في العام 2008، أصبح بيب غوارديولا مدربًا لنادي برشلونة، حيث نجح معه في صناعة جيل ذهبي صنّفه كثيرون على أنه الأفضل في التاريخ.
وبالفعل أظهر المدرّب الإسباني الشهير مع مرور الأيام، قدراته البارعة وأساليبه التكتيكية الفريدة التي كلّلها بثلاثية تاريخية برفقة مانشستر ستي.
لكن، إذا كان صحيحًا أنّ فلسفة غوارديولا في كرة القدم نالت إعجاب الكثيرين، فإنّ الصحيح أيضًا أنّها قوبلت بانتقادات عدّة بسبب قيوده الصارمة على اللاعبين وسعيه نحو الانضباط التكتيكي الكامل.
إزاء ذلك، تُطرَح العديد من علامات الاستفهام، فهل أصبحت كرة القدم فعلاً مملّة بسبب غوارديولا كما يقول البعض؟ وما قصّة اتهام غوارديولا في مكان ما، بـ"تدمير" كرة القدم كما نعرفها؟ هل هو فعلاً مخطئ؟
عن هذه الأسئلة وغيرها، يجيب اليوتيوبر محمد أبو زيد (الكوير)، بأسلوبه الخاص، حلقة هذا الأسبوع من برنامج "مع الكوير"، الذي يختصّ بالقضايا المتعلقة بكرة القدم وتقاطعها مع القضايا السياسية والاقتصادية والثقافية والفنية.
غوارديولا.. جزء من منظومة كرة القدم
لم تكن كرة القدم بمفهومها الكلاسيكي، قائمة في يوم من الأيام، على أرقام رياضيات وقواعد أكاديمية، فلكلّ مباراة تفاصيلها الخاصة، المرتبطة بالفرق المتنافسة، واللاعبين على الأرض، فضلاً عن بصمات المدرب الفريدة.
وشأنه شأن أيّ مدرّب آخر، فإنّ بيب غوارديولا يبحث عن الأفضل لفريقه، وبالتالي يعتمد الأسلوب الذي يعتقد أنه سيحقّق له النتائج والألقاب. واستنادًا إلى هذه الفلسفة، استطاع غوارديولا فعلاً "اكتساح" البريمرليغ إن جاز التعبير، ولا سيما بتحقيقه ثلاثية تاريخية للستي. لكن في طريقه لتحقيق هذا الإنجاز، اعتبر كثيرون أنّ غوارديولا "أفسد" الكثير من أساسيّات كرة القدم.
وإذا كان بالإمكان النظر إلى غوارديولا بوصفه جزءًا من منظومة كرة القدم، فإنّ محاولة فهم دوره على هذا المستوى، يجب أن تنطلق من "الأصل"، وتحديدًا من استرجاع محطّات غوارديولا كلاعب في المقام الأول.
فصحيح أنّ غوارديولا لم يكن مصنَّفًا نجمًا أسطوريًا، وهو قد لا يمتلك مهارات الكثير من اللاعبين، إلا أنه كان يعتمد بشكل أساسي على البساطة، علمًا أنّه في شبابه كان يعاني من مشكلة من الناحية البدنية، وهو ما جعله يركّز أكثر على موهبته في قراءة اللعب بشكل أفضل.
ولعلّ كل ما تعلّمه بيب كان من مدرّبه الأسطورة الهولندية يوهان كرويف، وهو نفسه قال: "لم أكن أعرف شيئًا عن كرة القدم قبل أن أعرف كرويف. عندما بدأت العمل معه، ظهر أمامي عالم جديد".
"اختراعات غوارديولا" في كرة القدم
خلال مسيرته كلاعب، كان غوارديولا يحاول إدارة الفريق، وهو أرض الملعب، وكأنّه ينظّم المرور، وهو ما سيخدمه لاحقًا كمدرّب، حيث بدأ مسيرته مع برشلونة.
في أول مؤتمر له في عالم التدريب، قال غوارديولا: "ما كنت عليه كلاعب انتهى. كمدرب أنا لا أحد، وأنا أبدأ من الصفر. الفوز وحده هو الذي سيجلب لي المصداقية، وهذا طريقي الوحيد للتطور كمدرب".
ويُعرَف غوارديولا بما توصف بـ"اختراعاته"، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، ما سُمّيت بـ"التيكي تيكا"، حيث بدأ تطوير أسلوبه في اللعبة من خلال فكرة الاستحواذع على الكرة واستعادتها بشكل أسرع، واتباع أسلوب سهل وبسيط.
ومن اختراعات غوارديولا التي لم تنتهِ حتى يومنا هذا، ما يُعرَف بقاعدة الثواني الستّ التي تهدف إلى الضغط العالي بكثافة بمجرد فقدان الكرة، واستعادتها في 6 ثوانٍ، وكذكل قاعدة المهاجم الوهمي التي طبّقها مع ليونيل ميسي، حيث كان يرجع للخلف حتى يكون بين الدفاع والهجوم، فتكون أمامه مساحة أكبر، ما يُعَدّ مشكلة للخصم، بدليل أن ميسي سجّل 91 هدفًا عام 2012 وحده مثلاً.
ولا تقف "اختراعات غوارديولا" في كرة القدم عند هذا الحدّ، فهناك أيضًا اللعب التمركزي أو التموضعي، الذي يقوم على الاستحواذ بطريقة تخنق الخصم في كل مراحل اللعبة.
لكن، هل دمّر غوارديولا كرة القدم؟
في حديث لقناة موفيستار الإسبانية عام 2022، أشاد الأسطورة ميسي بغوارديولا، واصفًا إياه بأنّه "أفضل مدرّب" حظي به على الإطلاق. لكنّه تحدّث في المقابل، عن "ضرر" ألحقه بعالم كرة القدم، قائلاً: "بدا الأمر سهلاً للغاية، وبسيطًا جدًا، لدرجة أنّ الجميع أرادوا تقليده".
في الحقيقة، يُعتبَر غوارديولا أحد "المهووسين" بكرة القدم بطريقة يصفها البعض بـ"غير الطبيعية"، لكنّ ما حصل أنّ أسلوبه قد "استُنسِخ" إن جاز التعبير، وباتت فرق من كل العالم تعتمده، وهو ما عبّر غوارديولا نفسه عن حزنه بسببه.
انطلاقًا من ذلك، هل صحيح أنّ نظام غوارديولا يجعل اللاعبين يتنازلون عن إبداعهم في مكانٍ ما من أجل التواجد على أرض الملعب والاحتفاظ بالكرة بأكبر قدر ممكن؟ وهل يعني ذلك أنّ كرة القدم ليس فيها مكان سوى لمن يشبهون بيب غوارديولا؟
وأبعد من ذلك، هل المشكلة هي في غوارديولا نفسه أم في من يقلّدونه "بالحرف"، لدرجة أنّ كلّ شيء في عالم الكرة بات يُحتسَب "بالورقة والقلم"، من دون أيّ اعتبار لجودة اللاعبين وقدراتهم؟