بدأ الملياردير إيلون ماسك سعيه لمحو ثقافة شركة "تويتر" وصورتها لصالح رؤيته الخاصة، بمجرد توليه إدارة الشركة في أكتوبر/ تشرين الأول 2022.
فقد ثلاثة أرباع موظفي الشركة عملهم من خلال عمليات الفصل، والتسريح، والمغادرة الطوعية، إضافة إلى بيع الأثاث والديكور بالمزاد العلني، ناهيك عن السياسات المقلوبة بشأن خطاب الكراهية والمعلومات المُضلّلة.
ولم يكن تغيير العلامة التجارية إلى "أكس" مفاجأة. لكنّه لم يستطع تغيير المصطلحات التي تُلازم منصّة "تويتر" على الأقل في الوقت الحالي.
فلا تزال كلمة "تغريدة" (Tweet) متلازمة في جميع أنحاء الموقع المعروف سابقًا باسم "تويتر" (Twitter). فعند كتابة أي منشور، ما زلت بحاجة إلى الضغط على زر "تغريدة" الأزرق لنشره. ولإعادة النشر، يجب الضغط على "إعادة التغريد" (retweet).
إزالة شعار "#تويتر" من واجهة مقر الشركة في #سان_فرانسيسكو بولاية #كاليفورنيا الأميركية، بعد تغييره من العصفور الأزرق إلى علامة "X" pic.twitter.com/mjSQmD6wiF
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) July 24, 2023
ولا يقتصر الأمر على هذه الخطوات فقط. فمن خلال "التغريدات"، أنجز تويتر في بضع سنوات فقط، شيئًا لم يستطع انجازه إلا القليل من الشركات. فأصبح التغريد مصطلحًا معتمدًا في قاموس العالم.
وفي هذا الإطار، قال نيك بيلتون، مؤلف كتاب "تويتر: قصة حقيقية عن المال والسلطة والصداقة والخيانة" (Hatching Twitter: A True Story of Money, Power, Friendship, and Betrayal): "اللغة تأتي دائمًا من الأشخاص الذين يستخدمونها على أساس يومي. ولا يمكن السيطرة عليها، لا يمكن إنشاؤها، أو تحويلها".
فعند إطلاق المنصّة عام 2006، كان اسم "Twitter" يُكتب "twttr"، بدون أحرف العلّة.
وروى بيلتون في كتابه أنّ "إيفان ويليامز (أحد مؤسّسي تويتر)، اشترى حرفي علّة مقابل 7500 دولارًا لكل منهما، عندما اشترى عنوان URL لموقع twitter.com".
يتذكر بيلتون أنّه في البداية، لم يغرّد الأشخاص بل كانوا يقولون "سأقوم بتغريد هذا" (I’m going to twitter this). لكن سرعان ما استحوذت كلمة "tweet" في مكتب "Twitter" أولاً، ولاحقًا في سان فرانسيسكو، ثمّ في كل مكان.
ومنذ أكثر من عقد، كان الجميع يغرّد: قادة العالم، والمشاهير والرياضيون، والمنشقّون عن الأنظمة القمعية. وسرعان ما أدى استخدام الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إلى ظهور "التغريدات" في عناوين الأخبار شبه المستمرة خلال فترة رئاسته. وحتى الأشخاص الذين لا يملكون حسابات على المنصّة، أصبحوا يعرفون معنى كلمة تغريد.
وفي الوقت الحالي، ما زلنا نغرّد، ونعيد التغريد، ونقتبسها، وأحيانًا نحذف التغريدات. كما تقوم المواقع الإخبارية بتضمين التغريدات في قصصها.
إدخال كلمة "تغريد" إلى القواميس
ولا تملك شبكة اجتماعية أخرى كلمة تمّ إدخالها بقاموس اللغة العامية مثل "tweet"، على الرغم من أنّ "غوغل" (Google) فعلت الشيء نفسه مع كلمة "غوغلة" (googling).
وعام 2011، ضمّ قاموس "أوكسفورد" الإنكليزي كلمة "تويت" (tweet)، تلاه قاموس "ميريام وبستر" (Merriam-Webster) عام 2013. كما أُدخلت إلى كتاب المعايير التابع لوكالة اسوشييتد برس عام 2010.
وفي هذا الإطار، قال جاك لينش، أستاذ اللغة الإنكليزية بجامعة روتجرز والذي يُدرّس تاريخ اللغة لوكالة اسوشييتد برس: "يُعدّ الدخول إلى القاموس مؤشرًا على أنّ الناس يستخدمونه بالفعل. فالقواميس عادةً ما تكون مؤقتة أو حذرة جدًا بشأن إدخال كلمات جديدة، خاصةً للظواهر الجديدة، لأنها لا تريد أن تكون الكلمات مجرد فورة وتختفي".
