تصاعدت وتيرة الاتصالات السياسية بين تركيا والدول الفاعلة خلال الساعات الأخيرة، في أعقاب القصف التركي على مناطق في شمال شرقي سوريا.
وجاءت الاتصالات الروسية والأميركية بالجانب التركي خشية دخول أنقرة بعملية عسكرية واسعة ضد ما تصفها بالجماعات الكردية المهددة لأمنها.
وتمثل أحدث سلسلة الحراك السياسي بمحادثة هاتفية، جمعت وزير الدفاع التركي خلوصي آكار ونظيره الروسي سيرغي شويغو لمناقشة الوضع في الشمال السوري وملفات أخرى.
وحسب وزارة الدفاع الروسية، فإن المحادثة كانت بمبادرة من الجانب التركي دون سرد تفاصيل لما تم نقاشه، في ظل معارضة روسيا العملية البرية، خشية تعقيد المشهد الميداني أكثر، بالرغم من تفهمها لمخاوف تركيا الأمنية، كما تقول موسكو.
غير أن بيان وزارة الدفاع التركية، ذكر أن خلوصي آكار أكد في حديثه مع شويغو على استمرار رد بلاده على ما وصفها بالاستفزازات والهجمات الهادفة إلى زعزعة استقرار المنطقة واستهداف المدنيين الأتراك، إلا أنه لم يغلق الباب أمام أي تسوية حينما شدد على أهمية الامتثال للاتفاقيات السابقة بما يحيد الجماعات المسلحة المهددة لتركيا بشكل دائم.
وما يؤشر على زخم الحراك السياسي أيضًا، لقاء السفير الأميركي في أنقرة جيف فليك مع وزير الدفاع التركي، دون مزيد من التفاصيل حول أي رسائل أميركية قد تم نقلها للجانب التركي من عدمه.
ويأتي اللقاء بعد دعوة وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون إلى خفض فوري للتصعيد في شمال سوريا والعراق، مؤكدة مع ذلك على شرعية مخاوف تركيا الأمنية.
مقتل 3 مواطنين أتراك في هجمات صاروخية شنتها "مجموعة تابعة لحزب العمال" على مدينة غازي عنتاب#تركيا pic.twitter.com/MYzJI9AmaU
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) November 24, 2022
وفي غمرة الاتصالات والبيانات السياسية، يصر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على تنفيذ العملية البرية في الشمال السوري في الوقت المناسب، فيما بدا تهيئة للرأي العام التركي بموازاة البعث برسائل محددة للدول الفاعلة.
في المقابل، اتهمت قوات سوريا الديمقراطية تركيا باستهداف البنى التحتية في شمال وشرقي سوريا، لإجبار سكان المنطقة على الهجرة بشكل جماعي وإفراغ المنطقة، محذرة من مأساة إنسانية كبيرة إذا ما استمرت الهجمات التركية التي بدأت ليلة الأحد الماضي.
"فيتو أميركي روسي مزدوج"
وفي هذا الإطار، أفاد مراسل "العربي" مراد البطوش من اسطنبول، أن العملية الجوية التركية لا تزال مستمرة ومتزامنة مع قصف مدفعي من المناطق الجنوبية باتجاه الشمال السوري؛ على ما تقول أنقرة إنها ضد جماعات إرهابية تهدد أمنها القومي.
ولفت إلى أنه على الصعيد السياسي فإن العملية البرية التركية ما زالت أمرًا معقدًا بالنسبة للأتراك لأنهم يعلمون تمامًا بأن المناطق التي تقع في شرق الفرات تخضع لتفاهمات ثلاثية من ضمنها أنقرة وواشنطن وموسكو، مضيفًا "يبدو أن العملية لا تزال تواجه الفيتو الأميركي الروسي المزدوج".
وأضاف أن الجانب الأميركي يقول إن العملية التركية يتم معارضتها لسببين رئيسيين الأول هو أن محاربة قوات سوريا الديمقراطية هو إضعاف لجهود هذه الجماعات التي تسميها واشنطن شركاء محليين في شرقي سوريا في محاربة تنظيم الدولة.
أما السبب الثاني حسب مراسلنا، فإن هناك خشية أميركية من أن القصف التركي سيهدد سلامة الجنود الأميركيين الفاعلين في تلك المناطق.
بينها درع الفرات وغصن الزيتون.. إليكم أبرز العمليات العسكرية التركية ضد المسلحين الأكراد👇#تركيا pic.twitter.com/M1oI4yvdLe
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) November 21, 2022
أما الجانب الروسي، حسب البطوش، فإنه يتحدث عن معارضة شديدة لهذه العملية، مشيرًا إلى أن أنقرة كانت قد أتمت الجهوزية التامة منتصف العام الجاري لعملية برية، لكنها واجهت ضغوطًا روسية وإيرانية في قمة عقدت في طهران، حيث لم يفلح الجانب التركي بانتزاع هذه الموافقة.
وأضاف أن الجانب التركي يعتقد أن هذه الفترة مناسبة للبدء في العملية لأنه يمتلك خلالها غطاء داخليًا وحالة من الرأي العام التي تلتف على القرار السياسي بعيد هجمات شارع الاستقلال في اسطنبول، وأنه قائد قوة ديبلوماسي على اعتبار اسطنبول تمثل شريانًا حيويًا لنقل الحبوب، ولدورها الفاعل في الأزمة الروسية الأوكرانية.
موسكو تتهم واشنطن بتأجيج الوضع
من جهته، أشار مراسل "العربي"، سعد خلف من موسكو، إلى أن روسيا كانت قد عارضت في السابق إعلان الرئيس التركي للمرة الأولى نيته خوض العملية البرية في شمال سوريا، حيث كانت هناك اتصالات مكثفة سواء على مستوى رئيسي البلدين أو على مستوى وزيري الدفاع في محاولة لثني الجانب التركي على بدء هذه العملية العسكرية الموسعة، نظرًا لأن الجانب الروسي يرى أن الدخول التركي في هذه المنطقة قد يضر بالاتفاقات القائمة في إطار ما يعرف بصيغة أستانا بين الأطراف الثلاثة الضامنة للتسوية السورية.
ولفت إلى أن المعارضة ليست فقط من جانب روسيا بل من جانب إيران، لكن روسيا ترى أن موقف تركيا ومخاوفها مفهومة ومقبولة لكنها لا تستدعي الدخول في عملية برية شاملة، الأمر الذي قد يؤثر على كل الاتفاقات.
وأضاف أن روسيا لا تقدم أي ضمانات للجانب التركي فيما يتعلق بالتعامل مع الأكراد، مشيرًا إلى تصريحات روسية على لسان ممثل الرئيس الروسي في مسألة الأزمة السورية بأن التحركات الأخيرة للأكراد سواء في شمال سوريا أو شمال العراق يقف وراءها الجانب الأميركي، في اتهام ضمني لواشنطن بأنها هي من تؤجج الأفعال التي يقوم بها الأكراد التي يصفها الأتراك بأنها أعمال إرهابية تهدد أمن تركيا.
وتابع أن روسيا لا تزال تدعو تركيا إلى الامتناع عن الدخول في عملية برية شاملة، وإن كانت ضمنًا تتفهم ما تقوم به أنقرة الآن، وأنها تقبل على الأقل ما يقوم بها الجانب التركي من قصف لهذه المناطق، في إشارة ضمنية إلى أن هناك تفهمًا من الجانب الروسي للموقف التركي في الشمال السوري، كما أن هناك تفهمًا من الجانب التركي للموقف الروسي سواء من العملية العسكرية أو في إطار الصفقات التي تعقد خلال الصراع الروسي الأوكراني.