مع تفاقم الأزمات الإنسانية في غزة، والتشكيك والتضليل الذي تمارسه تل أبيب حول مجريات الحرب على القطاع، يسارع وزير الخارجية الإسرائيلي إلى إلقاء اللوم على مصر، ويحملها مسؤولية الأزمة الإنسانية في القطاع.
الوزير الإسرائيلي الذي زعم في تصريحاته أن مفتاح حل الأزمة الإنسانية في غزة، هو في أيدي المصريين، جدد موقف حكومته حيال السيطرة على معبر رفح، وقال إن "حركة حماس لن تسيطر على المعبر"، وأكد أن ذلك "ضرورة أمنية لن تقدِّم تل أبيب تنازلات بشأنها"، وفق تعبيره.
في المقابل، ردت القاهرة على التصريحات الإسرائيلية، وقالت إن الأزمة الإنسانية في غزة ناجمة عن الهجمات الإسرائيلية على الفلسطينيين.
واتهم وزير الخارجية المصري سامح شكري تل أبيب بما أسماه "ليّ الحقائق"، وأكد ضرورة اضطلاع تل أبيب بمسؤولياتها للسماح بدخول المساعدات لغزة من خلال المعابر البرية الخاضعة لسيطرتها.
فإسرائيل مع بدء عمليتها البرية في رفح، سيطرت على المعبر البري الوحيد الذي يصل القطاع بمصر، فيما تسرَّبت أنباء عن عرض قدّمته الولايات المتحدة للسلطة الوطنية الفلسطينية وإسرائيل معًا، بأن تقوم السلطة بإدارة معبر رفح، وهذا ما رفضته الأخيرة وتل أبيب.
فيما أعلنت الخارجية الأميركية أن واشنطن تنسق مع إسرائيل ومصر لضمان سهولة عبور المساعدات والأشخاص من معبر رفح.
ما دلالات التصريحات الإسرائيلية حيال معبر رفح؟
وفي هذا الإطار، أوضح الباحث في مركز "مدى الكرمل" مهند مصطفى، أن أوساطًا إسرائيلية ومنذ بداية الحرب على غزة تتهم مصر أو الحدود المصرية الفلسطينية "محور فيلادلفيا" بالمسؤولية عن إدخال السلاح إلى القطاع، وأن على تل أبيب أن تحتل هذا المحور من أجل منع إدخال السلاح.
وفي حديث لـ"العربي" من أم الفحم، أضاف مصطفى أن القاهرة اعتادت هذه التصريحات، وقالت إنه ليس هناك أي دخول للسلاح من مصر إلى غزة من خلال محور صلاح الدين.
مصطفى أشار إلى أن إسرائيل تحاول التنصل من مسؤوليتها كدولة احتلال فيما يتعلق بإدخال المساعدات الإنسانية من خلال إلقاء هذا الملف على عاتق مصر، لافتًا إلى أن هناك مساعدات إنسانية كان من المفترض أن تدخل من معبر كرم أبو سالم إلى غزة، لكنها حرقت وخربت من قبل المستوطنين، ناهيك عن الكثير من التضييقات الإسرائيلية على إدخال المساعدات الإنسانية من إسرائيل إلى القطاع.
وتابع أن مثل هذه التصريحات تدخل في إطار شرعنة الوجود الإسرائيلي في معبر رفح، ما يعني أن تل أبيب تحاول القول إن وجودها في رفح واحتلالها لمحور صلاح الدين ومعبر رفح، ليس السبب الذي يمنع دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة.
وأردف مصطفى أن هذا الأمر يحاول أن يصد الضغط الدولي على إسرائيل، لذلك تحاول هذه الأخيرة أن تقول إن السبب الرئيسي بعدم إدخال المساعدات الإنسانية هي مصر، وليس لذلك علاقة لعمليتها العسكرية في رفح.
التنسيق بين إسرائيل ومصر
وذكر أن إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة كان يتم بالتنسيق بين تل أبيب والقاهرة، مشددًا على وجوب إدخال المساعدات بدون التنسيق مع تل أبيب، مشيرًا في الوقت نفسه إلى أنه على ما يبدو أن هناك تفاهمات إسرائيلية مصرية تم الحديث عنها عام 2005 مع فك الارتباط عن قطاع غزة، وكأن مصر حينها كانت ملتزمة بهذه التفاهمات.
مصطفى الذي أشار إلى أن إسرائيل هي من كانت تضع المعيقات الأساسية أمام إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، قال إن هذا الأمر لا يزيل جزءًا من المسؤولية على القاهرة التي كان يجب عليها أن تتصرف كدولة ذات سيادة، وتفرض على تل أبيب إدخال المساعدات عندما بدأت الحرب.
وأوضح مجددًا أن التصريحات الإسرائيلية المتهمة حيال مصر هي فقط محاولة للهروب من حمل هذا الملف، لأن الضغط الدولي على تل أبيب فيما يتعلق بعمليتها العسكرية في رفح ينحصر أساسًا بإدخال المساعدات الإنسانية في غزة.