تنصيب شعار #تويتر الجديد "X" في المقر الرئيسي للشركة بولاية #كاليفورنيا الأميركية#الولايات_المتحدة pic.twitter.com/FBQh2YWnr9
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) July 29, 2023
ومع نمو موقع تويتر ليُصبح منصة اتصالات عالمية، ويُكافح المعلومات المضللة، والمتصيّدين، والكلام الذي يحضّ على الكراهية، حافظ على صورة علامته التجارية الودودة. وتستحضر أيقونة الطائر الأزرق ابتسامة، مثل ابتسامة الأمازون المقلوبة على شكل سهم، على عكس علامة "أكس" التي فرضها ماسك.
رحلة شعار "الطائر الأزرق"
كان مارتن غراسر قد تخرّج قبل عامين من مدرسة الفنون، عندما عيّنته شركة تويتر لإعادة تصميم الشعار عام 2011.
وقال غراسر لوكالة أسوشييتد برس: ""كانوا يريدون طائرًا منذ البداية، لكنّهم أرادوا أن يكون في مصاف شعاري شركتي آبل ونايكي".
وأطلقت الشركة تصميم غراسر في مايو/ أيار 2012. وأوضح غراسر أنّ الطائر يُمثّل رؤية "تويتر باعتباره مكانًا ودودًا، حيث يمكن للجميع المشاركة والدردشة. كما أنّ الشكل الدائري يثير شعورًا بالتفاؤل، حتى إن الطائر يبدو كأنّه يُحلّق إلى الأعلى".
#تويتر يودع شعار الطائر الأزرق ويستبدله بحرف "إكس"👇 pic.twitter.com/wLXp5ME8s6
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) July 24, 2023
كما أنّ كلمة "تويتر" (Twitter) في حد ذاتها مرحة، مثلها مثل كلمة "تغريد" (tweet). وقال بيلتون: إنّ هذا لم يكن من قبيل الصدفة.
الكلمة المفتاح
وكان لنوح غلاس، المؤسس المشارك الآخر للمنصّة، الفضل في الفكرة الفائزة.
وقال بيلتون: "كان غلاس يُفكّر بدقّات القلب والعواطف، بعد أن كان يمرّ بالطلاق. وكان يتصفّح القاموس حرفيًا كلمة بكلمة حتى وصل إلى كلمة Twitter. وقد عرف على الفور أن هذه هي الكلمة المفتاح".
وأضاف: "لقد كان غلاس أحد المؤسسين الأربعة الذين امتلكوا الذكاء العاطفي ليتمكّنوا من فهم أن الأمر يتعلّق بالتواصل مع البشر. لقد كانت الفكرة جذّابة وعاطفية. كان الأمر يتعلّق بالتواصل مع البشر والأصدقاء والأحباء".
وتعود جذور إعادة تسمية "تويتر" إلى الطموح الذي بدأه ماسك منذ ما يقرب من ربع قرن بعد أن باع أول شركة ناشئة له "Zip2" ، لشركة "Compaq Computer". وشرع في إنشاء متجر رقمي شامل للتمويل يُسمّى "X.com"، وهو متجر يقدّم خدمات، من شأنها توفير الحسابات المصرفية ومعالجة المدفوعات، وتقديم القروض، والتعامل مع الاستثمارات.
وأصبح "تويتر" الآن باسم "إكس"، ليتماشى مع العلامات التجارية الأخرى التي تحمل اسم "X"، على غرار "سبايس إكس"، و"تسلا موديل إكس"، ناهيك عن ابنه الذي يسمّيه "إكس".
ويهدف ماسك إلى تحويل منصّة "إكس" إلى تطبيق لـ"كل شيء"، من الفيديو والصور والرسائل والمدفوعات والخدمات الأخرى، على الرغم من أنّه قدّم القليل من التفاصيل.
وفي الوقت الحالي، لا يزال "X.com" ، بشكل أساسي "Twitter.com"، حتى مع بدء اختفاء الطائر الأزرق.
وقال بيلتون: "كان هناك قول مأثور داخل الشركة مفاده أنّ تويتر كانت الشركة التي لا يمكنها قتل نفسها. أعتقد أن هذا لا يزال صحيحًا، سواء كان اسمها تويتر أو إكس".
وأضاف: "أعتقد أنّه أصبح نوعًا ما نسيجًا اجتماعيًا، وحتى إيلون ماسك قد لا يتمكّن من تحطيمها".