الخميس 14 نوفمبر / November 2024

استشهاد محمد الدرّة.. "العربي" يستعيد تفاصيل جريمة الاحتلال

أخبار فلسطين
استشهاد محمد الدرّة.. "العربي" يستعيد تفاصيل جريمة الاحتلال
الإثنين 2 أكتوبر 2023

شارك القصة

بعد 23 عامًا ما زال الشهيد الطفل محمد الدرّة صورة أيقونية تختزل معاناة شعب وجرائم محتل - منصة "أكس
بعد 23 عامًا ما زال الشهيد الطفل محمد الدرّة صورة أيقونية تختزل معاناة شعب وجرائم محتل - منصة "إكس"

على مرأى من العالم، استشهد الطفل الفلسطيني محمد الدرّة برصاص الاحتلال في سبتمبر/ أيلول من العام 2000.

كان المصوّر طلال أبو رحمة في المكان المناسب ليرصد جريمة الجيش الإسرائيلي ضد الطفل وأبيه، فوثّقت كاميرته ما هزّ الرأي العام العالمي.

إسرائيل التي غيّرت رواياتها حول الجريمة حمّلت المسؤولية للفلسطينيين، كما خرج من الإسرائيليين من يتهم المصوّر أبو رحمة بالتواطؤ مع جمال الدرّة أبو محمد بتلفيق "تمثيلية".

لكن، بعد 23 عامًا ما زال الشهيد الطفل محمد الدرّة صورة أيقونية تختزل معاناة شعب وجرائم محتل، لا ينفك يستهدف الصغار والكبار من الفلسطينيين.

فبحسب بيانات رسمية فلسطينية، استشهد 2276 طفلًا فلسطينيًا منذ استشهاد الطفل محمد الدرّة، 727 طفلًا من بينهم قتلتهم إسرائيل خلال انتفاضة الأقصى.

أما العام 2014، فقد كان أكثر الأعوام دموية على الأطفال الفلسطينيين باستشهاد 546 طفلًا بآلة القتل الإسرائيلية.

محمد الدرّة "لست خائفًا يا أبي"

يستعيد جمال الدرّة، والد الشهيد محمد الدرّة، المشهد في فلسطين عندما اندلعت الانتفاضة الثانية مع اقتحام أرئيل شارون المسجد الأقصى المبارك بحماية من جيش الاحتلال في 28 سبتمبر/ أيلول 2000.

يقول إنه اتفق مع نجله في التاسع والعشرين من ذلك الشهر على الذهاب في اليوم التالي إلى سوق السيارات في قطاع غزة لشراء واحدة.

وبينما كانت الأمور طبيعية في شارع صلاح الدين، يوضح أنهما لم يجدا ضالتهما من السيارات. لكن في طريق العودة حدث إطلاق نار كثيف، لم يترك مجالًا للأب لا للتقدم إلى الأمام ولا للرجوع إلى الخلف.

على الأثر، احتمى جمال الدرّة ونجله ببرميل اسمنتي، ووضع الرجل الذي لم يدرك لماذا يتم إطلاق النار، نجله خلف ظهره. 

ويروي أنه كان يصرخ باتجاه جنود الاحتلال ويرفع يده التي اخترقها الرصاص وبقيت آثاره دليلًا على الجريمة.

ويقول: "أُصيب محمد أولًا بركبته اليمنى، فحاولت طمأنته بأن سيارة إسعاف ستحضر لنقلنا من هذا المكان، فرد عليّ بألا أخاف وأنه ليس خائفًا وأنه قادر على التحمل".

ويردف: "حاولت تلقّي الرصاص بجسدي؛ يدي اليمنى ورجلَيّ. وبعد ذلك، وجدت ابني ممددًا على بطنه بينما تظهر فتحة كبيرة في ظهره، فأيقنت أنه استشهد".

وفي ذلك المكان بكى جمال نجله الشهيد، وبينما كان يهتز شمالًا ويمينًا، إلا أنه يؤكد أنه لم يغب عن الوعي ولو لثانية واحدة. 

ويلفت إلى أن إطلاق النار توقف عندما أيقن جنود الاحتلال بأن نجله قد استشهد واعتقدوا أنه قُتل، فتوجهَت نحوهما سيارة إسعاف، فطلب من المسعفين فيها نقل ابنه محمد أولًا، قبل أن يُنقل بدوره إلى مستشفى الشفاء. 

ويوضح أنه لم ير نجله بعد ذلك، وتلك حسرة في القلب إلى هذا اليوم إذ لم يتمكن من وداعه.

"كان حيًا قبل ارتفاع الغبار"

طوال تلك الأثناء كان طلال أبو رحمة، المصوّر الصحفي، في المكان وراح يصرخ. يقول: "كنت مختبئًا خلف شاحنة بيضاء، حيث لم يكن الجيش الإسرائيلي قادرًا على رؤيتي، وإلى جانبي اختبأ أطفال أيضًا وهم من قاموا بلفت انتباهي إلى استهداف الرجل وابنه".

ويلفت إلى أنه راح يصرخ إذ كان من الواضح أن إطلاق النار سيؤدي إلى مقتل الطفل، ولم يكن بيده فعل شيء آخر.

ويردف: "أردت أن يتوقّف إطلاق النار، ما من أحد في المكان سوى الرجل والطفل، والأول استغاث كثيرًا".

