بعد تعليق المشروع لسنوات تحت وطأة الانتقادات، ثم إعلان الجهّة المطورة والناشرة عن نيتها إطلاق اللعبة في ديسمبر/ كانون الأول الجاري؛ يتأجل صدور "ستة أيام في الفلوجة" مرة جديدة، إلى موعد حدّد في الربع الأخير من العام المقبل.
وكانت لعبة الفيديو عادت إلى الواجهة لتثير الجدل، بالتزامن مع الذكرى السابعة عشرة لبدء معركة الفلوجة الثانية، التي خاضتها قوّة مشتركة من الجيوش الأميركية والبريطانية والعراقية عام 2004 على أرض المدينة الواقعة غرب العراق.
وتم تطوير اللعبة في الأصل من قبل شركة Atomic Games لتصدر عن ناشر الألعاب الياباني Konami عام 2010. غير أن المشروع تم تعليقه بعد انسحاب الشركة، التي تتخذ من طوكيو مقرًا لها، نتيجة الانتقادات الواسعة التي وصفت اللعبة بالهجومية.
وبمضي ما يقرب من 11 عامًا، أعلن في فبراير/ شباط الماضي كل من المطوّر Highwire Games وشركة النشر Victura، التي أسّسها الرئيس التنفيذي السابق لشركة Atomic Games بيتر تامتي عن إحياء "ستة أيام في الفلوجة".
وفيما كان من المقرّر إطلاق اللعبة بحلول نهاية عام 2021 الجاري، أشارت كل من فيكتورا و"هاي واير غيمز" عبر الموقع الإلكتروني "sixdays" عن خطط لمضاعفة حجم فريق تطوير ستة أيام في الفلوجة، وتأجيل إصدار اللعبة حتى الربع الأخير من عام 2022.
"فانتوم فيوري"
وشهدت الفلوجة، التي عُرفت سابقًا باسم مدينة المساجد، هجوم "فانتوم فيوري" أو معركة الفلوجة الثانية بين السابع من نوفمبر/ تشرين الثاني والثالث والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول عام 2004، بعد أكثر من عام على غزو العراق في 19 مارس/ آذار 2003.
وفقًا لقوات المارينز الأميركية، استخدمت القوات التي تقودها الولايات المتحدة أكثر من 300 قنبلة و6000 طلقة مدفعية و29 ألف قذيفة هاون. وأكد مسؤولون عسكريون أن القوات استخدمت الفوسفور الأبيض، وهو سلاح حارق مثير للجدل.
ودُمّر في القتال أكثر من 60 من مباني الفلوجة التاريخية التي تعد مئتي مبنى، وفرّ عشرات الآلاف من الناس الذين لم يعد الكثير منهم إليها أبدًا.
وبينما تورد شبكة "سي إن إن" أن أكثر من 80 جنديًا أميركيًا قُتلوا في النهاية، تلفت إلى أن عدد الضحايا المدنيين لتلك المعركة لا يزال غير معروف، مشيرة إلى ما أعلنه الصليب الأحمر من أن ما لا يقل عن 800 عراقيًا بريئًا قُتلوا في المعركة.
كما تنقل صحيفة "الغارديان"، فيما يتعلق بتقدير المنظمات غير الحكومية المحلية، أن المعركة قتلت ما يصل إلى 6000 عراقي، معظمهم من المدنيين.
إلى ذلك، يُنظر إلى معركة الفلوجة الثانية على نطاق واسع على أنها أصعب معركة حضرية، شنتها الولايات المتحدة في أماكن مأهولة منذ معركة هيو في فيتنام.
وبينما يُحكى عن مطاردة "متمرّدين"، قامت القوات التي قادتها واشنطن بالتنقل من منزل إلى آخر بحثًا عنهم، مستُخدمة تكتيكات مثيرة للجدل.
وفي هذا الصدد، يتذكر روس كابوتي، وهو جندي سابق في مشاة البحرية الأميركية، إطلاق القنابل اليدوية أو طلقات البنادق على المنازل قبل الدخول إليها باعتباره أسلوبًا "وقائيًا" في حال اختباء "المتمرّدين" بالداخل.
ويلفت في حديث لـ"سي إن إن"، إلى أنه علم لاحقًا أن "عشرات الآلاف من المدنيين كانوا ما زالوا يختبئون في منازلهم أثناء العملية، لذا فإن هذه التكتيكات كانت تعرّضهم لخطر كبير".
علام تقوم اللعبة؟
تُعيد "ستة أيام في الفلوجة" رسم مشاهد من المعارك التي شهدتها المدينة. وبحسب بيان للشركة الناشرة، فإن الأحداث التي تصوّرها "لا تنفصل عن السياسة".
ويُترك للاعب أن يختار الدور الذي سيلعبه على أرض المعركة؛ أن يكون جنديًا أميركيًا يقود فريقًا في مهام ضد "المتمردين"، أو أبًا عراقيًا أعزل يحاول إنقاذ عائلته.
We understand the events recreated in Six Days in Fallujah are inseparable from politics. pic.twitter.com/N7nkPilp1Q
— Victura (@VicturaGG) March 8, 2021
وبحسب البيان، تتحدّى كل مهمة اللاعبين لحل سيناريوهات عسكرية ومدنية حقيقية من المعركة بشكل تفاعلي، مما يوفّر منظورًا للحرب الحضرية غير ممكن من خلال أي وسائط أخرى.
