ليس تفصيلاً ما شهدته الولايات المتحدة في الساعات الماضية، بعدما تحوّلت تظاهرة لأنصار الرئيس دونالد ترمب احتجاجاً على خسارته في الانتخابات، إلى أعمال شغب لم يكن أحد يتخيّل أن تكون العاصمة الأميركية واشنطن مسرحًا لها في يومٍ من الأيام.
ولعلّ أكثر ما أثار الاهتمام تمثّل في الفوضى العارمة التي وقعت داخل مبنى الكونغرس الأميركي نفسه، بعدما نجحت مجموعة من أنصار ترمب في اقتحامه والدخول إلى باحاته، وتشكيل خطر على الموجودين داخله، في أمرٍ وصفه مسؤولون عن إنفاذ القانون بأنه فشل كارثي في الاستعداد للحدث.
وإذا كان معظم قادة العالم الذين ندّدوا بما جرى، حمّلوا المسؤوليّة عنه سياسيًا إلى ترمب، الذي تولى "تحريض" أنصاره على العنف، بالمواقف التي أطلقها منذ انتهاء الانتخابات، فإنّ علامات استفهامٍ تُطرح عن "الثغرات" التي أتاحت أصلاً حصول المواجهات، في وقتٍ تنجح دولٌ من العالم الثالث في تفاديها.
ليلة دامية في #واشنطن، سقط خلالها 4 قتلى، على رأسهم الأميركية آشلي بابيت#أنا_العربي @AnaAlarabytv pic.twitter.com/Lb8LPtOhky
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) January 7, 2021
تخطيط لا يليق بالمهمة
وفقاً لتقريرٍ نشرته وكالة "رويترز"، فإن حصار الكونغرس يمثل إحدى أخطر الثغرات الأمنية في التاريخ الأميركي الحديث، إذ حوّل واحداً من أبرز رموز السلطة الأميركية إلى بؤرة للعنف السياسي.
وينقل التقرير عن مسؤولين عن إنفاذ القانون قولهم إنّ التخطيط كان أقل بكثير لمهمة حماية الجلسة المشتركة لمجلسي الكونغرس، علماً أنّ الثغرة حصلت على رغم الكثير من التحذيرات المسبقة عن وجود مخططات لأعمال عنف وشغب تزامناً مع جلسة المصادقة على فوز جو بايدن بالرئاسة.
ويلفت التقرير إلى أنّه، في البداية، تولت التصدي للمتظاهرين بالكامل قوة شرطة الكابيتول المؤلفة من 2000 فرد والمخصصة لحماية حرم الكونغرس الواقع على مساحة 126 فدانا.
ولأسباب لا تزال غير واضحة، لم تصل أفرع أخرى من أجهزة الأمن الاتحادية الضخمة بشكل واضح قبل ساعات بينما حاصر مشاغبون مقر الكونغرس.
تهديدات مسبقة
وكانت تهديدات قد ترددت على وسائل التواصل الاجتماعي بأن احتجاجات مؤيدة لترمب يجري التخطيط لها قد تتطور إلى أعمال عنف، وذلك قبل أسابيع سبقت قيام الكونغرس بفرز الأصوات في الانتخابات الرئاسية.
ويوضح مسؤول كبير إنه رغم هذه المخاطر، لم تطلب قوة شرطة الكابيتول دعمًا مسبقًا لتأمين المبنى من الأجهزة الاتحادية الأخرى مثل وزارة الأمن الداخلي، ولم يتم تعبئة تعزيزات الحرس الوطني التي استدعاها رئيس بلدية المدينة لأكثر من ساعة بعد أن اخترق المحتجون الحواجز الأمنية.
من جهته، يقول تيرانس جينر، كبير المسؤولين عن إنفاذ القانون في مجلس الشيوخ الأميركي، إن العديد من النوافذ والأبواب في المجمع المبني في القرن التاسع عشر يتعذر الدفاع عنها. وإذ يعرب عن ثقته بالرجال والنساء الذين يحمون الكونغرس، يشددو على ضرورة حصول "محاسبة كاملة".
وكان جينر اقترح في 2013 إنشاء سياج يطلق عليه بوابة الكابيتول لمنع مثل هذا الاعتداء، ويلفت إلى أن الاقتراح لم ينفذ لأن أعضاء الكونغرس أرادوا الحفاظ على حق الشعب في الوصول للمقر ورفضوا أن يبدو المجمع وكأنه حصن.
فشل أمني تاريخي
في غضون ذلك، عزا نواب داخل المبنى الفشل الأمني التاريخي إلى عدم الاستعداد للحدث. وقال النائب الديمقراطي فيسنت جونزاليس أنه يعتقد أن الشرطة أدت مهمة رائعة في ظل الظروف لكن من الواضح أنه لم يحدث تخطيط كاف.
وكان عدد من الأعضاء الديمقراطيين في الكونغرس ممن أقلقهم احتمال وقوع أعمال عنف حاولوا لأكثر من أسبوع الضغط على الأجهزة الحكومية للحصول على ما تعرفه من معلومات عن التهديدات وإجراءات التصدي لها وفقا لما قاله مصدر في الكونغرس.
لكن مصدراً قال إنه لم يظهر أي مؤشر على أن أحداً يجمع معلومات جادة عن احتمال وقوع اضطرابات أو يخطط للتصدي لها. وقال مسؤول كبير بجهاز اتحادي من أجهزة إنفاذ القانون إنه ذُهل لأن شرطة الكابيتول لم تستعد بشكل أفضل.
وقال مسؤولان أميركيان إن مسؤولي مدينة واشنطن كانوا يأملون في الأيام التي سبقت الاحتجاج تفادي أن يكون الرد ذا مظهر عسكري. فقد كانوا يخشون تكرار مشاهد الرد العنيف من الأجهزة الاتحادية على المظاهرات المناهضة للعنصرية التي حدثت أمام البيت الأبيض في يونيو/حزيران الماضي. واستنكر المسؤولان سبب تأخر قوة شرطة المدينة في الوصول إلى مبنى الكابيتول.
وكان ترمب قد وعد في تغريدة على تويتر بحدث جامح بهدف تغيير هزيمته في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني، وبدا أنه يشجع أنصاره على التحرك. وقال ترمب في الجمع الحاشد يوم الأربعاء: "طفح الكيل ببلدنا ولن نقبل بذلك بعد الآن. عليكم أن تظهروا قوتكم. وعليكم أن تكونوا أقوياء".