلاع شرارة الحرب في أوكرانيا تحييد نفسها عن الصراع، إلا أنها قد تجد نفسها اليوم في صلبه.
فصحيفة "نيويورك تايمز" أفادت بأن الولايات المتحدة زوّدت أوكرانيا بآلاف القذائف من مستودعات لها في إسرائيل.
وذكرت أن البنتاغون، وفي ظل الطلب الأوكراني الكبير على الأسلحة والقذائف وعدم تمكن صانعي الأسلحة من مواكبة الحاجة، قرّر إرسال القذائف من مستودعات الطوارئ التابعة للولايات المتحدة في إسرائيل وكوريا الجنوبية لتعويض النقص.
توصية من مسؤولين عسكريين إسرائيليين
وقد اتفق الجانبان على إرسال 300 ألف قذيفة إلى أوكرانيا، بعدما كانت القضية موضع أخذ ورد في إسرائيل خشية من رد فعل روسيا. وجاءت بعد ذلك الموافقة مدفوعة بتوصية رفعها مسؤولون عسكريون إسرائيليون لوزير الأمن السابق بيني غانتس؛ دعوه فيها إلى قبول الخطة الأميركية منعًا لتوتر العلاقة مع واشنطن صاحبة السلاح أصلًا.
وقد بادرت الولايات المتحدة بطمأنة الحليف الإسرائيلي والتعهد بتجديد الذخيرة في المستودعات عبر تنظيم خط إمداد فوري في حال الطوارئ.
وتعود أصول المخزون العسكري الأميركي في إسرائيل إلى حرب أكتوبر 1973، حينما شكلت واشنطن جسرًا جويًا لإمداد القوات الإسرائيلية، قبل أن تقرر إنشاء مستودعات تتمكن تل أبيب من استخدامها خلال الحروب.
ووفقًا للكونغرس، لم يسمَح لإسرائيل باستخدام هذا المخزون إلا خلال الحرب على لبنان في عام 2006، والعدوان على غزة عام 2014.
"سلاح بالغ الأهمية في الحرب"
ويشير الباحث في مركز التقدم الأميركي لورانس كورب، إلى أن الولايات المتحدة تعطي الأولوية للتعامل مع العدوان والتهديد الروسي لأوكرانيا.
ويقول في حديثه إلى "العربي" من واشنطن: إن "هذه المخزونات أسلحة أميركية في المقام الأول أعطيناها لإسرائيل وكوريا الجنوبية، ونحن في واقع الأمر نعود إلى إرسالها إلى أوكرانيا". ويوضح أن بلاده ستعيد تجديد المخزونات.
وفيما يؤكد أن الحرب في أوكرانيا استمرت لفترة أطول من المتوقع، يردف: علينا تجديد الأسلحة لأوكرانيا، لافتًا إلى أن العالم بأسره متحد ويقف وراء الأوكرانيين في سعيهم للتعامل والتصدي لهذه الحرب غير القانونية.
وتعليقًا على ما أوردته "نيويورك تايمز" من حيث أن الاتفاق كان على 300 ألف قذيفة مدفعية من عيار 155 ملم أرسِل نصفها تقريبًا ووُصف السلاح بالفعال جدًا ربما قبل "هجوم الربيع"، يؤكد كورب أن هذا السلاح بالغ الأهمية في الحرب الدائرة في أوكرانيا.
"لا تستطيع إغضاب واشنطن"
بدوره، يرى الكاتب والباحث المتخصص بالشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت أن "إسرائيل واقعة بين نارين".
ويوضح في حديثه إلى "العربي" من عكا، أن "إسرائيل لا تستطيع إغضاب الولايات المتحدة وتحاول الهروب إلى الأمام بهذه المسألة في مقابل روسيا؛ بالقول: إن المستودعات أميركية وإن الإدارة الأميركية هي صاحبة القول الفصل في نقل المخزون".
وفيما يشير إلى أن الموافقة الإسرائيلية تمت من قبل الحكومة المنتهية ولايتها، يوضح أن واشنطن تحاول تنفيذ هذه الموافقة الآن مع وجود الحكومة الحالية التي عاد إلى رئاستها بنيامين نتنياهو، وهو الشخص الذي بدأ اتباع سياسة النأي بالنفس في ما يخص دعم أوكرانيا والتحالف مع الولايات المتحدة والناتو.
ويقول: إن "الولايات المتحدة على ما يبدو تريد أيضًا توجيه رسائل سياسية إلى الحكومة الإسرائيلية"، مؤكدًا أن القضية ما زالت في بداياتها.
وبينما يلفت إلى أن الموقف الروسي لم يصدر حتى الآن بشكل صريح، يذكر بالتصريحات الروسية السابقة التي بلغت حد التهديد بأنه في حال قيام إسرائيل بتزويد أوكرانيا بأسلحة سيكون الرد الروسي قاسيًا للغاية.
ويضيف: "لذلك يجب أن ننتظر لنرى ما ستكون ردة الفعل الروسية على ما كشفته نيويورك تايمز".
"الرد الروسي سيكون قويًا"
من جانبه، يؤكد الكاتب الصحافي يفغيني سيدروف أن أي رد روسي رسمي لم يصدر حتى الآن على الأنباء المتعلقة بالذخائر الموجودة في المستودعات الأميركية في إسرائيل.
ويتدارك في حديثه إلى "العربي" من موسكو، بالإشارة إلى أن "هذا الرد سيكون قويًا، وربما يأتي بعد قليل".
ويتوقف عند ما يصفه بـ"تضارب بالأنباء" حول نوايا حقيقية للحكومة الإسرائيلية سواء السابقة أو الحالية فيما يخص التعامل مع الملف الأوكراني.
ويقول: بالإضافة إلى سياسة النأي بالنفس عن هذا الصراع بين روسيا وأوكرانيا، ومحاولات اتخاذ موقف محايد نوعًا ما إزاءه، كانت إسرائيل دائمًا تقول إنها ربما تكتفي بالمساعدات الإنسانية.
ويذكر بتصريح صدر قبل أسابيع عن سفير إسرائيل في كييف، ناقلًا عنه قوله: إن إسرائيل لا يمكن أن تخاطر بعلاقاتها مع روسيا من أجل دعم أوكرانيا.
وفيما يوضح أن ما تقدم كان يعني أن الدعم العسكري لن يقدَّم إلى أوكرانيا، يقول: "الآن في ظل هذه الأنباء، وبالرغم من أن الذخائر تعتبر أميركية، إلا أنه من الواضح أننا أمام تطورات خطيرة ربما فيما يتعلق بالعلاقات الثنائية بين روسيا وإسرائيل".