في الذكرى الثالثة لانفجار مرفأ بيروت، كشفت وكالة "رويترز" وثائق رسمية صادمة، عن الكارثة التي راح ضحيتها نحو 200 شخص ودمرّت العاصمة اللبنانية عام 2020.
فقد أثبتت الوثائق أن مسؤولين أمنيين ورفيعي المستوى كانوا قد حذّروا قبل نحو شهر من الانفجار، كلًا من رئيس الجمهورية آنذاك ميشال عون ورئيس الوزراء حسان دياب من أن وجود 2750 طنًا من نترات الأمونيوم بمرفأ بيروت "يمثّل خطرًا أمنيًا قد يدمّر العاصمة".
والصادم في الأمر، أن عون كان قد نفى يوم 7 أغسطس/ آب 2020 علمه بمكان تخزينها وقال في مؤتمر صحافي إن "المواد مخزنة منذ 7 سنوات ويقولون إنها خطرة وأنا لست مسؤولًا ولا أعلم مكان وجودها ولا درجة خطورتها".
رحلة نترات الأمونيوم
وفي تسلسل زمني للكارثة، يتبين كيف كان واضحًا الخطر الكبير أمام أعين المسؤولين. حيث بدأت الرحلة في أكتوبر/ تشرين الأول 2014 حين أُفرغت شحنة نترات الأمونيوم وخزّنت في مستودع 12 بمرفأ بيروت.
وبحسب شبكة الـ"سي إن إن"، تخلت في ذلك الوقت شركة موزنبيق لصناعة المتفجرات عن هذه الشحنة التي كان يفترض أنها تستوردها من جورجيا، لكنها تعرضت للمصادرة في مرفأ بيروت بأمر قضائي يحمل الرقم 1031 لعام 2013.
أما سبب ذلك فكان "بعض الديون المتراكمة التي كان يجب أن يدفعها وسيط الشحن لكنه لم يفعل".
وأكّدت الشركة المالكة للشحنة أيضًا، أن عدم وصول شحنة كهذه أمر غير شائع "فهي كمية كبيرة وليست شحنة مفقودة في البريد"، وفق ما نقلت الـ "سي إن إن".
الكشف عن خطورة المواد
وفي فبراير/ شباط 2015، عيّن قاضي الأمور المستعجلة نديم زويت خبيرًا لتفقد الشحنة حيث خلص إلى أن "المواد المخزنة خطيرة"، وطلب عبر سلطات المرفأ نقل الشحنة إلى الجيش اللبناني الذي رفض الطلب فيما "لم يعرف سبب امتناع الجيش عن قبول الشحنة"، بحسب "رويترز".
حينها، أوصت قيادة الجيش بنقلها أو بيعها إلى شركة خاصة اسمها "الشركة اللبنانية للمتفجرات"، والتي ظهر اسمها في المراسلات مع مسؤولي الجمارك إلى جانب قاضي الأمور المستعجلة بين عامي 2014 و2017.
في هذا الصدد، قالت شركة المتفجرات اللبنانية لـ"رويترز"، "إنها لم تكن مهتمة بشراء المواد المصادرة، لأن لديها إمداداتها الخاصة وتراخيص الاستيراد الحكومية".
أوامر فورية لتأمين العنبر
ورغم ذلك، استمر مدير عام الجمارك بدري ضاهر في إرسال طلبات إلى القاضي لبيع الشحنة للشركة نفسها.
وفي يناير/ كانون الثاني 2020، أمر قاضٍ لبناني بإجراء تحقيق رسمي بعد اكتشاف أن "المستودع 12 بالمرفأ والمخزن به نترات الأمونيوم لا يخضع للحراسة ويوجد به فجوة في حائطه الجنوبي كما أن أحد أبوابه كان مخلوعًا ما يعني أنه معرض للسرق"، كما نقلت "رويترز".
وصرح مسؤول أمني رفيع للوكالة أن النائب العام التمييزي عويدات أصدر في التقرير النهائي في أعقاب التحقيق، "أوامر فورية لتأمين أبواب العنبر ومعالجة الفتحة وتوفير الأمن".
وفي 4 يونيو/ حزيران 2020، أصدرت مديرية أمن الدولة اللبناني تعليمات بـ"توفير حراسة للمستودع وتعيين مدير له وتأمين جميع الأبواب وسد الفتحة في الحائط"، بناءً على التعليمات الصادرة عن عويدات.
في ذكرى انفجار مرفأ_بيروت.. كيف تجاهل المسؤولون في #لبنان تحذيرات من الكارثة قبل وقوعها؟ pic.twitter.com/psxbFNreZe
— أنا العربي - Ana Alaraby (@AnaAlarabytv) August 4, 2023
إخطار الرؤساء
وبعد نحو شهر، أرسلت المديرية العامة لأمن الدولة في لبنان تقريرًا يلخص كل ذلك إلى كل من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، تضمن أيضًا نتائج التحقيقات التي أمر القاضي بإجرائها والذي خلص إلى "ضرورة تأمين نترات الأمونيوم على الفور لأنها تمثل خطرًا أمنيًا ربما يدمر العاصمة".
بدوره، أكد ممثل عن رئيس الوزراء اللبناني السابق حسان دياب لـ"رويترز" أن رئيس الحكومة "أرسل التقرير الذي تلقاه قبل 14 يومًا من الانفجار إلى مجلس الدفاع الأعلى لإبداء المشورة خلال يومين، في حين أن الإدارات السابقة كان أمامها أكثر من 6 سنوات ولم تفعل شيئًا".
ويوم 4 أغسطس/ آب 2020، بدأت الصيانة وأرسلت سلطات المرفأ فريقًا من العمال السوريين "من دون من يشرف على عملهم في ذلك المكان شديد الخطورة، وكانت النتيجة أن شرارة تطايرت من أعمال اللحام خلال الإصلاح فاشتعل حريق وبدأت النيران في الانتشار"، بحسب المسؤول الأمني.
لكن المفاجأة الصادمة التي كشف عنها، فكانت أن المستودع رقم 12 "كان يضم مفرقعات بجانب نترات الأمونيوم ليمتد الحريق إلى المفرقعات وتصل درجة الحرارة إلى 210"، ويتحول الحريق إلى هذا الانفجار الذي نكب بيروت وأهلها، وعمرانها.