الثلاثاء 29 أكتوبر / October 2024

أول إستراتيجية للأمن القومي في تاريخ ألمانيا الحديث.. ما دلالاتها؟

أول إستراتيجية للأمن القومي في تاريخ ألمانيا الحديث.. ما دلالاتها؟
الأربعاء 14 يونيو 2023

شارك القصة

هيمنت على أغلب أوراق استراتيجية الأمن القومي التي كشفت برلين النقاب عنها "التهديدات العدوانية" للصين وروسيا - رويترز
هيمنت على أغلب أوراق استراتيجية الأمن القومي التي كشفت برلين النقاب عنها "التهديدات العدوانية" للصين وروسيا - رويترز

كشفت ألمانيا النقاب عن أول إستراتيجية للأمن القومي في تاريخها بالعصر الحديث، وقالت إنها تمثّل ضمانة واضحة لمواجهة التهديدات في بيئة متغيرة.

وهيمنت على أغلب ورقات الإستراتيجية التهديدات العدوانية للصين وروسيا، وفق وصف المستشار الألماني أولاف شولتس، الذي كان يتحدث متوسطًا أعضاء حكومته.

وأشار المستشار بوضوح إلى أن برلين تنتهج الآن خطة شاملة بعدما كانت في السابق تتبع نهجًا دفاعيًا.

"مزيد من المسؤوليات"

وينبع هذا التحوّل في الفكر الألماني من حرب روسيا في أوكرانيا، والتصرفات العدوانية المتزايدة للصين، وفقًا لشولتس.

وتحاول ألمانيا إقناع من حولها بأنها تتحمل المزيد من المسؤوليات في القارة العجوز، ولا سيما بعد انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والحرب القريبة منها في أوكرانيا.

وكانت هذه النقطة بالذات على ما يبدو أكثر إقناعًا لبرلين بالانتقال كليًا من التخطيط للدفاع فقط والاكتفاء بإرشادات ما يُسمى بالكتاب الأبيض، إلى المواجهة.

وقد بدا هذا الأمر جليًا أكثر من خلال تعزيز قدراتها الدفاعية، وإن بسرعة لا تتناسب حتى الآن مع حجم الآمال والتهديدات، غير أن جهود التطوير مستمرة وتتجاوز عقبات كثيرة كما تؤكد الحكومة الألمانية.

وما يمكن أن يقوله المستشار الألماني أو وزراء حكومته حول تلك الدوافع التي مهدت لصياغة الوثيقة وتنفيذها، لن يخرج بالتأكيد عن الحقبة الماثلة اليوم أمام قادة أوروبا، ليس الألمان منهم فقط، وهو الإنفاق العسكري العالمي.

فهذا الأخير زاد بشكل مضطرد منذ بدء حرب أوكرانيا، وسط مخاوف من انتقالها إلى دول مجاورة، علاوة على تلويح روسيا المستمر بترسانتها النووية، وآخرها نقل أسلحة نووية روسية إلى بيلاروسيا المجاورة للاتحاد الأوروبي نهاية الشهر الماضي، في وقت باتت القوات الروسية في وضع حساس داخل أوكرانيا.

"الحرب كانت أشبه بجرس إنذار"

في هذا السياق، يرى الخبير في الشؤون الألمانية والأوروبية توماس فاسبيندر، أن الحرب في أوكرانيا كانت أشبه بجرس إنذار، لا سيما لألمانيا، فهي منذ تسعينيات القرن الماضي تؤمن بعبارات مثل السلام الأوروبي الدائم، ومع إنفاق عسكري أقل.

ويقول في حديثه إلى "العربي" من برلين: "الآن هناك فهم وإحساس عام بأنه يجب أن نستيقظ وأن ننتبه ونفكر بالشؤون الدفاعية وبأمننا الخاص وبسلامتنا".

ويتوقف عند الميزة الدفاعية التي استخدمت في الوثيقة، مشيرًا إلى وجود فكرة وجوب حماية ألمانيا وأوروبا بأكملها.

