الأحد 3 نوفمبر / November 2024

من أشهر أنواع المعجنات في العالم.. هل الكرواسون فرنسي حقًا؟

من أشهر أنواع المعجنات في العالم.. هل الكرواسون فرنسي حقًا؟

شارك القصة

الكرواسون من أشهر أنواع المعجنات في العالم، لكن هل هو فرنسي حقًا؟ - غيتي
الكرواسون من أشهر أنواع المعجنات في العالم، لكن هل هو فرنسي حقًا؟ - غيتي
على الرغم من شهرته وتاريخه العريق، حيث يعتقد أنّ أصله يعود إلى القرن السابع عشر، إلا أن ما قد يصدم كثيرين هو أن الكرواسون قد لا يكون فرنسيًا حقًا.

من منا لا يعشق الكرواسون اللذيذ الهش والمقرمش، الذي يعتبر واحدًا من الأيقونات الثابتة والتاريخية في عالم المخبوزات، والذي يكتسب شهرة واسعة بوصفه فرنسيًا.

يمتاز هذا الخبز الحلو بشكله الفريد ومذاقه الرائع، وهو واحد من أشهر وأشهى أنواع الحلويات والمعجنات في العالم.

لكن على الرغم من تاريخه طويل والمشهور، حيث يعتقد أن أصله يعود إلى القرن السابع عشر في فرنسا، إلا أن الحقيقة الصادمة لكثيرين هي أن الكرواسون قد لا يكون فرنسيًا...

ما هو الكرواسون وهل هو فرنسي؟

تحضير الكرواسون الفرنسي - غيتي
تحضير الكرواسون الفرنسي - غيتي

الكرواسون هو نوع من المعجنات اللذيذة، حيث يُعَدّ خيارًا شهيًا للإفطار، أو لأيّ وجبة خفيفة محبّبة، إذ يحظى بشعبية كبيرة في معظم أنحاء العالم.

ويمتاز الكرواسون بقاعدته المصنوعة من العجين الخفيف والهش، كما يحتوي على طبقات من الزبدة. ويُحشى عادة بمزيج من السكر والقرفة، أو الشوكولاتة، أو المكسرات، أو المربى، ثم يُلف العجين ويُخبز حتى يصبح ذهبي اللون ومقرمشًا. 

ويتميز الكرواسون بمزيج لذيذ من الحلاوة والهشاشة، وتكون الطبقات الداخلية طرية وممتلئة بالحشوة اللذيذة، وفي بعض البلدان العربية قد تجدون الكرواسون المحشي بالزعتر أو الجبنة وحتى باللحم في بعض الثقافات الغربية، مما يجعله مناسبًا لكل الأذواق.

ويُقدم الكرواسون باردًا أو بحرارة الغرفة، ويمكن تناوله في أي وقت من اليوم.

وعلى الرغم من أن الكرواسون يعد من ركائز المطبخ الفرنسي، إلا أنه في القرن التاسع عشر، كان الفرنسيون ينظرون إليه على أنه منتج أجنبي جديد، لا يُباع إلا في مخابز خاصة في فيينا وفي المتاجر الفاخرة من باريس، وفق موقع "سميثونيان ماغ". 

أما كيفية وصول الكرواسون إلى فرنسا في المقام الأول، فلا تزال غامضة وتحيط بها العديد من الروايات والأساطير.

الكيبفيل النمساوي

الكيبفيل النمساوي - غيتي
الكيبفيل النمساوي - غيتي

يتفق الخبراء على أن الكرواسون مستوحى من الكيبفيل (Kipferl)، وهو من الحلويات التقليدية في النمسا وبعض الدول الألمانية وسويسرا. وتعرف هذه الحلوى أيضًا باسم "فانيليا كيبفيل" نظرًا لمذاقها اللذيذ والغني بالزبدة ونكهة الفانيليا المميزة.

كما تتميز حلوى الكيبفيل بشكلها المميز، حيث تشبه إلى حد كبير الهلال الصغير الذي بدوره يشبه الكرواسون الفرنسي التقليدي، ويصنع من عجينة بسيطة تحتوي على مكونات أساسية مثل الزبدة والسكر، والدقيق، ومسحوق اللوز، والملح. 

وبعد عجن العجينة، تشكل إلى شكل هلال وتُخبز حتى تصبح ذهبية اللون. ثم تُغمس في سكر البودرة الممزوج مع الفانيليا لإعطائها الطعم اللذيذ والقوام المخملي.

ووفقًا للتقاليد الشعبية، ظهر كيبفيل في النمسا عام 1683 عندما احتفل النمساويون بانتصارهم على العثمانيين في حصار فيينا.

وتقول القصة بحسب "سميثونيان ماغ" إن أحد الخبازين المحليين في فيينا استيقظ مبكرًا ليصنع الخبز، عندما سمع الأتراك يحفرون الأنفاق تحت المدينة فأطلق ناقوس الخطر ونبه أهل المدينة.

ويحكى أن الشكل المنحني للكيبفيل يحاكي هلال العلم العثماني، ويدل على المعركة التي قاوم فيها النمساويون الغزو القوي. 

لكن بعض المؤرخين يجادلون في صحة هذه الرواية، إذ يقولون إن الكيبفيل كان موجودًا قبل فترة طويلة من الحصار العثماني لفيينا.

فقد ذكرت إحدى القصائد النمساويين الكيبفيل، كواحدة من حلويات عيد الميلاد التي قدمها الخبازون في فيينا إلى الدوق ليوبولد عام 1227. كما يعود تاريخ الخبز على شكل القمر الهلال بشكل عام إلى قرون سابقة.