ويتابع: "قبل أن يرتفع الغبار كنت أشاهد الطفل حيًا، وبعد انقشاعه وجدته ممدًا في حضن والده ينزف من بطنه".

بعد 23 عامًا ما زال الشهيد الطفل محمد الدرّة صورة أيقونية تختزل معاناة شعب وجرائم محتل، لا ينفك يستهدف الصغار والكبار من الفلسطينيين 

وبحسب المصوّر طلال أبو رحمة فقد استمر إطلاق النار في غضون ذلك، وطال لنحو ربع ساعة حتى تمكن رجال الإسعاف من الدخول.

لكن سيارة إسعاف كانت في طريقها إلى المنطقة التي شهدت إطلاق نار عشوائي وإصابات لا تعد ولا تحصى استهدفها الاحتلال أيضًا، فاستشهد المسعف بسام البلبيسي، الذي يقول زميله الذي كان يقود العربة إنها تعرضت للقنص عندما انعطف بها.

ويشرح أن إصابة بسام كانت في القلب مباشرة، وأن الرصاصة جاءت من الأعلى: من برج المراقبة الإسرائيلي. فعاد على الأثر إلى نقطة الإسعاف.

اعتراف ثم تغيير في الرواية الإسرائيلية

عندما وصلت المشاهد إلى التلفزيون الفرنسي هزّت العاملين فيه. يقول أبو رحمة إنه تلقى اتصالات استمرت لوقت طويل سُئل خلالها عن كل تفاصيل الفيديو للتأكد من صحته.

ويوضح أنه أُخبر في آخر اتصال أن رئيس الدولة في ذلك الحين جاك شيراك قرّر عدم بيع هذه الصور وتوزيعها مجانًا.

من جانبه، يفيد جمال الدرّة بأن الإسرائيليين اعترفوا عقب استشهاد محمد بأنهم من قتلوه وأصابوا والده، لكن الاحتلال حاول وما زال التملص من قضية استشهاد محمد الدرّة عندما نشرت الصور في كل أنحاء العالم.

ويقول: "أنا الشاهد الشهيد الحي، شاهدت الرصاص متجهًا نحو ابني من الموقع العسكري".

ويذكر في ذلك الحين بأن "المواجهات كانت في الأساس مع أطفال يقومون برمي الحجارة، ولا داعي حتى لإطلاق رصاص عليهم".

حاول الاحتلال تزييف الحقائق والادعاء بأن محمد حيّ يرزق وأن ما حصل لم يكن سوى تمثيلية وأن والده جمال لم يصب، ويقول والد الشهيد إنه رفع دعوى في فرنسا بعد نشر هذا الخبر، وعده قدحًا وذمًا وتشهيرًا وقتلًا من جديد.

من جانبه، يتحدث المصور الصحفي طلال أبو رحمة عن ثلاثة صحافيين زعموا عبر مواقع التواصل بأن الفيديو قد تم تركيبه.

ويشير إلى "سيناريو كذبوا فيه أكثر"، وفيه مزاعم بأن أبو رحمة اتفق مع جمال الدرة في اليوم السابق وذهبا إلى المكان عينه للاستعداد للمشهد الذي كان الهدف من تنفيذه - وفق ما يدعون  - تحقيق مكاسب صحفية.

كما يتوقف عند الدعوة التي رفعها جمال الدرّة في باريس ضد طبيب إسرائيلي ادعى أن الجروح في يده ناجمة عن جرح بالسكين يعود إلى العام 2000، مبينًا أن الدرّة أخبره بعد التواصل معه بأن ذاك الجرح يعود إلى العام 1996 وليس للعام 2000.

وبينما يسأل من قتل شيرين أبو عاقلة وآخرين، يقول إن المقتولين والأبرياء كثر، "فمن قتلهم؟".

"يعيش معي يوميًا"

جمال الدرّة الذي يستعيد مشهد استشهاد نجله محمّد الدرّة وما أعقبه بكل تفاصيله، يؤكد أن "محمد يعيش معه يوميًا".

ويشرح: "لم أشفَ وما زلت أتلقى العلاج، وأشعر بمحمد الذي لم يغب عني ولو دقيقة واحدة، مع كل ألم أشعر به". ويلفت إلى أن تلك الآلام ما زالت تحيي فيه قضية محمد.

ويرى أن هناك قضايا واضحة للعالم عن جرائم الاحتلال منها "قضية محمد الدرّة، وفارس عودة، ومحمد أبو خضير الذي أُحرق حيًا، وكذلك قضيّة عائلة الدوابشة".

إلى ذلك، يرى فضل أبو هين، أستاذ علم النفس في جامعة الأقصى، أن مشهد محمد الدرّة ووالده يعتبر من المشاهد الخالدة في الذاكرة الفلسطينية بالنسبة للأطفال والكبار".

ويشير إلى أن ما تركه المشهد من صور غير منطقية وغير سليمة جعلت العالم كله يتفاعل مع الحادثة وليس فقط الشعب الفلسطيني.


أي تبريرات قدمها الاحتلال عن قتله لمحمد الدرّة قبل الادعاء بأن الطفل الفلسطيني استشهد بـ"نيران فلسطينية"؟ وما الذي دفع إسرائيل إلى تغيير رواياتها؟ وأي مسار قانوني سلكته القضية؟ الإجابات وأكثر في الحلقة المرفقة من "كنت هناك".
المصادر:
العربي
Close