بدورها، تناقش مقاطع وثائقية العديد من الموضوعات الصعبة، بما في ذلك الأحداث والقرارات السياسية التي أدت إلى معارك الفلوجة وتداعياتها.
كما سيستمع اللاعبون إلى أعضاء الخدمة الأميركية الحقيقيين، الذين يروون المهمات، والمدنيين العراقيين الذين ينقلون تجاربهم. ولا يتم السماح للاعبين باستخدام الفوسفور الأبيض باعتباره سلاحًا أثناء اللعب.
وبينما يشير تامتي إلى أن المطوّرين يتشاورون بانتظام مع العراقيين حول كيفية تصويرهم في اللعبة، يوضح أن إطلاق لاعب النار على مدني عراقي ينهي المهمة بالفشل، مؤكدًا أن العراقيين الوحيدين المسموح بقتلهم هم "المتمردون".
هل أُسيء فهم اللعبة؟
تُثير لعبة إطلاق النار الفردية "ستة أيام في الفلوجة" الانتقادات باعتبارها تسيء إلى ذكرى من قُتلوا وذاكرة من نجوا منها في آن معًا.
وبينما يجد فيها عدد من المنتقدين محاكاة لقتل العرب، يبرّر صانعوها الهدف من تنفيذها وإطلاقها بالقول إنها "تعلم التاريخ"، معتبرين أنه تمت إساءة فهمها بشكل صارخ.
و"ستة أيام في الفلوجة" هي في جزء منها فيلم وثائقي، وفي الجزء الآخر لعبة فيديو، تستخدم أسلوب اللعب "لسرد التاريخ" وإعادة إنشاء أحداث من معركة الفلوجة الثانية.
ويكشف المطوّرون أنهم تعاونوا لتحقيق هذه الغاية مع أكثر من 100 من أفراد الخدمة الذين قدّموا شهادات وصورا فوتوغرافية ومقاطع فيديو لإعادة إنشاء أحداث حقيقية "بمصداقية واحترام". كما قابلوا 27 عراقيًا، 23 منهم من الفلوجة.
ويلفت تامتي في بيان أعلن عن إطلاق اللعبة، إلى أن "من الصعب فهم حقيقة القتال من خلال قيام أشخاص مزيّفين بأشياء مزيّفة في أماكن مزيّفة".
صور نمطية ونكء للجروح
بالمقابل، يهدّد الإطلاق الوشيك لـ"ستة أيام في الفلوجة" التي دعت منظمات إسلامية أميركية إلى عدم إطلاقها كونها تعزز الصور النمطية الضارة للعراقيين والعرب والمسلمين، بإعادة فتح الجروح القديمة لدى الكثير من الناجين من تلك الحرب.
وتشير نجلاء باسم عبد الإله ـ التي كانت قد شهدت وعائلتها المعارك قبل أن تلجأ إلى الولايات المتحدة وتستقر في ولاية جورجيا ـ إلى أنها شعرت بالرعب لدى سماعها بنية إطلاق اللعبة.
وبينما تصفها لـ"سي إن إن" بأنها "وصمة عار" لصناعة الألعاب، تجد فيها "عدم احترام كبير لذكرى الأبرياء الذين لقوا حتفهم"، لافتة إلى أن التاريخ حديث للغاية، والناس ما زالوا يعيشون ويستوعبون الصدمة التي تعرضوا لها في حرب العراق.
بدوره، يلفت العراقي - الأميركي محمد حسين، الذي "أُصيب بالانزعاج والاضطراب" من أنباء إطلاق اللعبة، إلى أن "المتمرّدين" في اللعبة يبدون وكأنهم رجال عراقيون عاديون، محذّرًا من أن هذا الأمر قد يؤدي إلى التحيّز في العالم الحقيقي.
ويردف في حديثه للشبكة: "إنها تجرّد العراقيين من إنسانيتهم وتظهر كيف أن بعضهم متمرّدون وبعضهم من القاعدة والبعض مدني ولا سبيل للتمييز بينهم. إنها تزيل حساسية هذا الجيل تجاه هذا النوع من العنف ضد شعبنا".
ومن ناحيته، يلفت القناص السابق في الجيش الأميركي غاريت ريبنهاغن إلى أنه يجد من المزعج أن يرى ما يرقى إلى مستوى محاكاة جرائم قتل العرب، التي تفشل في الاعتراف بتأثير حرب الحصار على السكان المدنيين العزل والمحاصرين.
المعركة انتهت وذيولها مستمرة
انتهت معارك "فانتوم فيوري" بمضي أيامها الـ46، إلا أن ذيولها ما تزال ماثلة حتى اليوم، وهو ما يضاعف من مآسيها ويجعلها جزءًا من حاضر العراقيين.
ومن ذلك ما أبلغت عنه مستشفيات الفلوجة من حيث الارتفاع الحاد في التشوّهات الخلقية وحالات السرطان منذ عام 2005.
وجاء ذلك في دراسة أُجريت عام 2010، واقترح فيها بعض الخبراء الطبيين أن استخدام اليورانيوم المستنفد قد يكون السبب في ذلك.
كما أشار باحثون إلى أن العديد من العراقيين الذين شهدوا الحرب يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، ولم يتلقوا بعد أي نوع من الرعاية لصحتهم العقلية.