كشفت منظمة الصحة العالمية أنها بصدد إنشاء آلية جديدة لمشاركة اللقاحات لوقف تفشي مرض جدري القرود في أكثر من 30 دولة خارج إفريقيا.
غير أن خبراء الصحة حول العالم حذّروا من أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى توزيع جرعات نادرة من اللقاح على الدول الغنية التي يمكنها تحمل تكاليفها.
ورجّحوا أن تفوت المبادرة فرصة السيطرة على فيروس جدري القرود في البلدان الإفريقية، مشيرين إلى أنه مثال آخر على عدم المساواة في توزيع اللقاح الذي شهده العالم أثناء جائحة فيروس كوفيد 19.
وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس: إن الوكالة تعمل على تطوير مبادرة من أجل "الوصول العادل" إلى اللقاحات والعلاجات التي تأمل أن تكون جاهزة في غضون أسابيع. وتمّ اقتراح الآلية بعد فترة وجيزة من إبلاغ بريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة ودول أخرى عن مئات حالات الإصابة بجدري القرود الشهر الماضي.
ووصفت منظمة الصحة العالمية تفشّي المرض بأنه "غير عادي"، وقالت إن استمرار انتشار الفيروس يثير القلق بدرجة كافية لعقد اجتماع لجنة الخبراء الأسبوع المقبل لتقرير ما إذا كان ينبغي إعلان جدري القرود حالة طوارئ عالمية.
ويُعتقد أن لقاحات الجدري فعالة بنسبة 85% تقريبًا ضد جدري القرود. وسارعت الحكومات في أنحاء أوروبا وأميركا الشمالية إلى تأمين إمدادات اللقاحات لاحتواء المرض.
#جدري_القرود يشهد ذروة انتشاره.. ما مدى فاعلية اللقاحات المتوفرة؟ pic.twitter.com/A4YaESffiV
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) June 8, 2022
لا لتكرار أخطاء كورونا
وقال مدير منظمة الصحة العالمية في أوروبا الدكتور هانز كلوغ، اليوم الأربعاء، إنه يشعر بالقلق من تدافع بعض الدول الغنية لشراء المزيد من اللقاحات دون الحديث عن شراء إمدادات لإفريقيا.
وحثّ كلوغ الحكومات على "التعامل مع جدري القرود دون تكرار أخطاء وباء كورونا". ومع ذلك، لم يستبعد احتمال أن تتلقى دولًا مثل بريطانيا، التي تسجّل حاليًا أكبر انتشار لجدري القرود خارج إفريقيا، لقاحات من خلال آلية منظمة الصحة العالمية.
وقال إن البرنامج يتمّ إنشاؤه لجميع البلدان، وإنه يجب أن يتمّ توزيع اللقاحات إلى حد كبير على أساس احتياجاتها الوبائية.
وتساءل بعض الخبراء الأفارقة عن سبب عدم اقتراح منظمة الصحة العالمية مطلقًا استخدام لقاحات في وسط وغرب إفريقيا، حيث يتوطّن المرض.
وقال الدكتور أحمد أوغويل، نائب مدير المراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها: "المكان المناسب لبدء استخدام أي لقاح يجب أن يكون إفريقيا وليس أي مكان آخر".
وأضاف أن عدم وجود أي لقاحات لمكافحة جدري القرود في القارة، حيث تم الإبلاغ عن أكثر من 1500 حالة مشتبه فيها و 72 حالة وفاة هذا العام، هو مصدر قلق أكثر أهمية من الحالات الخفيفة التي يتمّ الإبلاغ عنها في البلدان الغنية.
بدوره، قال الدكتور ايفياني نسوفور، عالِم الأوبئة ومدير السياسات والمدافعة في منظمة "نيجيريا هيلث ووتش" أن "هذا امتداد للظلم الذي رأيناه خلال وباء كورونا، مشيرًا إلى وجود "المئات من حالات جدري القرود في نيجيريا من عام 2017 حتى الآن، ونحن نتعامل معها بمفردنا. ولم يناقش أحد متى قد تكون هناك لقاحات متاحة لإفريقيا".
الدول الغنية تحمي نفسها بينما يموت آخرون
وبعد انتشار جائحة كوفيد 19 عام 2020، أنشأت وكالات الصحة العالمية منصة "كوفاكس" لتوزيع اللقاحات في العالم. إلا أن الدول الغنية اشترت معظم إمدادات العالم، وفشل البرنامج في مشاركة الجرعات مع الدول النامية والفقيرة.
وحتى الآن، تلقّى حوالي 17% فقط من الناس في البلدان الفقيرة جرعة واحدة من لقاح فيروس كورونا. ويخشى بعض الخبراء من أن يتكرر الشيء ذاته مع جدري القردة.
وقال بروك بيكر، أستاذ القانون بجامعة نورث إيسترن والمتخصص في الحصول على الأدوية: "تمامًا كما هو الحال مع كوفيد، لا يوجد مسار واضح لكيفية حصول البلدان الفقيرة على اللقاحات".
تفشي #جدري_القرود في أوروبا يظهر عدم المساواة في حصول دول إفريقيا على اللقاحات والأدوية اللازمة لمكافحته pic.twitter.com/WU433FVM8O
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) June 4, 2022
وحذّر بيكر من أنه في الوقت الذي تُحاول فيه منظمة الصحة العالمية تحديد عدد جرعات اللقاح المتاحة، قد لا تتعاون الدول الغنية التي وعدت في السابق بتقديم الجرعات. وتوقّع أن "الدول الغنية ستحمي نفسها، بينما يموت الناس في جنوب الكرة الأرضية".
هل تفرج واشنطن عن ملايين الجرعات؟
والإثنين الماضي، أرسلت مجموعة "بابلك سيتزن" (Public Citizen) رسالة إلى البيت الأبيض، للاستفسار عمّا إذا كانت الإدارة الأميركية ستمنح منظمة الصحة العالمية 20 مليون لقاح ضد الجدري تعهّدت الولايات المتحدة بتقديمها عام 2004، كي تستخدمها منظمة الصحة في حالة الطوارئ.
وقال مسؤول أميركي رفيع المستوى إن الحكومة "تدرس جميع الخيارات" لتعزيز جهودها لوقف جدري القرود داخل الولايات المتحدة وعلى مستوى العالم، مضيفًا أن الولايات المتحدة أعادت أكثر من 200 ألف جرعة من لقاح الجدري إلى الشركة المصنّعة حتى تكون متاحة للآخرين.
ورفض المسؤول الإفصاح عما إذا كانت الولايات المتحدة تعتبر تفشي مرض جدري القردة الحالي حالة طارئة تستدعي تسليم اللقاحات التي تمّ التعهد بها.
وفي هذا الإطار، قال فرانسوا بالوكس، خبير الأمراض المعدية في جامعة كوليدج لندن: إن جهود التلقيح في البلدان الغنية يجب أن تؤدي إلى إصلاح شامل لإستراتيجيات الاستجابة المستقبلية لجدري القرود في إفريقيا.
وشدّد بالوكس على أن تلقيح الناس في إفريقيا "يجب أن يكون أولوية فعلًا، حيث توجد سلالة قاتلة أكثر خطورة"، مشيرًا إلى إمكانية انتشار حالات جدري القرود في المستقبل.
وأكد أن "مهما بلغت نسب التلقيح في أوروبا، فإنها لن تحل مشكلة جدري القرود".