ما إن تدوي صافرات الإنذار في أوديسا الأوكرانية حتى يهرع سكان المنطقة للاحتماء من الصواريخ الروسية، ومنهم المواطنة كارينا وبناتها اللواتي يسرعن في كل مرة إلى ملجأ قريب، تاركةً والدتها المقعدة في المنزل لحكم القدر بسبب عدم قدرة وصولها.
فقد اتخذ سكان أوديسا من السراديب والأنفاق المظلمة ملاذًا آمنًا من نيران الحرب، حيث قد يصل عمق بعض أجزاء هذه المخابئ إلى 60 مترًا تحت الأرض، كما توثّق كاميرا "العربي" التي جالت في المكان.
وتقول كارينا لـ"العربي" من داخل الملجأ المظلم: "السفن الحربية الروسية تقصف سواحلنا فنضطر للنزول إلى هنا كلما دوت صافرات الإنذار.. لقد أخبرنا الخبراء أنّها تتحمل ما يزن طنًا من المتفجرات، ولذلك نشعر بالأمان".
سلسلة أنفاق بطول 1500 كيلومتر
وبحسب مراسل "العربي"، ينتشر نحو 1000 مدخل بمختلف أرجاء مدينة أوديسا وضواحيها، وبعضها سري، تقود جميعها إلى سلسلة أنفاق بطول 1500 كيلومتر مشكلة واحدة من أطول أنفاق العالم.
ولكثرة متاهاتها قد يضيع زوّار هذه السراديب بسهولة، حيث كان شخص واحد على الأقل يلقى في كل عام حتفه داخلها قبل أن تتحول إلى ملجأ الهاربين من قصف القوات الروسية، بعد أن كانت تستخدم أيضًا من قبل المهربين.
ويعود تاريخ هذه الأنفاق إلى القرن التاسع عشر حين حفرها الباحثون عن الطوب الكلسي لتعمير أوديسا آنذاك، وعندما جاء السوفييت وجدوا لها وظيفة حربية حيث تضمنت أيضًا غرف قيادة العملية العسكرية.
وفي حقبة الحرب الباردة، كان السوفييت يستخدمونها أيضًا، حيث زودوا الأنفاق بأجهزة تهوية وأخرى لامتصاص الرطوبة وبنوا داخلها ملاجئ نووية، لكن الحرب الأخيرة باغتت أوديسا ولم تتمكن السلطات المحلية من تجهيز هذه الأنفاق بشكل جيّد كما كان الحال سابقًا.
"فخّ قاتل"
واليوم، جهزّ المتطوعون بعض أجزاء هذه الأنفاق لمفاجأة القوات الروسية بحال دخلت المدينة، على غرار ما فعل أسلافهم ضدّ الألمان.
إلا أن هذه الخطوة قد تكون فخًا قاتًلا للمتطوعين، إذ إن الهجوم العسكري اليوم يختلف عما كانت عليه الحرب في السابق في ظل تخوّف من استخدام فلاديمير بوتين الأسلحة الكيماوية والنووية ضد الأوكرانيين.
وبينما تمسح الحرب شوارع مدن أوكرانيا بأكملها وتقصف فيها الملاجئ أيضًا، تعدّ أوديسا "محظوظة" بسلسلتها العميقة من الأنفاق التي تتسع للآلاف وتتحمل صدمات أشد القنابل والصواريخ فتكًا.
وعلى الرغم من أن سراديب الموت هذه قد تكون سببًا في نجاة الهاربين من القصف في أعلى المدينة، لكنها ربما لن تنفع لشنّ حرب مقاومة كما يأمل الأوكرانيون، فالروس يعرفون متاهاتها نفقًا نفقًا، إذ إن السوفييت هم من جهزوها ورسموا خرائطها ومن جوفها قاتلوا هتلر.