الأحد 30 يونيو / يونيو 2024

اشتباكات الشرق السوري.. ما أسباب ومآلات الصراع بين العشائر و"قسد"؟

اشتباكات الشرق السوري.. ما أسباب ومآلات الصراع بين العشائر و"قسد"؟

Changed

فقرة من "قضايا" حول أسباب ومآلات الاشتباكات في الشرق السوري بين العشائر العربية وقسد (الصورة: غيتي)
امتدت الاشتباكات التي بدأت في دير الزور قبل أسبوع بسرعة لتصل إلى الحسكة التي تشهد سلسلة من الصراعات تمكنت خلالها العشائر من السيطرة على قريتي الطركي وتل الطويل.

تصاعدت وتيرة الاشتباكات بين قوات سوريا الديمقراطية "قسد" والعشائر العربية شرقي سوريا حيث المناطق الغنية بالنفط والمكتظة بالفصائل العسكرية المتعددة.

وسيطرت العشائر على عدة قرى من بينها قرية أم جلود في ريف مدينة منبج في الشمال شرق محافظة حلب. كما سيطرت قوات العشائر في المحيط نفسه على قريتي المحمودية والمحسنلي بريفي منبج وجرابلس.

اتساع دائرة الاشتباكات

فالاشتباكات التي بدأت في دير الزور قبل أسبوع امتدت بسرعة لتصل إلى الحسكة التي تشهد سلسلة من الصراعات تمكنت خلالها العشائر من السيطرة على قريتي الطركي وتل الطويل.

وأعلنت قوات العشائر عن سيطرتها على هجين بعد طرد مجموعات الكوماندوز وقوات سوريا الديمقراطية من المدينة.

تصاعدت وتيرة الاشتباكات بين قوات سوريا الديمقراطية "قسد" والعشائر العربية شرقي سوريا
تصاعدت وتيرة الاشتباكات بين قوات سوريا الديمقراطية "قسد" والعشائر العربية شرقي سوريا - غيتي

ومن أبرز إنجازات قوات العشائر قطعها للطريق الدولي "أم 4" بعد اشتباكات مع قوات النظام وقوات سوريا الديمقراطية على محور سكيرو جنوب تل أبيض.

ويعتبر هذا الطريق إستراتيجيًا، كما أنه قريب من إحدى أهم القواعد الأميركية كقاعدة تل بيدر في الحسكة، حيث يتمركز الوجود الأبرز للقوات الأميركية في هذه المنطقة.

وتعد قاعدة أرميلان في الحسكة كأهم القواعد الأميركية في سوريا، بالإضافة إلى قاعدة المالكية بريف الحسكة الشمالي الشرقي.

من جهة أخرى، تمكنت قوات سوريا الديمقراطية من السيطرة على مدينة البصيرة كبرى مدن شرقي دير الزور، وذلك بعدما دفعت بتعزيزات ضخمة إلى المدينة، وأجبرت مقاتلي العشائر على الانسحاب.

وسيطرت قوات "قسد" على بلدة الصبحة شرقي دير الزور، بعد انسحاب المسلحين المحليين وعناصر مجلس دير الزور العسكري.

كما نفذت القوات قصفًا عشوائيًا على قرى وبلدات جديدة كعكيدات وجديدة بكارة والدحلة، فضلًا عن العزبة قبل أن تبسط سيطرتها عليها.

تضارب مصالح وتشابك التحالفات

وفي مستجدات اشتباكات شرقي سوريا إعلان عن ولادة ساحة اشتباك جديدة بعد تضارب المصالح وتشابك التحالفات وتبدل حال من تشارك بالأمس الأرض نفسها بوجه العدو نفسه.

بدأت شرارة الأزمة قبل أسبوع مع اعتقال قوات سوريا الديمقراطية لرئيس مجلس دير الزور العسكري أحمد الخبيل "أبو خولة"، الذي يعد قائدًا عربيًا بارزًا لتندلع بعدها موجة الاشتباكات بين عناصر المجلس العسكري الذي يضم عشائر عربية وقوات سوريا الديمقراطية ذات الغالبية الكردية.