وصول الكيبفيل إلى فرنسا

مخبز زانغ لصنع الحلوى النمساوية في باريس – "ويكي ميديا"
مخبز زانغ لصنع الحلوى النمساوية في باريس – "ويكي ميديا"

هل يكذب هذا الحلو النمساوي أصل الكرواسون الفرنسي؟ بالطبع لا، كما يقول جيم شيفالييه، وهو باحث مستقل ومؤلف كتاب عن تاريخ الكرواسون.

يقول شيفالييه: "بدأ الكرواسون على شكل كيبفيل نمساوي، لكنه أصبح فرنسيًا في اللحظة التي بدأ الناس في صنعه باستخدام المعجنات المنتفخة، وهو ابتكار فرنسي". ويضيف: "لقد ترسخت جذوره بالكامل في الأرض التي اعتمدته".

ولم تظهر أي إشارات إلى الكرواسون في فرنسا قبل عام 1850 تقريبًا، بحيث تشير الأدلة التاريخية إلى رجل أعمال نمساوي يُدعى أوغست زانغ، افتتح أول مخبز فييناوي في باريس عام 1838.

وبرزت موهبة زانغ في التسويق، من خلال وضع إعلانات في الصحف وشاشات العرض جعلت الباريسيين يتدفقون إلى مؤسسته لتذوق خبز فيينا ولفائف القيصر والكيبفيل.

الخباز النمساوي أوغوست زانغ في باريس – "ويكي ميديا"
الخباز النمساوي أوغوست زانغ في باريس – "ويكي ميديا"

بعد بضع سنوات، باع زانغ مخبزه وعاد إلى النمسا وأسس أول صحيفة يومية في البلاد، لكن الباريسيين لم ينسوا معجناته اللذيذة، فظهرت مجموعة كبيرة من المقلدين.

ووفقًا للصحافي الفرنسي هيرفي دي كيروهانت الذي عاش في القرن التاسع عشر، كان هناك بالفعل ما لا يقل عن اثني عشر "صانعًا للخبز الفييني، يوظفون 100 عامل" في باريس بحلول عام 1840. وهناك ولد نجم الحلوى الجديدة "الكرواسون".

ففي غضون بضعة عقود، أصبح الوافد الجديد عنصرًا أساسيًا في وجبات الإفطار الفرنسية، وفي زيارة إلى باريس في 1872-1873، أشاد الأديب الإنكليزي تشارلز ديكنز بـ"الكرواسون اللذيذ" متحسرًا على "الرتابة الكئيبة" نسبيًا للخبز الإنكليزي وأطعمة الإفطار الأخرى مقارنةً به.

الكرواسون في أميركا

مخبز لصنع حلوى الكرواسون في نيويورك الأميركية - غيتي
مخبز لصنع حلوى الكرواسون في نيويورك الأميركية - غيتي

وبعد قرن من الزمن، أحدث الكرواسون ثورة في صناعة الوجبات السريعة، حيث قدم المصنعون العجين المجمد الجاهز، وظهرت "الكرواسون" الجاهزة في جميع أنحاء فرنسا. 

وقدمت شركة السلع المخبوزة "سارا لي" الكرواسون المجمد إلى أميركا عام 1981، والذي سرعان ما تجاوزت مبيعاته مبيعات الباوند كيك الشهيرة وغيرها من سلاسل الوجبات السريعة مثل "بيرغر كينغ" وفق مقال نشرته صحيفة "النيويورك تايمز" عام 1984.

ومنذ ذلك الحين مر الكرواسون بإبداعات أميركية لا تحصى، حيث اصطف المئات أمام مخبز دومينيك أنسل في مانهاتن، لتذوق الكرونوتس وهو كعك مصنوع من عجينة الكرواسون.

وفي حين حظي "الكرواسون المملح" في "سيتي بيكري" بشعبية كبيرة، أطلقت سلسلة مخابز "كرمز" أحدث تجسيد للكرواسون، وهو "بيسانت" أو كرواسون الخبز.

الكرواسون الفرنسي التقليدي يصنع في أحد المخابز – غيتي
الكرواسون الفرنسي التقليدي يصنع في أحد المخابز – غيتي

فرادة الكرواسون الفرنسي

"قد يكون المشتق جيدًا، لكنه ليس كرواسون". هكذا، يصر الخباز الباريسي إيريك كايسر، الذي نشر في كتابه "لاروس للخبز: وصفات يمكن صنعها في المنزل" أن "الكرواسون هو منتج تقليدي تم البحث عنه وشعبيته باستمرار على مر السنين بسبب مذاقه وملمسه المميزين. وسيظل الكرواسون هو الأكثر مبيعًا".

ولكن هل أصبح الكرواسون ضحية لنجاحه في فرنسا؟ كلا. فقد حافظت هذه الحلوى الفرنسية على لمستها الباريسية السحرية بفضل التزام الخبازين بطريقة الصنع التقليدية عوضًا عن العجينة الجاهزة وتحضير المنتج بالمعامل.

وتحارب العديد من المخابز ومحلات المعجنات الفرنسية هذا الاتجاه حتى يومنا هذا، حيث تشدد المخابز التقليدية والفاخرة على وجه التحديد على أن بضائعها "fait maison"، أي صناعة يدوية، لتميزها عن منافسيها من المصانع وتحافظ على المعايير العالية للكرواسون الفرنسية.

تابع القراءة
المصادر:
ترجمات
Close