يتأزم المشهد السياسي في العراق أكثر فأكثر، بعد إخفاق البرلمان لثلاث مرات في عقد جلسة مخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية، إذ أعلن رئيس مجلس القضاء، اليوم الجمعة، أن استمرار الرئيس برهم صالح في منصبه، دون انتخاب رئيس جديد يعّد "مخالفًا للدستور".
ويتزامن ذلك، مع ما تشهده الأحزاب الفائزة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة من "حرب غير معلنة" حول التوافق على تشكيل الحكومة التي تسبق اختيار رئيس البلاد.
واعتبر رئيس مجلس القضاء الأعلى، فائق زيدان، أن الواقع السياسي العراقي يشهد مخالفة صريحة لقاعدة دستورية، باستمرار رئيس الجمهورية في منصبه، بعد انتهاء مدة أقصاها 30 يومًا من انعقاد أولى جلسات مجلس النواب الجديد.
وأكد أن المحكمة الاتحادية العليا، وهي أعلى سلطة قضائية في العراق، اجتهدت لإيجاد مخرج لهذه المخالفة الدستورية، عندما أجازت استمرار رئيس الجمهورية في ممارسة مهامه إلى حين انتخاب رئيس جديد للعراق.
ولفت إلى أن هذا الاجتهاد وإن كان ضروريًا لتلافي حالة خلو المنصب، وما يترتب عليه من إجراءات غير متفق عليها سياسيًا، إلا أنه لم يكف لمعالجة الاستمرار في مخالفة الدستور إلى أجل غير مسمى.
وقررت المحكمة الاتحادية العليا، في 13 فبراير/ شباط الماضي، استمرار صالح في منصبه حتى انتخاب رئيس جديد للبلاد.
ولا يزال العراق من دون رئيس جديد بعد ستة أشهر من الانتخابات النيابية المبكرة في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وبالتالي من دون رئيس حكومة جديد يتولى السلطة التنفيذية.
وجاء إخفاق البرلمان العراقي لثلاث مرات في عقد جلسة مخصصة لانتخاب رئيس البلاد؛ بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني، ومقاطعة كتل سياسية أبرزها "الإطار التنسيقي" لجلسات البرلمان بسبب الخلافات على المنصب.
وينص الدستور وفق المادة (72 ب) على انتخاب رئيس جديد للعراق خلال مدة أقصاها 30 يومًا من انعقاد أول جلسة للبرلمان المنتخب، والتي انقضت باعتبار أن البرلمان عقد أول جلساته في 9 يناير/ كانون الثاني الماضي.
"الإطار التنسيقي" يتمسك برأيه
وفي هذا السياق، تمسك تحالف "الإطار التنسيقي" الذي يضم أغلب فصائل الحشد الشعبي، اليوم الجمعة، بعدم تنازله عن تشكيل "الكتلة البرلمانية الأكبر عددًا" التي تتولى تشكيل الحكومة بمشاركة التيار الصدري صاحب الكتلة الأكبر الفائزة في الانتخابات البرلمانية.
ويأتي الموقف بعد يوم واحد على منح زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، قوى "الإطار التنسيقي" مهلة تمتد 40 يومًا لتشكيل الحكومة من دون مشاركته، في وقت يصرّ الصدر على تشكيل حكومة "أغلبية وطنية"، ومنح فرصة للقوى المنضوية في "الإطار التنسيقي" للتباحث مع الأحزاب البرلمانية، لتشكيل الحكومة والخروج من الأزمة السياسية الحالية.
وقال القيادي في "الإطار التنسيقي" زعيم تحالف "الفتح" هادي العامري: إنّ "التوافق والشراكة هو مبدأنا في تشكيل الحكومة العراقية".
وأضاف العامري خلال كلمة له في بغداد بمناسبة "يوم الشهيد الفيلي": "أكدنا على ضرورة التفاهم لإيجاد مخرج في العملية السياسية التي بنيت منذ 2003 ولليوم على أساس الاتفاق والتوازن والشراكة".