وأشار إلى أن إسرائيل ليس لديها أي تصور سياسي، عن ماذا تريد من هذه الحرب، وليس لديها أي تصور سياسي تحديدًا حول معبر فيلادلفيا أو محور صلاح الدين، هي ترغب فقط في احتلال هذا المحور، بذريعة أن هناك تهريبًا للسلاح.
ولفت مصطفى إلى أن مصر تستطيع أن تدير الجانب المصري من المعبر، واستبعد أن تقبل مصر أو أي دولة عربية بإدارة المعبر من الجانب الفلسطيني، مشيرًا إلى أن السلطة الفلسطينية لا تريد أن تأتي وتدير المعبر وكأنها شركة مدنية تدخل مساعدات إنسانية لقطاع غزة، بل هي تريد الدخول إلى غزة ضمن إطار سياسي أوسع يتحدث عن حل الدولتين.
وأوضح مصطفى أن إسرائيل وضعت منذ بداية الحرب على غزة العامل المصري كعامل مهم في كل اعتباراتها وقراراتها العسكرية والسياسية، ولذلك كانت واحدة من العوامل التي أخرت العملية العسكرية في رفح.
وأضاف أن القاهرة كانت هي العامل الأساسي الذي كان يضمن وقف إطلاق النار في كل مواجهة عسكرية بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، وهي كانت عاملًا مركزيًا في المباحثات الأخيرة من أجل التوصل إلى صفقة.
ما موقف مصر من التصريحات الإسرائيلية؟
من جهته، قال مندوب مصر الدائم في الأمم المتحدة سابقًا الدبلوماسي معتز أحمدين إن القاهرة ليست متفاجئة من التصريحات الإسرائيلية، لأن مثل هذا الخطاب سبق أن قيل في محكمة العدل الدولية عندما قال محامي إسرائيل إن المسؤولية تقع على مصر.
وأضاف في حديث لـ"العربي" من القاهرة، أن هناك نوعًا من التنسيق الذي لا بد منه مع إسرائيل، لكن هذا التنسيق تحاول إسرائيل استغلاله لإبراز صورة أن مصر متواطئة معها تمامًا وتحاول إحراجها، مشيرًا إلى بعض التصريحات الإسرائيلية التي قالت إن مصر تراجعت عن تفاهمات ما بشأن معبر رفح.
وفيما اعتبر أن الاتهامات والتصريحات الإسرائيلية كلها ادعاءات، لفت أحمدين إلى أن صبر مصر تجاه هذا الأسلوب قد نفد، مشيرًا إلى أن تل أبيب هي التي تعطل وصول المساعدات وهي التي قصفت ودمرت الطرق المحيطة بمعبر كرم أبو سالم كما قالت الأمم المتحدة.
وتابع أن الموقف الرسمي المصري يقول إن معبر رفح مفتوح من ناحية مصر، مشيرًا إلى أن إسرائيل عندما استولت على معبر رفح أعلنت أنها سوف تغلقه إلى أجل غير مسمى إلى أن تقرر أو ترى إلى من سيتم تسليمه ومن يقبل تسليمه.
وبشأن تواصل وزير الخارجية الإسرائيلي مع نظيريه البريطاني والألماني لمحاولة إقناع مصر بفتح معبر رفح، اعتبر أحمدين أن هذه مناورات إسرائيلية معتادة، لأنه سواء كانت المملكة المتحدة أو ألمانيا أو إيطاليا، فكلها تدعو إسرائيل لإدخال المساعدات، مضيفًا أن هذا الأمر لا يتعدى الكلام المرسل من أجل محاولة نقل المسؤولية إلى مصر.
رؤية واشنطن لحل مشكلة معبر رفح
المسؤول السابق في وكالة الاستخبارات الأميركية نورمان رول أوضح من جانبه أن الإدارة الأميركية تركز على توفير المساعدات الإنسانية بحدها الأقصى للتخفيف من وطأة معاناة الفلسطينيين من خلال معابر إيريز وكرم أبو سالم ورفح، معتبرًا أن التراشق بين إسرائيل ومصر يدعو إلى الامتعاض، حسب وصفه.
وفي حديث لـ"العربي" من واشنطن، أضاف رول أن مصر ليس لديها مشاكل عندما يتعلق الأمر بتوفير المساعدات، ولكن هناك مشكلة فيما يخص رفح بالتحديد، متحدثًا عن تهريب أسلحة من المعبر لحماس، حسب قوله.
وشدد رول على وجوب أن يكون هناك معبر آمن ووقف تهريب الأسلحة والقضاء على حركة حماس، معتبرًا أن هذا هو الحل المنطقي لإسرائيل.
وأوضح أن رؤية الإدارة الأميركية لحل مشكلة معبر رفح غير واضحة، ما يعني أن الفلسطينيين سوف يعانون، مشيرًا إلى أن إدارة الرئيس جو بايدن وموقفها مرتبط بتوفير الوقود والغذاء والأدوية للشعب الفلسطيني، وإذا لم نستطع أن نوفر ذلك من خلال رفح فيمكن إرساله من خلال كرم أبو سالم، وإلا فإننا سنكون مشكلة وجزء من منها.