وانطلقت الاشتباكات من دير الزور، لكنها سرعان ما توسعت لتشمل عددًا من البلدات من البصيرة حتى شحيل بحزام نفط إستراتيجي في منطقة العشائر العربية شرقي نهر الفرات.

ثروة هذه الأرض كانت على رأس ذرائع الغضب العشائري هناك، حيث الاتهامات التي طالت قوات سوريا الديمقراطية بوضع يدها على الثروات النفطية وإهمال مناطق العشائر بعد تحرير الأرض من تنظيم "الدولة".

كلام تنكره قوات سوريا الديمقراطية التي تتهم بدورها إيران والنظام السوري بإرسال ميليشيات العشائر لخلق فوضى في شمال شرق سوريا، حيث النفوذ الأميركي، إذ تتمركز في هذه البقعة السورية معظم القوات الأميركية الباقية والتي يقترب عددها من 900.

سيطرت العشائر على عدة قرى من بينها قرية أم جلود في ريف مدينة منبج في الشمال شرق محافظة حلب
سيطرت العشائر على عدة قرى من بينها قرية أم جلود في ريف مدينة منبج في الشمال شرق محافظة حلب - غيتي

كما أن للأميركيين النفوذ الأكبر شرقي سوريا في دعم يقدم للقوات الكردية المسيطرة هناك. وهذا ما دفع واشنطن للإسراع في لملمة تداعيات الصراع حيث تكثفت الاجتماعات والاتصالات.

كما قام مسؤولون أميركيون بزيارة دير الزور لنزع فتيل الأزمة مع إعلان بعض الأطراف نية واشنطن إعطاء دور أكبر للسكان العرب في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.

لكن بحسب الأنباء فإن تحركات أميركا شرقًا لا تقتصر فقط على هذه الأحداث، إذ ذكّرت مصادر عن وجود تحرك عسكري في قاعدة التنف التي تضم قوات من التحالف الدولي، وذلك لقتال الأطراف التابعة لإيران وقطع طريق طهران بيروت والسيطرة على الحدود السورية العراقية.

ما أسباب اندلاع الصراع بين العشائر العربية و"قسد"؟

وفي هذا الإطار، يرى الباحث في مركز الشرق للسياسات سعد الشارع أن وصول الأمور بين العشائر العربية في دير الزور وقسد إلى حد النزاع المسلح، هو إصرار قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية على الدخول لهذه المناطق والسيطرة عليها ليست فقط عسكريًا وأمنيًا بل اجتماعيًا أيضًا، لأن هذه المنطقة تعد مهمة جدًا بالنسبة لقسد.

وفي حديث لـ"العربي" من أعزاز شمالي سوريا، يوضح الشارع أن فرض قسد السيطرة الكاملة على كافة السياقات والأصعدة كان مطلبًا أساسيًا للإدارة الذاتية خشية من أن تخرج هذه المنطقة عن قبضة قسد أو تخرج عن السيطرة الكاملة التي تنادي بها الإدارة الذاتية لمنطقة شمال شرق سوريا، لذلك كان لزامًا عليهم بحسب ما ورد من أنباء أن تدخل أرتال عسكرية إلى هذه المنطقة.

ويتابع أنه في المقابل هنا كان لزامًا أيضاً على أبناء القبائل والعشائر أن يقوموا بصد هذه الهجمة الشرسة من قبل قوات سوريا الديمقراطية، مشيرًا إلى حصول لغط في الأيام الأولى من هذه المعارك من خلال محاولة قسد أن تظهر أن هذه المعركة من أجل عملية التغيير داخل مجلس دير الزور العسكري الذي يتبع إداريًا وتنظيميًا لقسد.

وفيما يعرب الشارع عن اعتقاده أن هذه حجج واهية لا تمت للواقع بصلة، وحجة أرادتها قسد للدخول المنطقة، الأمر الذي أدى إلى وقوع صدامات عسكرية بينها وبين أبناء المنطقة، يشير الشارع إلى أنه لا يمكن التكهن بمستقبل هذه الصدامات نظرًا لوجود عدة لاعبين في هذه المنطقة.

