يعمّق الاحتلال الإسرائيلي جراح مجزرة الحرم الإبراهيمي في وجدان الفلسطينيين مع محاولات التهويد المستمرة، والانتهاكات المتواصلة لهذا الصرح الديني الإسلامي العريق في مدينة الخليل.
آثار المجزرة التي ارتكبها مستوطن وأسفرت عن استشهاد 29 فلسطينيًا في العام 1994، ما تزال ماثلة إلى اليوم، وتفاقمها أطماع الاحتلال واقتحامات المستوطنين وطقوسهم الصاخبة التي يمارسونها داخل المسجد وخارجه.
مجزرة الحرم الإبراهيمي
ارتكب المستوطن باروخ غودلشتاين المجزرة فجر يوم الجمعة 25 فبراير/ شباط، والذي وافق منتصف شهر رمضان، مجزرة يستذكرها الشيخ الفلسطيني عادل إدريس، الذي كان شاهدًا عليها، في مقابلة أرشيفية مع "العربي".
يقول إدريس إنه دخل برفقة شقيقيه وزوج أخته إلى المسجد في ذلك اليوم لأداء الصلاة. وبعدما أقامها المؤذن، ولدى سجود المصلين، دخل المستوطن وراح يطلق رصاصه الحاقد عليهم.
ويلفت إلى أن شقيقه سليم استشهد في المجزرة بعدما أصابته رصاصة في فكه وأخرى في كتفه، وكذلك المؤذن، و27 آخرون، في حين أكملت قوات الاحتلال المجزرة خارج المسجد، حيث استشهد أيضًا خمسة فلسطينيين.
يذكر الشيخ إدريس أن المجزرة التي ارتكبت عند صلاة الفجر سبقتها اعتداءات على المسلمين عند صلاة التراويح، وتهديدات بما "ينتظرهم عند صلاة الفجر".
وبينما يشير إلى ما أعقب ذلك من ممارسات احتلالية، يؤكد أن اللجنة التي شكلها الاحتلال كافأت المجرم وعاقبت الضحية.
وكان المستوطن باروخ غولدشتاين دخل إلى الحرم الإبراهيمي لارتكاب المجزرة بزيّ عسكري، وأفرغ 3 مخازن رصاص من بندقيته الرشاشة في المصلين.
وفيما استشهد 29 فلسطينيًا وأُصيب 150 آخرون بجروح، تمكّن ناجون من المصلين من الانقضاض عليه وقتله.
على الأثر، أغلق جنود الاحتلال الموجودون في المسجد الأبواب لمنع المصلين من النجاة، ولمنع القادمين من الخارج من إنقاذ الجرحى. ثم واصلوا جريمتهم أثناء تشييع الشهداء، فاستشهد آخرون وارتفع عددهم إلى 50 شهيدًا.
عرفات البايض بدوره استشهد بعدما هبّ لنقل شهداء وجرحى المجزرة من المسجد، فانضم إليهم بعد إطلاق جيش الاحتلال النار عليه داخل مستشفى الأهلي في المدينة.
من هو باروخ غولدشتاين؟
وُلد منفذ المجزرة في نيويورك وهاجر إلى إسرائيل حيث عمل طبيبًا في جيش الاحتلال.
وهو يُعد من مؤسسي حركة "كاخ" اليمينية المتطرفة، والتي تحمل شعارات فاشية تدعو إلى تهجير العرب، وسن قوانين عنصرية ضدهم، وضم كل أرض فلسطين التاريخية بزعم أنها "أرض إسرائيل"، وقد عُد على نطاق واسع بين المستوطنين وجنود الاحتلال "بطلًا عظيمًا" لفعلته، وحولوا قبره إلى مزار للتبرك.
ولم تكن المجزرة جريمته الأولى، فبحسب ما تورده وكالة "الأنباء والمعلومات الفلسطينية" (وفا)، قام في مساء الخميس 14 أكتوبر/ تشرين الأول 1992، بإلقاء مواد كيميائية حارقة على سجاد المسجد، وكانت لتقع مذبحة لولا يقظة الحراس والمصلين حينها.
لجنة "شمغار" وتوصياتها
عقب مجزرة الحرم الإبراهيمي، أغلقت قوات الاحتلال المسجد والبلدة القديمة لمدة 6 أشهر بحجة "التحقيق في الجريمة وأسبابها".
وأصدرت ما سُمي بلجنة "شمغار" وهي لجنة تحقيق من طرف واحد برئاسة رئيس المحكمة العليا الإسرائيلية، عدة توصيات منها تقسيم المسجد الإبراهيمي إلى قسمين.
وقد "أعطت" الاحتلال "الحق في السيادة على نحو 60% من المسجد"، وهو حيّز يضم مقامات وقبور أنبياء وشخصيات تاريخية وصحن الحرم.
كما أوصت بحصر عدد الأيام التي يفتح فيها المسجد للمسلمين 10 أيام فقط في السنة، وفتحه 10 أيام أخرى أمام اليهود.
وفيما أحاط الاحتلال الحرم بالبوابات الإلكترونية والحواجز العسكرية، تكرر منع رفع الأذان.