في مشاهد ملحمية اختلطت فيها لحظات الموت والحياة ساعة انقلاب قارب صيد يحمل مئات المهاجرين قبالة سواحل جنوب اليونان دقّت الهجرة غير النظامية أبواب الخطر المتجدد لتعيد قضية عابري البحار في قوارب لا تصلح حتى لنزهة صيد خطيرة إلى واجهة الأحداث من جديد.
فأرقام الضحايا في ارتفاع مرعب لم يتوقف عند أكثر من عشرين ألف حالة وفاة واختفاء تم رصدها منذ عام 2014، بحسب الأمم المتحدة.
وتوثق المنظمة الدولية للهجرة مصرع نحو 4 آلاف على طريق الهجرة من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا العام الماضي، في رقم هو الأعلى منذ عام 2017.
البحر المتوسط طريق الموت
ويبدو أن وسط البحر المتوسط لا يزال طريق الهجرة الرئيس إلى الاتحاد الأوروبي، بحسب وكالة الحدود الأوروبية التي قالت: "إن عمليات العبور زادت بأكثر من الضعف منذ بداية العام الحالي، مسجلة في خمسة أشهر أكثر من 50 ألف حالة بينما جاءت طرق غرب البلقان بعدها بأكثر من 30 ألف عملية دخول".
وقد دعت الأمم المتحدة المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد مهربي وتجار البشر الذين لا تتوقف لديهم الخطط والأساليب لجذب أعداد أكبر من المهاجرين وإغرائهم بشتى الطرق وتكديسهم في قطع حديدية وسط البحر.
المهاجرون ورقة سياسية
ومع كل تلك الأرقام المفزعة، تبقى ورقة المهاجرين بلا أدنى شك خلال العقدين الماضيين ورقة للابتزاز والمساومة لأغلب الدول المحتضنة لهم تشهرها بوجه الآخرين عند الحاجة مهددة بفتح حدودها ومعابرها لمئات آلاف الرابضين على الحدود.
في المقابل، بدأت الأحزاب اليمينية وغير اليمينية في القارة الأوروبية تستغل الورقة أيضًا كدعاية انتخابية جيدة لجذب المؤيدين لتكون قاعدة في كل الخطابات والتصريحات في مختلف المنصات.
وتتواصل النداءات لإيواء هؤلاء المعذبين ومساعدتهم وفتح المزيد من قنوات الهجرة القانونية وتقاسم المسؤولية، إلّا أن المناوئين لهذا الملف بدأوا بتحقيق مكاسب ستزيد من المعاناة ولن توقف العبور في مراكب الموت.
"فشل سياسات الغرب"
وفي هذا الإطار، يشير نائب رئيس منظمة اللاجئين الدولية هاردن لانغ إلى أن الأرقام التي ذُكرت في ما يتعلق بآلاف الأشخاص الذين لم يتمكنوا من العبور تمثل فشلًا كبير على مستوى السياسات وعلى مستوى تعاطف الشعب الأوروبي والغربي تجاه الأشخاص الذين يهاجرون.
ويلفت في حديث إلى "العربي" من واشنطن إلى وجود موجات هجرة كبيرة وأشخاص من دول مختلفة يبحثون عن ظروف معيشية أفضل.
الأمم المتحدة تدعو إلى التصدي لمهربي البشر بعد مأساة غرق مئات المهاجرين قبالة السواحل اليونانية#العربي_اليوم تقرير: أحمد بوطاف#اليونان pic.twitter.com/Hn8GJpWoVQ
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) June 16, 2023
وقال لانغ: "الإجابة على هذه التحديات ليس من خلال إغلاق الباب وإجبار الأشخاص على الهجرة غير الشرعية حيث سيتعرضون لمخاطر كثيرة"، مشيرًا إلى أن حادث غرق القارب قبالة اليونان يعكس استمرار السياسات التي كانت جذّابة.
"ظاهرة معقدة"
ومن جهته، يعتبر الناطق باسم الاتحاد الأوروبي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لويس ميغيل بوينو أن الهجرة غير النظامية ظاهرة معقدة جدًا.
ويلفت في حديث إلى "العربي" من بروكسل إلى أن مقاربة أوروبا لهذه الأزمة تأتي على صعيد أمني بجزء منها، لكن هناك جزءًا آخر وهو معالجة المشكلة بشكل جذري مع الشركاء في المنطقة للتصدي للتحديات المشتركة.
ويشير بوينو إلى أن دول الاتحاد الأوروبي مسؤولة عن حدودها المشتركة مع الدول الأخرى كما بقية دول العالم وفتح طرق مختلفة للمزيد من الهجرة الشرعية، مؤكدًا أن الاتحاد الأوروبي يعمل على ذلك من خلال مبادرات مختلفة.
"مقاربات تمييزية ضد المهاجرين"
الناطق باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر يعتبر أنه لولا وجود سياسات لمصادرة حق التنقل لما كانت الهجرة غير النظامية.
وفي حديثه من تونس، قال بن عمر: "واضح أن دول الشمال التي راكمت الثروات على حساب دول الجنوب وضعت كل الحواجز أمام تنقل البشر"، مشيرًا إلى أن هذه البلدان هي نفسها التي تدافع عن حرية تنقل البضائع والاستثمارات، لكنها تشيد الجدران بوجه البشر الفارين من الحروب والنزاعات وتغيّر المناخ.
كما لفت إلى أن ضحايا الهجرة لا ينحصرون في البحر بل على طول طريق الهجرة.
واعتبر بن عمر أن دول العبور، خاصة دول الشمال، انخرطت في المقاربات الأمنية الأوروبية واكتفت بلعب دور الحارس للحدود الأوروبية، متبنية في أغلب الأحيان مقاربات تمييزية ضد المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء.