اتفاقية بودابست".. كيف تحولت أوكرانيا من دولة نووية إلى استجداء الدعم العالمي؟
عام 1994، وقّعت روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا مذكرة "بودابست" التي تضمن سيادة أوكرانيا على حدودها واستقلالها، لقاء قيام كييف بتفكيك كل مخلفات الأسلحة النووية التي تعود إلى الاتحاد السوفياتي، وتسليمها إلى روسيا.
وبعد مرور 26 عامًا على توقيع الاتفاقية، ومع بدء الهجوم الروسي عليها، أيقنت أوكرانيا أن هذه الوعود والتطمينات "لم تكن سوى حبر على ورق"، وأنها وقعت في "خطأ سوء تقدير وثقة بالمجتمع الدولي".
فكيف تحوّلت أوكرانيا من ثالث دولة نووية في العالم بعد روسيا والولايات المتحدة، إلى دولة تفتقر إلى القدرات العسكرية التي تؤهلها للدفاع عن أراضيها مع الهجوم العسكري الروسي الحالي عليها؟
أوكرانيا تتخلّى عن التركة النووية السوفيتية
مع انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، ورثت أوكرانيا ثلث الترسانة النووية السوفيتية، وهي ثالث أكبر ترسانة نووية في العالم في ذلك الوقت، فضلًا عن وسائل مهمة لتصميمها وإنتاجها.
وشملت تلك التركة نحو 1734 رأس نووي، و200 صومعة نووية لتخزين وإطلاق الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، وأسطول من القاذفات الإستراتيجية المزوّدة بالأسلحة النووية، لكنّ جميع هذه الأسلحة كانت رسميًا تحت سيطرة "كومنولث الدول المستقلة"، أي تحالف الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية السابقة.
اتفاقية بودابست
وتُعتبر وثيقة بودابست عام 1994، بداية انحسارِ القوة العسكرية الأوكرانية، حين وافقت كييف على التخلّي عن ترسانتها النووية لموسكو، مقابل الضمانات التي منحتها الدول الموقعة.
ونصّت الاتفاقية على التزام كل من روسيا، وبريطانيا، وأيرلندا الشمالية، والولايات المتحدة الأميركية، بالامتناع عن التهديد باستعمال القوة أو استعمالها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأوكرانيا، وبأنها لن تستخدم أيًا من أسلحتها ضد أوكرانيا، إلا للدفاع عن النفس، أو أي استخدام آخر يوافق عليه ميثاق الأمم المتحدة.
كما وافقت الدول الموقّعة على الاتفاقية على طلب إجراء فوري من مجلس الأمن الدولي لتقديم المساعدة لأوكرانيا، باعتبارها دولة غير نووية، وطرف في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، إذا وقعت ضحية لعمل عدواني، أو هدفًا لعدوان استخدمت فيه الأسلحة النووية.
يومها، توقَع الباحث في العلاقات الدولية جون ميرشايمر أن بقاء أوكرانيا "دون أي سلاح نووي رادع، يعني تعرّضها للعدوان من الجانب الروسي". لكن هذا الرأي لم يحظ بشعبية في ذلك الوقت.
ضمّ جزيرة القرم
وفي عام 2014، اعتبرت كييف أن روسيا انتهكت اتفاقية بودابست عند ضمّ جزيرة القرم وأجزاء من الشرق الأوكراني، وأن الأطراف الموقّعة على اتفاقية بودابست المسؤولية الأخلاقية عن ذلك على أقل تقدير.
من جهته، قال بافلو ريزانينكو، عضو البرلمان الأوكراني لصحيفة "يو إس إيه توداي الأميركية: "لقد تخلينا عن الأسلحة النووية بسبب هذا الاتفاق... لقد ارتكبنا خطأً كبيرًا. نحتاج في المستقبل إلى أوكرانيا أقوى... بغض النظر عن كيفية حلّ الوضع في شبه جزيرة القرم. وإذا كان لديك أسلحة نووية، لن يستطيع الآخرون غزو بلدك".
وفي هذا الإطار، بدأت أوكرانيا تعزيز جيشها الوطني باعتباره الضمانة الأهم للأمن القومي، فرفعت الميزانية الدفاعية إلى 11 مليارًا و870 مليون دولار العام الحالي.
ورغم ذلك، لم يرق التطوّر العسكري الأوكراني إلى ربع القدرات العسكرية الروسية، سواء البشرية أو القدرات الجوية والبحرية والبرية.
ووفقًا لموقع "غلوبال فاير باور" المختصّ برصد القدرات العسكرية للدول، يُعتبر الجيش الروسي ثاني أقوى جيوش العالم بعد الولايات المتحدة، بينما يحتلّ الجيش الأوكراني المرتبة 22 من أصل 140 دولة.
تحذير أوكراني في مؤتمر ميونيخ
في مؤتمر ميونيخ من الشهر الحالي، اشتكى الرئيس الأوكراني فولودومير زيلينسكي من أن الأطراف الموقّعة على مذكرة بودابست "لا ترغب" في إجراء مشاورات إضافية حول انتهاك روسيا لهذه الاتفاقية، وتحديدًا بعد ضمّ شبه جزيرة القرم، وفي ظل التهديدات بالهجوم الروسي على بلاده".
وحذّر زيلينسكي من أنه إذا لم تحدث مشاورات جديدة حول هذا الاتفاقية بما يضمن أمن بلاده، "فسيكون لأوكرانيا كل الحقّ في الاعتقاد بأن مذكرة بودابست لا تعمل وأن جميع القرارات لعام 1994 والتي يجب تنفيذها بالجملة باتت موضع شك"، ملمحًا إلى عودة كييف إلى إنتاج القنبلة النووية.
لكنّ الوقت لم يلعب لصالحه، إذ شنّت روسيا هجومها العسكري على أوكرانيا الخميس الماضي، بينما اكتفت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات مالية واقتصادية على موسكو، دون أي تدخل عسكري لصالح الدولة النووية السابقة.