من محافظة السويداء جنوب سوريا، انطلقت احتجاجات السوريين ضد تردي الوضع المعيشي وسياسة التجويع التي يتبعها النظام، وتمددت لتصل إلى درعا.
واليوم، خرج المئات في ريف حلب وإدلب الشمالي وفي مناطق متفرقة من دير الزور والرقة والحسكة تحت شعار: "ثورة لكل السوريين" تعبيرًا عن الدعم المطلق لمطالب الحراك الشعبي في محافظتي السويداء ودرعا.
تطور المظاهرات لم يقتصر على اتساع رقعتها واكتسابها زخمًا أكبر بل انعكس على الشعارات المرفوعة ومطالب المحتجين الذين هتفوا بشعارات مناهضة لرئيس النظام بشار الأسد وطالبوا بإسقاط النظام ودعوا لإطلاق سراح المعتقلين.
وصدحت حناجر المحتجين بمطالب سياسية بعدما كانت تقتصر على مطالب اجتماعية واقتصادية بسبب قرارات برفع أسعار المحروقات وتدهور الوضع الاقتصادي والخدمات.
التصعيد بوجه النظام السوري قوبل بلغة الطمأنة من قبل محافظ السويداء بسام بارسيك الذي نفى أي توجه لمواجهة احتجاجات الأهالي بالعنف، وأكد أن مطالب "المواطنين والأهالي تحظى باهتمام القيادة".
"الثورة تنتعش من جديد"
وفي هذا الإطار، يرى الناشط السياسي عبد الكريم العمر أننا لسنا أمام ثورة جديدة في سوريا، لافتًا إلى أن الثورة بدأت عام 2011 ولا تزال مستمرة.
العمر شدد في حديث إلى "العربي" من إدلب على أن التحركات في السويداء ليست وليدة اليوم بل بدأت عام 2011 ، مذكرًا بأن مناطق متفرقة من المدينة وريفها شهدت أكثر من 43 مظاهرة بين عامي 2011 و2012.
ولفت إلى أن توسع رقعة المظاهرات اليوم "ما هو إلا تجديد وتأكيد على ثوابت وأهداف الثورة السورية التي تطالب بإسقاط النظام وبناء دولة مدنية ديمقراطية في سوريا".
وردًا على سؤال حول ما إذا كان ما يحصل اليوم موجة جديدة من موجات الثورة يجيب العمر: "الثورة قد تهدأ لكنها لا يمكن أن تصاب بالانهيار أو الفشل".
ويضيف: "نتيجة الواقع الدولي والظروف خاصة بعد حرب أوكرانيا وبعد التدمير الكبير الذي قام به النظام في مناطق متعددة في سوريا، هدأت الأمور قليلًا، لكن الثورة انتعشت اليوم من جديد".
"أرضية مهيأة"
من جهته، يلفت الكاتب والمحلل السياسي فيصل عبد الساتر إلى أن ما يجري في سوريا له خلفيات متعددة وخصوصًا في ظل مشكلة كبيرة على الصعيد الاقتصادي أصابت كل البلاد.
واعتبر في حديث إلى "العربي" من بيروت أن هذا العامل شكل أرضية هيأت لحصول احتجاجات في أكثر من مكان، معتبرًا أنه أمر طبيعي كما هو حاصل في الكثير من البلدان.
عبد الساتر الذي ذكر بالاحتجاجات التي تشهدها أوروبا على خلفيات اقتصادية نتيجة تردي الوضع الاقتصادي في العالم، أكد أن ما يجري في سوريا له بعد آخر.
وقال: إن "هذا البعد يتمثل بشمول سوريا في الحصار الأميركي الذي جوع وأفقر الشعب السوري وأفقد الدولة كل قدرة على تقديم الخدمات ما دفع بالحكومة السورية إلى اختيار اتخاذ إجراءات ربما تكون موجعة وخاصة في ما يتعلق برفع الدعم عن البنزين" على حد تعبيره.
ولفت إلى أن هذه الخطوة الأخيرة كان لها الأثر الكبير بتحريك بعض الاحتجاجات، داعيًا إلى "التفريق بين المنطق الذي يُدار من خلال كلمة الحق، وبين الحق الذي يُراد به باطل".
وقال: "إن ما يجري في السويداء في الآونة الأخيرة يأتي على خلفية العديد من القضايا التي لها علاقة بالواقع الاقتصادي، لكن إذا ما دققنا بخلفية الأمور ندرك تمامًا أنا هناك تحركًا على أكثر من صعيد تقوده الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا من خلال بعض الشخصيات التي تعمل على مشروع جديد في سوريا ربما يعيد استنساخ السيناريو الأول عام 2011".
وأضاف: "هناك معلومات تقول إن حزب اللواء السوري هو الذي يتحرك على أكثر من صعيد واستقدم بعض العناصر من خارج السويداء لكي يحدث حركة ما".
هل تتواصل الاحتجاجات؟
الأكاديمي السوري يحيى العريضي يعتبر أن ما يجري في السويداء امتداد وصدى وترجمة لما حدث خلال السنوات الماضية وخاصة من خلال الشعارات المرفوعة والأعداد المشاركة بالاحتجاجات.
العريضي رحب في حديث إلى "العربي" باستمرار "هذه الصرخة التي تنادي بإسقاط هذه المنظومة الاستبدادية التي تسببت بكل ما هو موجود من دمار وتشريد وقتل وتجويع وتستر بالمؤامرة الكونية الأميركية الفرنسية اللوائية".
وشدد على أن المتظاهرين يريدون الديمقراطية ووحدة الشعب السوري وتحرره وخروج الأجانب وأن تكون سوريا لأهلها.
وردًا على سؤال، أكد العريضي أن قدرة المظاهرات على الاستمرار ممكنة لكنها تحتاج إلى تطبيق القرارات الدولية التي صدرت وتحديدًا القرار 2254.