انسحب الاحتلال الإسرائيلي من مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة، بعد انقضاء أسبوعين على عملية الاقتحام، مما خلّف مئات الشهداء ودمارًا واسعًا في المجمع الذي يعد من أكبر مستشفيات قطاع غزة.
وقد شهدت عملية الاقتحام تلك على مدى أيامها، عمليات إعدام لمدنيين مكبلي الأيدي، ونبش وتجريف للمقابر الجماعية داخل المجمع ومحيطه، وكذلك إخراج الجثث من باطن الأرض، وتفحم عشرات الجثث.
كما تبيّن أن عددًا كبيرًا من طالبي الاستغاثة خلال الأيام الماضية، قضوا شهداء، علاوة على تدمير وحرق مرافق المجمع وإخراجه عن الخدمة نهائيًا.
مطالبة بفتح تحقيق دولي
وطالبت فصائل فلسطينية المجتمع الدولي والهيئات القضائية بالتحرك العاجل، ودخول مدينة غزة، ومعاينة الأضرار الناتجة عن جريمة الاحتلال، والعمل على التحقيق فيها ومحاسبة جيش الاحتلال ومعاقبته، خاصة أمام محكمة العدل الدولية.
فيما قالت الفصائل، إن جريمة الاحتلال تؤكد طبيعته بوصفه "كيانًا فاشيًا خارجا عن قيم الحضارة والإنسانية ومستمرا في مهمته بتنفيذ أبشع حروب الإبادة الجماعية بحق المدنيين والبنية المدنية في غزة".
وأعلن جيش الاحتلال أنه انسحب من محيط مجمع الشفاء، زاعمًا أنه استكمل عملية دقيقة، بعد ورود معلومات تفيد بأن المجمع تحول إلى مركز تحكم وسيطرة ومقر قيادة عسكري، كما اعترف بقتل عشرات الفلسطينيين، وتنفيذ عمليات اعتقال وتعذيب لمئات آخرين.
وزعم الجيش أيضًا العثور على العديد من الوسائل القتالية، والمستندات الاستخباراتية، حتى إنه عمم وثيقة لإدانة المقاومة في مشفى الشفاء، غير أنها في الحقيقة، تدينه هو نفسه، خاصة وأن الوثيقة المزعومة تشير إلى محضر اجتماع روتيني، يشدد على تفعيل ملف مباحث التموين لمنع الاحتكار وضبط الأسعار وتأمين السولار.
"يمكن ردع إسرائيل"
وفي هذا السياق، يقول مادس غيلبريت مسؤول البعثة الطبية النرويجية في غزة، إن "مستشفى الشفاء تم تأسيسه عام 1946 وهو لم يكن مرفقًا طبيًا بل كان مستشفى جامعيًا للأطباء وتعلم فيه الآلاف من الأطباء والممرضين والممرضات".
ويضيف غيلبريت في حديث إلى "العربي" من أوسلو، أن "ما شهدناه اليوم يعد خسارة كبرى للإنسانية ولنا جميعًا في المجتمع الطبي الدولي، كما يمثل إهانة لأي شخص يؤمن بالديمقراطية وفي عالم غير عنصري يجب عليه حماية المرضى والطواقم الطبية".
ومضى يقول: "بكيت لتدمير مستشفى الشفاء من قبل الأشرار والكلاب المسعورة الذين يزعمون أن هناك أهدافًا عسكرية فيه، ولكن حينما يدمرون مستشفى جامعيًا ما هي الأهداف التي يحققونها؟".
وتابع غيلبريت قائلًا: "ما جرى في الشفاء محاولة لتبرير تدمير المجتمع الفلسطيني وتدمير المرافق والنظام الصحي بغزة".
وينوه غيلبريت إلى أن "القانون الدولي لا يمكنه ردع إسرائيل، بل ثمة أمران يمكنهما ردع إسرائيل وهما فرض عقوبات أميركية وأوروبية صارمة عليها، ومنع تزويدها بالأسلحة".
ويؤكد على ضرورة ضغط الشعوب على حكومات الدول الغربية لتغيير أسلوبها تجاه إفلات إسرائيل من العقاب.
"تماد إسرائيلي"
بدوره، يقول مدير مركز الكرمل للأبحاث في حيفا مهند مصطفى، إن ما جرى في مستشفى الشفاء هو ضمن سردية إسرائيل في تصويرها على وجود أهداف معادية لها، لكن هذه السردية غير مقنعة للإسرائيليين أنفسهم".
ويضيف مصطفى في حديث إلى "العربي" من أم الفحم، أن "رد المجتمع الدولي الهزيل على إسرائيل هو ما دفع هذه الأخيرة للتمادي وتدمير مستشفى الشفاء والادعاء بوجود مقر عسكري لحماس".
واستدرك قائلًا: "رغم النقد والاستنكار للمجتمع الدولي، لكن لا توجد خطوات عملية تعاقب إسرائيل رغم الخرق الواضح للقانون الإنساني".
ويلمح مصطفى إلى أنه "راهنًا هناك قلق قضائي إسرائيلي حول تقديم دعاوى قضائية ضد مسؤولين إسرائيليين في المستقبل، لكن رغم ذلك فإن القضاء الإسرائيلي هو ذراع للاحتلال في شرعنة الاستيطان وقتل الفلسطينيين واعتداءات المستوطنين".
"أفعال غير مبررة"
بدوره، يرى مجيد بودن، الأستاذ في القانون الدولي، أن "هناك معيارًا واحدًا في القانون الدولي وهو أن كل دولة احتلال عليها حماية الناس والأملاك، وبالتالي أفعال إسرائيل غير مبررة أمام القضاء والقانون الدولي".
ويضيف بودن في حديث إلى "العربي" من باريس، أن "ما تقوم به إسرائيل لا يبرر أفعالها أمام القضاء الدولي، ولا يمكن للقانون الدولي اعتمادها وخاصة أن للشعب الفلسطيني حقوقا يضمنها القانون الدولي".
واستدرك قائلًا: "إن كل الادعاءات التي تقوم بها إسرائيل بغزة هناك تمحيص عليها على أساس القانون الدولي".