الجمعة 22 نوفمبر / November 2024

استهداف القطع الفنية والأثرية في الحروب.. كيف استطاعت مبادرات فردية حمايتها؟

استهداف القطع الفنية والأثرية في الحروب.. كيف استطاعت مبادرات فردية حمايتها؟

شارك القصة

عناصر من طالبان أمام بقايا تمثال بوذا بعد تدميره في باميان (غيتي)
عناصر من طالبان أمام بقايا تمثال بوذا بعد تدميره في باميان (غيتي)
تتحوّل التحف الفنية والأثرية إلى قطع مستهدفة في الحروب والصراعات حول العالم؛ ففي وقت استطاعت بعض الدول الحفاظ على تراثها بإخفائه، فقدت أخرى أهم مجموعاتها التاريخية.

أجبرت الصراعات والاضطرابات السياسية والحروب في معظم دول العالم، على مرّ التاريخ، الطبقة الفنية والفكرية على إخفاء الإبداعات الثقافية من أجل الحفاظ على التراث.

وعلى سبيل المثال، عندما حكمت أفغانستان منذ 20 عامًا، حظرت حركة طالبان الموسيقى، والصور، وأزالت تمثالين لبوذا يبلغان من العمر 1500 عام في خطوة صدمت العالم.

وبعد عودة الحركة إلى السلطة منتصف أغسطس/ آب الماضي، يُحاول الفنّانون والمُخرجون الأفغان إخفاء الكتب واللوحات وغيرها من الأعمال الفنية التي أنجزوها على مدار العقدين الماضيين، أو حمايتها أو حتى تدميرها، مخافة أن تُكرّر الحركة أفعالها السابقة.

وسلّطت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية الضوء على بعض الدول التي استُهدف فيها الفن والثقافة في العقود الماضية.

العراق 2003

بعد حرب الخليج عام 1991، امتلأت سوق الفن في أوروبا بالكنوز التي نُهبت من المتاحف العراقية من قبل المعارضين للحكم حينها. وعندما استعدت الولايات المتحدة لغزو العراق عام 2003، تحرّك الموظفون في المتحف الوطني في بغداد لحماية بعض أهم القطع الأثرية.

وقالت كورين فيجنر، مديرة مبادرة الإنقاذ الثقافي في معهد سميثسونيان: إن العاملين في المتحف العراقي سارعوا إلى وضع الآثار في مخازن سرية، وأوصدوا الأبواب بأكياس الرمل، أو أخفوا بعضها خلف الجدران، حرصًا منهم على عدم فقدانها وسط فوضى الحرب.

وأضافت فيجنر: "كما هي الحال في أي كارثة كبرى أو عدم استقرار سياسي، يمكن أن تتحوّل الأمور بسرعة كبيرة من آمنة إلى غير آمنة، وذلك لاعتقاد بعض الأشخاص أنه يمكنهم الإفلات من العقاب".

بالرغم من حماية بعض القطع الأثرية في العراق، إلا أن اللصوص استطاعوا سرقة بعض من أهم القطع والتماثيل في البلاد، مثل قناع الوركاء، الذي يعود تاريخه إلى 3100 قبل الميلاد.

ولسنوات طويلة، نظّم معهد سميثسونيان مجموعة من التدريبات حول التخطيط لحالات الطوارئ، وعمليات الإجلاء، أو التخزين الآمن للفنون والتحف في أوقات الحروب أو الكوارث الطبيعية.

وأنقذت هذه الإجراءات جزءًا كبيرًا من القطع الأثرية أثناء سيطرة تنظيم "الدولة" على الموصل عام 2014. وقالت فيجنر: "ما تمكّنت داعش من تدميره عمدًا في متحف الموصل كان مأسويًا، لكن كان يمكن أن يكون أسوأ بكثير إذا لم نقم بتخزين القطع الأثرية وتخبئتها قبل سيطرة التنظيم على شمال العراق".

امتلأ سوق الفن في أوروبا بالكنوز التي نُهبت من المتاحف العراقية (غيتي)
امتلأ سوق الفن في أوروبا بالكنوز التي نُهبت من المتاحف العراقية (غيتي)

كمبوديا 1975

استولى حزب الخمير الحمر على السلطة في كمبوديا عام 1975. واستهدف بشكل منهجي الفنانين والمفكرين والموسيقيين كجزء من حملة وحشية لإعادة تشكيل البلاد كمجتمع زراعي لا طبقي.

ونجا بعض الأشخاص الذين استهدفتهم الإبادة الجماعية للديكتاتور بول بوت، مثل الرسّامين والكتّاب والممثلين وغيرهم- بالتظاهر بأنهم سائقي سيارات أجرة أو إخفاء أدلة على مهنتهم. وسمح النظام لبعض الموسيقيين بالاستمرار في الأداء، طالما أن الموسيقى تخدم مصالحه.

وحتى مع فرار اللاجئين الكمبوديين بين عامي 1975 و1979، كان بعض الناس يجمعون الأطفال في المخيمات لتعليمهم الموسيقى والرقص التقليدي.