وفاسبيندر الذي يذكر بأن الفكرة تلك كانت مبنية على السلام في الماضي، يقول: نحن نعتبر الآن أن الصين هي تهديد، وأيضًا روسيا هي التهديد الأساسي للسلام والأمن الأوروبيين.

"شعور بالخطر منذ زمن بعيد"

من جانبها، تعتبر المستشارة في المركز الروسي للشؤون الدولية إيلينا سوبونينا أن التحوّل في إستراتيجية ألمانيا أمر مقلق بالنسبة لروسيا، مذكرة بأنه لا يأتي في ألمانيا وحدها، فهناك أيضًا فنلندا كعضو جديد في الناتو، والسويد التي تسعى إلى عضوية في الحلف.

وتشير في حديثها إلى "العربي" من موسكو، إلى أن "روسيا كانت تشعر بالخطر منذ زمن بعيد"، موضحة أنها "لم تكن تثق بكلام ليس فقط الأميركيين بل الأوروبيين أيضًا، من حيث أنهم يريدون العيش بسلام معها".

وفيما تتوقف عند "قول الألمان إنهم استيقظوا الآن"، تضيف أن الشعور في موسكو يدل على عكس ذلك تمامًا.

وتذكر بتأييد برلين "لكل الأفكار الأميركية المعادية لروسيا"، مقدمة مثالًا على ذلك توسع حلف الناتو نحو حدود روسيا وإدخال دول مثل دول البلطيق والمعسكر الاشتراكي إلى الحلف.

كما تلفت إلى الانسحاب الأميركي من اتفاقيات عدة، بما في ذلك تلك المتعلقة بالأمن الإستراتيجي، دون اعتراض من ألمانيا على هذا الأمر.

وتخلص إلى القول إن "كل ذلك كان مقلقًا بالنسبة لروسيا، ولهذا السبب بدأت هذه العملية العسكرية".

"على قلب رجل واحد مع الأميركيين"

من جانبه، يرى أستاذ تسوية النزاعات الدولية في جامعة جورج ميسون محمد الشرقاوي أن مفهوم التعددية القطبية في السياق الألماني الحالي يتجه في اتجاهين.

ويقول في حديثه إلى "العربي" من واشنطن: هناك القناعة بضرورة توسيع الدول العظمى للخروج من التنافس والمواجهة إلى نوع من توازن القوة؛ فشولتس ومن أعدوا معه الوثيقة يؤمنون بضرورة إيجاد ميزان جديد للقوة بين الشرق والغرب".

ويتدارك بالإشارة إلى أن ألمانيا، وكما لاحظنا منذ العام 2005، تدفع أيضًا بإعادة النظر في عضوية مجلس الأمن، وأن على الخمسة الكبار فتح المجال إما لمراجعة جذرية أو على الأقل لإعادة النظر في العشرة غير الدائمين.

والشرقاوي، الذي يرى أن الرسالة مزدوجة، يتطرق إلى 3 دلالات رئيسية للإستراتيجية الألمانية للأمن القومي.

ويشير إلى أن الوثيقة في إحدى دلالاتها تثلج صدر الرئيس الأميركي جو بايدن والمسؤولين في البنتاغون بأن ألمانيا شولتس على خلاف ألمانيا ميركل وفرنسا ماكرون، هي على قلب رجل واحد مع الأميركيين وبقية حلف شمال الأطلسي.


للمزيد من التحليل، تناقش الحلقة المرفقة من برنامج "للخبر بقية" المخاوف الألمانية التي دفعت برلين لصياغة هذه الإستراتيجية الجديدة، وتتناول النظرة الروسية لتنامي الإنفاق العسكري في أوروبا. كما تسأل عن فرص الحلول السلمية في ظل عالم يشهد تنافسًا متزايدًا في التسلح والاستعداد للمواجهة.
حلقة "للخبر بقية" تناقش كشف ألمانيا النقاب عن استراتيجيتها للأمن القومي
المصادر:
العربي
Close