وأردف قائًلا: "لن نتنازل عن تشكيل الكتلة الأكبر وحق المكون الشيعي في الحكومة ونُصِر على ضرورة تشكيل الكتلة الأكبر من الإطار الشيعي والتيار الصدري والمستقلين".
و"يوم الشهيد الفيلي" هي ذكرى تجريد النظام السابق عام 1979 الكرد الفيليين من الجنسية العراقية، بعد اعتبارهم إيرانيين، حيث تم إعدام العشرات وترحيل الآلاف إلى إيران.
عرقلة متعمدة
ولجأت قوى "الإطار التنسيقي"، على عرقلة انعقاد ثلاث جلسات برلمانية مخصصة لانتخاب الرئيس العراقي خلال الأشهر الماضية، من خلال مقاطعتها للجلسات التي تتطلب حضور ثلثي الأعضاء لاستكمال النصاب القانوني.
من جانب آخر، أعلن تحالفان بارزان بالعراق، اليوم الجمعة، تمسكهما بالتحالف مع التيار الصدري، وذلك وفق بيان مشترك لتحالفي السيادة (سُني)، والحزب الديمقراطي الكردستاني (كردي)، غداة إعلان الصدر الخميس الماضي، منح فرصة لتحالف "الإطار التنسيقي" للتباحث بشأن تشكيل الحكومة.
وثمن البيان "مبادرة الصدر للإسراع في تشكيل حكومة قوية تعمل على معالجة كافة الملفات المعقدة التي تواجه الشعب العراقي".
وأضاف: "نؤكد تمسكنا بشراكتنا مع الإخوة في الكتلة الصدرية، ولا يمكن أن تولد حكومة قوية دون شراكتهم (..) نعلن بوضوح تمسكنا بتحالف (إنقاذ وطن) باعتباره الأمل الذي ينتظره العراقيون".
وأوضح: "نؤكد أيضًا حرصنا على تفاهم الإخوة داخل البيت الشيعي واتفاقهم على تسمية مرشح الكتلة الصدرية لرئاسة مجلس الوزراء وطرح برنامج ومنهاج وزاري ينسجم مع واقع البلاد".
وينضوي تحالف "السيادة" و"الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"التيار الصدري" بتحالف ثلاثي تحت اسم "إنقاذ وطن".
وليس أمام البرلمان، وفق القانون، سوى حتى السادس من أبريل/ نيسان لانتخاب رئيس، بحسب قرار من المحكمة الاتحادية، أعلى سلطة قضائية في البلاد.
وإذا تخطى هذا التاريخ، فإنه ليس في الدستور ما يحدد كيفية التعامل مع المسألة، ولذلك تبقى الاحتمالات مفتوحة في حال لم تتوصل الأطراف المعنية لاتفاق.
وهناك أربعون مرشحًا لمنصب رئاسة الجمهورية، لكن المنافسة الفعلية تنحصر بين شخصيتين تمثلان أبرز حزبين كرديين: الرئيس الحالي منذ عام 2018 برهم صالح، مرشح حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وريبر أحمد، مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني. والمطلوب أن يحصل المرشح على أصوات ثلثي النواب ليفوز.
ويدفع التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، الفائز الأكبر في الانتخابات التشريعية، إلى تشكيل حكومة أغلبية، مؤكدًا أنه يملك الكتلة الأكبر مع تحالف من 155 نائبًا يضم الحزب الديمقراطي الكردستاني وتكتلًا سنيًا كبيرًا من مجموعة أحزاب أبرزها حزب يقوده رئيس البرلمان محمد الحلبوسي.
ويدعم تحالف "إنقاذ وطن" الثلاثي الذي يقوده الصدر المرشح ريبر أحمد للرئاسة، وجعفر الصدر، سفير العراق لدى لندن وقريب زعيم التيار الصدري، لرئاسة الحكومة.
في المقابل، يدعو الإطار التنسيقي الذي يملك تحالفًا بأكثر من مئة نائب إلى حكومة توافقية بين القوى الشيعية الأبرز كما جرت العادة.