الجمعة 22 نوفمبر / November 2024

تحت وطأة الحرارة الشديدة وشح المياه.. تغير المناخ يهجر العراقيين من قراهم

تحت وطأة الحرارة الشديدة وشح المياه.. تغير المناخ يهجر العراقيين من قراهم

شارك القصة

أدى تغير المناخ في العراق إلى تفاقم النقص في كل شيء
أدى تغير المناخ في العراق إلى تفاقم النقص في كل شيء (غيتي)
تجاوزت درجات الحرارة في العراق 51 درجة مئوية هذا الصيف، مع تحذير منظمات الإغاثة من أن الجفاف يحدّ من وصول الغذاء والمياه والكهرباء إلى 12 مليون شخص في العراق.

"في بلاد الحضارات بين نهري دجلة والفرات، يُسمّم تغير المناخ الأرض ويُفرغ القرى"، بهذه العبارة دقّت صحيفة واشنطن بوست الأميركية ناقوس الخطر جراء التغير المناخي في العراق وتأثيراته الخطيرة على الأرض والسكان.

وتحدّثت الصحيفة عمّا آلت إليه الحياة البشرية في المجمعات السكنية على ضفاف النهرين، والتي هجرها سكانها، بسبب نقص المياه وتحوّل الأراضي الزراعية إلى صحراء مهجورة.

وهناك في الأهوار، حيث ظهرت أولى التجمّعات البشرية، أدى تغير المناخ إلى احترار شديد، وندرة المياه، بحيث تشعر وكأن نهاية العالم قد آنت.

وقدّرت الأمم المتحدة مؤخرًا أن أكثر من 100 ميل مربع من الأراضي الزراعية في هذا البلد تحوّلت إلى أراضٍ قاحلة.

خلال السنوات الأخيرة، دفع نقص الأمطار المزارعين إلى الاعتماد أكثر على مياه نهري دجلة والفرات، التي شهدت هي الأخرى نقصًا بعد بناء تركيا وإيران عدة سدود على منابع تغذية النهرين، الأمر الذي أدى، بدوره، إلى تدفّق المياه الملحية من الخليج العربي شمالًا إلى أنهار العراق. كما وصل الملح حتى الحافة الشمالية للبصرة، حوالي 85 ميلًا في الداخل العراقي.

في غضون ذلك، يتشبّث الرجال بما تبقى من الحياة كما عرفوها في التجمّعات التاريخية، بينما تموت جواميسهم وتتشتت عائلاتهم في المدن المجاورة لعدم قدرتهم على تحمّل حرارة الصيف.

وتجاوزت درجات الحرارة في العراق 51 درجة مئوية هذا الصيف، مع تحذير منظمات الإغاثة من أن الجفاف يحدّ من وصول الغذاء والمياه والكهرباء إلى 12 مليون شخص في العراق وفي سوريا المجاورة. وما يحدث في العراق من ارتفاع لدرجات الحرارة يعد مؤشرًا على ما سيشهده العالم في المستقبل.

البقاء أم الرحيل؟

ووفقًا للصحيفة، يواجه السكان خيارين: إما البقاء أو الرحيل. ونقلت عن رعد الغالي، وهو راعي جواميس في الجبايش التاريخية، قوله: إن "الجميع يعاني هذه الأيام. نحن لا نعرف ماذا سنفعل".

وانخفض منسوب المياه في الممرات المائية المتعرّجة في الجبايش، وقضى الملح والتلوث على القصب. وللحفاظ على حياة حيواناتهم، يملأ السكان القوارب المتهالكة بمياه الشرب التي تم شراؤها من أماكن تبعد عنهم أميالًا.

كما تحوّلت الحقول المجاورة إلى اللون البني حيث اختفت البساتين والورود، وباتت أشجار النخيل تموت ببطء في بلدة السيبة الحدودية، إذ إن مياه الري مالحة لدرجة أنها تسمم المحصول.

يتذكّر المزارع أبو أحمد، 52 عامًا، عندما كانوا يزرعون الخيار. وقال: "ليس لدينا حتى خيارة واحدة. كيف يمكننا الاستمرار هنا؟".

بدأ تأثير ارتفاع درجات الحرارة تدريجيًا. عامًا بعد عام وبات الصيف أكثر سخونة، وازدادت حالات الإصابة بضربات الشمس. مرضت الجواميس وعُثر على الأسماك ميتة على الشاطئ.

وقال غالي: "غادرت عائلتي هذا العام إلى بلدة الماجر، على بعد 70 ميلًا إلى الشمال بسبب الحرارة. نشعر أحيانًا أننا الجيل الأخير الذي سيقوم بالزراعة وتربية الماشية. نشعر أنها نهاية حقبة".

تزايد الهجرة

أدى تغير المناخ في العراق إلى تفاقم النقص في كل شيء من الغذاء إلى توليد الكهرباء. وتتوقّع جماعات الإغاثة أن ينخفض إنتاج القمح في شمال البلاد بنسبة 70%. في المقاطعات التي لا تصلها الأنهار، تنفق العائلات قدرًا أكبر من دخلها الشهري على مياه الشرب. وهذه العوامل أدت إلى تزايد الهجرة

وبحسب المنظمة الدولية للهجرة، نزح أكثر من 20 ألف عراقي بسبب عدم توفر المياه النظيفة عام 2019، معظمهم في جنوب البلاد. لكنّ الهجرة، وفقًا لباحثين، أثارت توترات مع سكان المدن والقرى، الذين يلومون الوافدين الجدد على نقص المياه والكهرباء.

تعاني عائلة غالي الذي غادر أشقاؤه قريتهم إلى الماجر، من عدم توفّر فرص العمل. وقال محمد: "زوجتي تركتني بمجرد انتقالنا إلى الماجر، لأنني لا أستطيع شراء منزل".

في زاوية الغرفة، أومأت امرأة عجوز برأسها متعاطفة، وقالت: "لسنا أنفسنا هنا".

"لا يمكن تحمّل تكاليف المغادرة"

لا يستطيع بعض القرويين حتى الهروب من أزمات تغير المناخ. وفي أحياء المناطق الريفية في جنوب العراق التي أفرغت إلى حد كبير من الناس، تشعر بعض العائلات بالقلق من تخلّفهم عن الركب.

أما في بلدة الفاو الحدودية النائية، فقد شعرت جميلة محمد، 55 عامًا، وشقيقها حسين بالقلق على حيواناتهما. تعيش الأسرة في مبنى حكومي، لأنها لا تستطيع دفع الإيجار، وتعتمد على ماشيتها في تأمين الغذاء. لكن الحرارة المرتفعة والمياه المالحة جعلت الأرض التي يعيشون عليها عديمة الفائدة بينما نفق العديد من الأبقار.

وقال حسين: "نحتاج إلى بيعها لأننا لا نستطيع إطعامها. ولكن ماذا بعد بيعها؟ لا يمكننا تحمل تكاليف مغادرة هذا المكان".

بينما تنهّدت جميلة قائلة: "تركنا الجميع تقريبًا. ليس لدينا إلا الله الآن".

تابع القراءة
المصادر:
ترجمات
تغطية خاصة
Close
The website encountered an unexpected error. Please try again later.