يتفاقم التوتر في لبنان، على خلفية الأحداث التي شهدتها العاصمة بيروت الخميس الماضي، وأدّت إلى مقتل سبعة أشخاص وإصابة آخرين، خلال تظاهرة لأنصار "حزب الله" وحليفته "حركة أمل"، تنديدًا بإجراءات المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار.
وفيما لا تزال اجتماعات الحكومة اللبنانية "معلَّقة" بانتظار التوافق على "مَخرَج" بين مختلف الأطراف بشأن التحقيق، يتواصل التصعيد الكلامي من جانب "حزب الله" إزاء حزب "القوات اللبنانية"، الذي اتهمه صراحةً بالوقوف خلف أحداث "الخميس الأسود".
وفي هذا السياق، جاءت تصريحات الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله، مساء أمس، لتعمّق الخلاف، حيث هاجم بعنف حزب "القوات" ورئيسه سمير جعجع، واصفًا الأخير بـ"المجرم والسفّاح"، ومحذّرًا المسيحيين في لبنان من أنّه يشكّل "أكبر خطر" يتهدّدهم.
ماذا قال نصر الله؟
في تصريحاته، قال نصر الله: إنّ جميع الدلائل تشير إلى أنّ حزب "القوات اللبنانية" هو من قتل ضحايا أحداث الخميس الماضي، وإنّ الواقعة تشكّل مفصلًا لمرحلة جديدة في التعاطي مع المشهد السياسي.
وأشار نصر الله إلى أنّ حزب "القوات اللبنانية" يملك ميليشيا مقاتلة ذات قوات هيكلية محدّدة، ويحرّض على افتعال مواجهة عسكرية مع "حزب الله".
واتهم نصر الله حزب "القوات اللبنانية" بالعمل على "اختراع عدو للمسيحيين للمضيّ في مشروعه"، على حدّ قوله.
وأكد نصر الله أنّ عدد عناصر الهيكل العسكري لحزب الله من اللبنانيين المدرَّبين يبلغ 100 ألف مقاتل، مشيرًا إلى أنّه يذكر عدد مقاتلي الحزب لأول مرة لمنع الحرب الأهلية وليس للتهديد، بحسب تعبيره.
وقال: "إنّهم مدربون ومنظمون ومسلحون وأصحاب تجربة وأصحاب روحية، ولو أشير لهم أن يحملوا على الجبال لأزالوها".
كيف تُقرَأ تصريحات نصر الله؟
ويرى الكاتب السياسي أحمد عياش أنّ هذا الجزء من كلام الأمين العام لـ"حزب الله" يثير القلق ويعطي الانطباع بأننا ذاهبون نحو مرحلة أكثر تعقيدًا.
ويشير عياش، في حديث إلى "العربي"، من بيروت، إلى أنّ من يستمع لكل خطاب نصر الله يجد أنّه قال الشيء ونقيضه في وقت واحد.
ويوضح أنّ نصر الله اتهم حزب القوات اللبنانية بصورة متشددة لكن في الوقت نفسه قال إنه ينتظر التحقيق القضائي فيما جرى من أحداث.
ويقول: "هذا يناقض ذاك باعتبار أنّه سلفًا حمّل حزب القوات اللبنانية المسؤولية، مستبقًا بذلك التحقيق الذي يُنتظر أن تُعلَن نتائجه في فترة ليست بعيدة".
"الشيء ونقيضه"
ويعتبر عياش أنّ نظرية "الشيء ونقيضه" تنطبق على تصريحات نصر الله حول التحقيق في جريمة انفجار مرفأ بيروت، فهو يقول إنه يريد الحقيقة فيما يتعلق بمرفأ بيروت لكنه لا يزال يصرّ على اتهام المحقق العدلي بأنه سيّس الأمور ومارس الانتقائية في مجرى التحقيق.
ويسأل عيّاش: "كيف نريد أن تمارس العدالة دورها وفي الوقت نفسه يصل التشكيك إلى حد المطالبة بوضع التحقيق جانبًا والخلاص من هذا الأمر؟".
هل تمّ "استيعاب" أحداث الطيونة؟
لكنّ عياش يعرب عن اعتقاده بوجود منحى لاحتواء الأمور، معتبرًا أنّ اللهجة التصعيدية التي اعتمدها نصر الله، الذي وصل إلى "ذروة عرض العضلات" بحديثه عن 100 ألف مقاتل، قد تكون توطئة لمحاولة "استيعاب" ما حصل الخميس الماضي.
ويسجّل في هذا السياق حديثه الإيجابي عن الجيش اللبناني، بعد بعض التصريحات "المشكّكة" في اليومين الماضيين، مشدّدًا على وجود إجماع في لبنان أن لا بديل عن الجيش اللبناني وسائر المؤسسات الأمنية.
ويضيف: "نصر الله قال هذا الكلام بوضوح في عدد من العبارات التي وردت في كلمته، وبالتالي فهو يلاقي هذا الاتجاه، منعًا لأيّ انزلاق لا تحمد عقباه".