تخبط داخلي واحتلال أكثر تطرفًا، هكذا بدا المشهد على الساحتين الإسرائيلية والفلسطينية بعد شهرين فقط على تولي حكومة بنيامين نتنياهو وحلفائه اليمينيين المتطرفين الحكم.
الضفة الغربية المحتلة حتى الآن هي الأكثر تضررًا من ممارسات الحكومة الجديدة، فهناك ترنو عيون القادة المتطرفين الطامعة باستيطان أوسع وغير مشروط، وهو ما كشفته أحداث بلدة حوارة الفلسطينية، مع إقدام مئات المستوطنين على مهاجمة أهل البلدة بالحجارة والقضبان الحديدية وإطلاق النار، مما أدى إلى استشهاد فلسطيني، وإصابة المئات، بالإضافة إلى إحراق السيارات والممتلكات.
تخبط داخلي
لاقى هذا الهجوم إدانة دولية ورفضًا من سياسيين إسرائيليين، بمن فيهم نتنياهو الذي قال إن على الإسرائيليين ألا يطبقوا القانون بأيديهم، بينما وصف قائد الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية الجنرال يهودا فوكس الهجوم بالمذبحة، مشيرًا إلى أن قواته تفاجأت من حدة العنف الذي ارتكبه المستوطنون.
ولكن بعكس هذه المواقف، جاءت الآراء المتطرفة من داخل الحكومة الإسرائيلية.
يصفه معارضو نتنياهو بـ "الانقلاب السياسي".. إليكم أبرز بنود "مشروع التعديلات القضائية" في إسرائيل👇#تقدير_موقف #فلسطين pic.twitter.com/1QPBaJGvBw
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) March 6, 2023
فتعليقًا على أحداث بلدة حوارة، دعا وزير المالية المتشدد بتسلئيل سموتريتش لمحو القرية، مشيرًا إلى أنه على الدولة أن تفعل ذلك بنفسها وليس الأفراد.
هذا الكلام أثار امتعاض واشنطن، إذ وصف المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس هذه التصريحات بغير المسؤولة والمثيرة للاشمئزاز، داعيًا نتنياهو وكبار المسؤولين الإسرائيليين الآخرين إلى التنصل منها بشكل علني وواضح.
تظاهرات في تل أبيب
ولكن يصعب على نتنياهو التنصل من حلفائه الذين يشكلون الضمانة الوحيدة لاستمرار حكومته، في الوقت الذي يحاول فيه تمرير قانون إصلاح السلطة القضائية، متغاضيًا عن رفض شعبي واسع له، حوّل شوارع تل أبيب إلى ساحات احتجاج واشتباكات في مشهد لم تعهده إسرائيل منذ سنوات.
معطيات لا تنذر بهدوء وشيك، خاصة مع رفض قادة المتطرفين لأي قرارات تمس بمشاعر التطرف عند المستوطنين والتي كان آخرها عدم القبول بمخرجات اجتماع العقبة، لا سيما ما يتعلق بالتزام إسرائيل بعدم بحث إقامة مستوطنات جديدة لمدة 4 أشهر.
ومن جانب آخر، فإن للتهدئة أيضًا عقبات كثيرة في ظل ازدياد وتيرة العنف من خلال تفاقم عمليات الاعتقال واستخدام القوات الإسرائيلية للأطفال كدروع بشرية في الهجمات، بالإضافة إلى منع الكوادر الطبية من الوصول إلى المصابين.
اليمين يوسّع أنيابه
في هذا السياق، يرى أستاذ إدارة النزاع في معهد الدوحة للدراسات العليا إبراهيم خطيب أن "السلطات الإسرائيلية تعيش مرحلة خطرة على المستويين الفلسطيني والإسرائيلي نفسه".
ويشير خطيب، في حديث إلى "العربي"، إلى أن "محاولات التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية والسياسات العنصرية تنعكس مباشرة على المجتمع الداخلي لإسرائيل".
ويعتبر خطيب أن "هذه السياسة الاحتلالية لا يمكن أن تعيش في دولة ديمقراطية، وهو ما بدأ ينعكس على النظام الداخلي لتل أبيب".
محتجون يحاصرون زوجة نتنياهو في صالون لتصفيف الشعر بتل أبيب#تواصل pic.twitter.com/zX6v5fCW64
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) March 2, 2023
ويقول: "اليمين بدأ يوسع أنيابه، وهذه أيديولوجيا دينية تسعى لفرض رؤيتها على الفلسطينيين والإسرائيليين".
ويضيف: "هذه الإصلاحات القضائية مرتبطة بقوانين يعمل اليمين على سنّها، وهي على علاقة بقوانين دينية وآخرها قرار إعدام المقاومين الفلسطينيين".
وإذ يؤكد أن "هناك تناغمًا بين اليمين الفاشي الإسرائيلي وإرادة نتنياهو للحفاظ على السلطة"، يوضح خطيب أن "هناك حالة تطابق بين القومية الفاشية والتطرف الديني، وهو ما ينعكس على الإسرائيليين والفلسطينيين".
عقلية العنف والمجازر
من جهته، يرى مدير السياسات في مركز مدى الكرمل للدراسات والأبحاث إمطانس شحادة "أننا نشهد اليوم تصاعدًا لتيار الصهيونية الدينية الذي ينادي بإبادة الفلسطينيين".
ويشير شحادة، في حديث إلى "العربي" من الناصرة، إلى أنه "بالنسبة لهؤلاء، فإن إسرائيل كلها تعود لليهود، وهم يجدون أن الفرصة سانحة اليوم لاحتلال كامل الأراضي الفلسطينية".
ويقول: "عقلية العنف والبلطجة والمجازر موجودة اليوم في الحكومة الإسرائيلية لنتنياهو".
ويضيف: "حالات اليمين المتطرف هي تطور طبيعي لرضوخ جميع أطياف المجتمع الإسرائيلي لهذه الفئة".
أيديولوجيا يمينية
بدورها، تعتبر الباحثة المتخصصة بالشؤون الإسرائيلية رندة حيدر أنه "منذ استلام نتنياهو رئاسة الحكومة الحالية، كان المجتمع الإسرائيلي في توجه كامل نحو التطرف".
وتوضح حيدر، في حديث إلى "العربي" من بيروت، أن "إسرائيل شهدت خلال سنتين 5 انتخابات، كانت جميعها تحصل بسبب الصراع بين أحزاب اليمين فقط".
وتشير إلى أن "الانتخابات الأخيرة أفرزت صعود اليمين القومي الصهيوني اليهودي المتطرف الذي كان على هامش السياسة الإسرائيلية في السابق".
وترى "أننا اليوم أمام واقع جديد ويمين متوحش وقومي وعنصري ومعادٍ للفلسطينيين والعرب، وحتى للأطراف الإسرائيلية الأخرى".
وتقول: "هذا اليمين شنّ الحرب على جميع الناس في الداخل والخارج، فالمجتمع الإسرائيلي يخضع اليوم للأيديولوجيا اليمينية".