من مسافة قريبة، قُتل ثلاثة إسرائيليين من عناصر سلطة الحدود في عملية إطلاق نار عند معبر اللنبي، جسر الملك حسين كما يُسمى في الأردن، ومعبر الكرامة كما يسمى في الجانب الفلسطيني، بين الأردن والضفة الغربية.
وقد أعلنت الشرطة والجيش الإسرائيليان قتل منفذ العملية، قبل أن تكشف مصادر أمنية إسرائيلية أن الأمر يتعلق بسائق أردني، وصل إلى المعبر قادمًا من الأردن، وأطلق النار على إسرائيليين في محطة الشحن التابعة للمعبر باستخدام مسدس كان قد أخفاه في الشاحنة.
وتأتي هذه الضربة القاسمة والمفاجئة لتل أبيب في سياق التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة، واستمرار عمليات القتل الممنهج في قطاع غزة.
"يوم صعب"
وقد علّق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على عملية المعبر بالقول: "إنه يوم صعب على إسرائيل"، وربما يزداد صعوبةً على نتنياهو نفسه الذي يواجه ضغوطًا في الداخل الإسرائيلي للتنحي، وأخرى خارجيةً لإنهاء الحرب على غزة التي قاربت شهرها الحادي عشر.
ومن جهته، أكّد الوزير في حكومة الحرب الإسرائيلية بيني غانتس، أن إسرائيل تمر بأيام صعبة، مشيرًا إلى أن الهجوم الذي حدث عند معبر اللنبي يحتاج إلى إجراء تحقيق شامل.
وأعلنت وزارة الداخلية الأردنية نتائج التحقيقات الأولية، مؤكدة أن مطلق النار هو الأردني ماهر ذياب حسين الجازي.
وسرعان ما تجلّت ارتدادات عملية إطلاق النار قرب معبر اللنبي، إذ أعلنت إسرائيل والأردن إغلاق المعابر الحدودية كافة بما فيها معبر الكرامة، لتعود سلطة المعابر الإسرائيلية وتسمح ابتداءً من الغد بمرور المسافرين فقط وليس الشاحنات.
وتمثّل هذه الخطوة عزلًا كاملًا لأهالي الضفة الغربية عن العالم الخارجي وإطباقًا للحصار عليهم، إذ إن آلاف الأطنان من السلع وأكثر من 4500 شخص يعبرون هذا الجسر يوميًا في الاتجاهين.
حذر إسرائيلي
وفي هذا الإطار، يشير الخبير في الشأن الإسرائيلي جاكي خوري إلى أن إطلاق النار جرى في منطقة يُفترض أنها تحت حراسة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بالتعاون مع الأجهزة الأمنية الأردنية، معتبرًا أن هذه المنطقة لم تشهد أحداثًا مماثلة وليست مرشحة لمثل هذه الأحداث.
ويقول في حديث إلى التلفزيون العربي من الناصرة: "إن توقيت وشكل العملية فاجآ جميع الأطراف".
ويلفت خوري إلى أن إسرائيل تتعامل بحذر مع العملية رغم تصريحات نتنياهو، موضحًا أن التصريحات الإسرائيلية الرسمية بدت حذرة لناحية عدم التهجم المباشر على الحكومة الأردنية، على اعتبار أن من نفذ العملية قام بذلك "بشكل فردي".
وفيما لا تزال عملية معبر الكرامة رهن التحقيق، يقول خوري إن القراءة الإسرائيلية تعتبر أن التعامل مع هذا الموضوع لا يندرج في إطار ربطه بالعمليات التي نُفّذت في الضفة الغربية في الأسابيع الأخيرة.
"الامتداد العربي للقضية الفلسطينية ما زال قائمًا"
ومن جهته، يرى رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل الدكتور بلال الشوبكي أن "حقيقة أن منفذ عملية معبر الكرامة هو شخص عربي وليس فلسطينيًا تشكل على المستوى المعنوي للفلسطينيين صحوة جديدة للإيمان بامتداد القضية الفلسطينية في السياق العربي"، مشيرًا إلى أن الفلسطينيين لا سيما في قطاع غزة "يشعرون بالخذلان مما آلت إليه الأمور دون أي استجابة على المستويين العربي والإسلامي".
وفي حديث إلى التلفزيون العربي من الخليل، يلفت الشوبكي إلى أن عملية معبر الكرامة ربما تُفسر على مستوى الشعب الفلسطيني "بأن الامتداد العربي لقضيتهم ما زال قائمًا وأن بنية المجتمعات العربية متشبثة بقوميتها ولا زالت تعتبر القضية الفلسطينية قضية مركزية".
وتكمن أهمية هذا الموضوع للفلسطينيين في أنه "يفسد الصورة التي رسمها بنيامين نتنياهو على مدار السنوات الماضية"، حيث يلفت الشوبكي إلى أن "نتنياهو خلق صورة في الإقليم تظهر أنه أذاب القضية الفلسطينية إلى حد التلاشي".
"خرق أمني واضح"
ومن جانبه، يعتبر نائب رئيس هيئة الأركان الأردنية الأسبق الفريق قاصد محمود، أن عملية معبر الكرامة تشكل خرقًا أمنيًا واضحًا للتدابير الأمنية الإسرائيلية والأردنية، حيث استطاع السائق الأردني أن يتعرّف من خلال خبراته السابقة على الأساليب الأمنية التي يتم استخدامها وتمكن من تنفيذ العملية.
وفي حديث إلى التلفزيون العربي من عمّان، يرى محمود أن العملية تمثّل "انعكاسًا واضحًا لحجم الغضب الكبير الذي تحوّل إلى قهر حقيقي في صدور الأردنيين جميعًا ممّا يحدث في غزة، والذي انتقل إلى الضفة الغربية".
ويقول: "من المعروف أن الأردن وفلسطين حالة إنسانية واجتماعية وتاريخية وعرقية واحدة". ويؤكد محمود أنه لا يوجد أي نظام أمني غير قابل للاختراق.