وقال فليون بريم، المدير التنفيذي لمؤسسة الفنون الحية الكمبودية: "كنّا مضطرين لترك البلاد، ولكن كان علينا الحفاظ على هويتنا الثقافية".

مالي 2012:

لفترة طويلة، كانت مدينة تمبكتو موطنًا للمكتبات المزدهرة بالمخطوطات القديمة، ومجموعات من الأعمال العلمية، والشعر، والرسائل، ونسخ من القرآن.

وعندما استولى المتمرّدون الإسلاميون على المدينة عام 2012، أحرقوا المكتبات بذريعة أنها "وثنية".

في المقابل، كانت هناك عملية ممنهجة لإخلاء المخطوطات الثمينة وحمايتها، حيث نقلت مجموعات من أمناء المكتبات وجامعي الكتب والعائلات المحلية النصوص في صناديق معدنية إلى منازل خاصة وأماكن آمنة أخرى حول تمبكتو، مستخدمين السيارات والعربات والزوارق وحتى صناديق الفاكهة. لقد أنقذوا تراث مدينتهم كله، ونقلوه أولًا في المركبات ثم بعد ذلك بالقارب.

كانت مكتبات تمبكتو  مزدهرة بنسخ من القرآن
كانت مكتبات تمبكتو مزدهرة بنسخ من القرآن (غيتي)

ألمانيا 1933:

في أوائل الثلاثينيات، عارض أدولف هتلر الفن الحديث، معتبرًا أنه فن "منحط"، ودليل على التدهور الأخلاقي للمجتمع. لكن تحرّكه لمصادرة الفن كان مدفوعًا بمخاوف تجارية وأيديولوجية.

استولى نظامه النازي على قطع فنية من المتاحف المملوكة للدولة، ودمّر بعضها بينما كان يبيع بعضها الآخر استعدادًا للحرب.

نتيجة لذلك، بدأ بعض الفنانين وجامعي التحف الفنية بإخفاء أعمالهم منعًا لمصادرتها. وتمّ العثور على مخزون من حوالي 1500 عمل حديث مدفون "بين أكوام من البقالة المتعفّنة" في ميونيخ عام 2013.

اعتبر  هتلر الفن الحديث فنًا "منحطًا"
اعتبر هتلر الفن الحديث فنًا "منحطًا" (غيتي)

أوروبا 1940

قبل الحرب العالمية الثانية وخلالها، قامت العديد من المتاحف في أوروبا وبريطانيا بنقل أجزاء من مجموعاتها وإخفائها وتخزينها لحماية الأعمال الأصلية أو التي لا يمكن الاستغناء عنها من الغارات الجوية والقنابل الحارقة.

عام 1940، قال ونستون تشرشل عن المجموعة الموجودة في المعرض الوطني في لندن: "أخفوها في الكهوف والأقبية، لكن لن تغادر صورة واحدة هذه البلاد".

وبالفعل، تمّ تخزين بعض اللوحات بأمان تحت الأرض في مناجم الإردواز في ويلز. كما خبأ المتحف البريطاني أعمالًا ثمينة لمايكل أنجلو ورافاييل في كهف تحت الأرض مجهز بنظام تدفئة.

بدوره، أفرغ متحف اللوفر في باريس مجموعته بالكامل تقريبًا في منازل آمنة متفرّقة في الريف الفرنسي. والجدير بالذكر أن لوحة الموناليزا قد أُرسلت إلى خمسة مواقع إجلاء مختلفة خلال الحرب.

يضمّ المتحف البريطاني أعمالًا ثمينة لرافاييل
يضمّ المتحف البريطاني أعمالًا ثمينة لرافاييل (غيتي)

إيران 1979:

في متحف طهران للفن المعاصر تُعرض إحدى المجموعات القيمة للفن الحديث حول العالم في أعماق الأرض، ويمكن الوصول إليها عبر درج دائري طويل.

ويُعتبر المتحف الموطن الدائم لأعمال فان غوغ وبيكاسو وما لا يقلّ عن 15 عملًا لأندي وارهول. وتقدّر قيمة بعض اللوحات- مثل "جدارية على الأرض الهندية الحمراء" لجاكسون بولاك وأعمال مارك روثكو- بمئات الملايين من الدولارات.

خلال ثورة 1979، وضع المتحف مجموعته الأثرية المكوّنة من 1500 قطعة، في قبو أسفل المبنى، ذي أبواب مزدوجة: باب ماكن، ثمّ باب فولاذي آخر بقياس 6 بوصات مع قفل مشترك، وذلك لضمان عدم قدرة أحد على الدخول وسرقة الثروة الفنية.

يعتبر متحف طهران للفن المعاصر موطنًا دائمًا لأهم المجموعات الفنية القيمة
يعتبر متحف طهران للفن المعاصر موطنًا دائمًا لأهم المجموعات الفنية القيمة (غيتي)
تابع القراءة
المصادر:
صحافة أجنبية
Close