ويلفت الشارع إلى أنه كانت هناك مطالبات على مدار السنوات الماضية من قبل أبناء منطقة دير الزور من قسد والإدارة الذاتية ومن الولايات المتحدة الأميركية بضرورة تغير الوضع الذي فرضته قوات سوريا الديمقراطية والذي يتمثل بتنصيب شخصيات غير مرغوب فيها فيما يسمى مجلس دير الزور العسكري.

ويشير إلى تسلط هذا المجلس على الوضع الاجتماعي والعسكري والأمني، بالإضافة إلى سوء الخدمات التي تقدم إلى المنطقة على الرغم من أنها الأغنى ليس فقط في منطقة شمال شرق سوريا، بل ربما في سوريا بشكل كامل.

ويوضح أن المنطقة تحتوي على حقل العمر النفطي الذي يعد من أهم الحقول النفطية في البلاد، ومعمل غاز كونيكو الذي هو الآخر أهم معامل الغاز في سوريا، فضلًا عن وجود كثير من الثروات الطبيعية كالمياه والمحاصيل الزراعية.

لماذا تعجز واشطن عن الضغط على قسد؟

ويبين الشارع أن الولايات المتحدة اختارت قسد بصفته شريكًا محليًا لها فيما يسمى قتال الإرهاب المتمثل بتنظيم الدولة، مشيرًا إلى أنه دومًا كانت هناك حجة أميركية أنها لا تتدخل بالأمور الداخلية كونها مسندة بشكل كامل لما يسمى بالإدارة الذاتية، وأن إشكاليات هذه المنطقة يجب أن تحل ضمن المؤسسات الموجودة سواء من المؤسسات الإدارية المتمثلة بالإدارة الذاتية أو العسكرية المتمثلة بقوات سوريا الديمقراطية.

ويردف أن هذه الأجسام العسكرية والسياسية والإدارية التي فرضتها الولايات المتحدة لا تتأقلم نهائيًا مع طبيعة المنطقة، ولا تستطيع أن تدير شؤونها ولا تحميها من التهديدات والمخاطر الأمنية المحدقة بالمنطقة سواء من قبل تنظيم الدولة أو من قبل الميليشيات الإيرانية.

ويشير إلى أن الأرتال العسكرية الأخيرة التي خرجت من أجل حصار واقتحام بلدة ذيبان هي خرجت من حقل العمر النفطي الذي تتخذه الولايات المتحدة الأميركية قاعدة عسكرية لها، معربًا عن اعتقاده أن الوقائع على الأرض تنفي جميع الأنباء أو التحليلات التي تتحدث أن واشنطن غير راضية عن أداء قسد والإدارة الذاتية.

وفيما يرى أن اتصالًا واحدًا من قبل الولايات المتحدة ينهي كليًا ما تقوم به قوات سوريا الديمقراطية، يستبعد أن تعارض واشنطن ما تقوم به قسد، مشيرًا إلى أن ربما لديها بعض الملاحظات الطفيفة والبسيطة على الأداء العسكري أو الأمني على قيام قسد بوضع ما يسمى بشخصيات الكادرو، وهي شخصيات معظمها قادمة من حزب العمال الكردستاني، وحتى شخصيات غير سورية من دول أخرى.

موقف النظام السوري من الاشتباكات

ويتابع الباحث في مركز الشرق للسياسات سعد الشارع أن النظام السوري يعلنها على أنه على حلف تقريبًا بغض النظر عن شكله مع قوات سوريا الديمقراطية، مشيرًا إلى أن الموقع الأمني للنظام السوري ما زال يتواجد داخل مناطق قسد، فيما تعد نقاط الاشتباك حاليًا في الشمال السوري في منبج ومنطقة عمليات نبع السلام في تل أبيض ورأس العين نقاط مشتركة للنظام السوري ولقوات سوريا الديمقراطية.

ويذكر بأن أبناء دير الزور هم من الأوائل الذين انتفضوا ضد النظام السوري، وهذه مناطقهم بمساحتها الشاسعة هي أولى المناطق التي تم تحريرها من النظام، كما خاض أبناء هذه المنطقة معارك شرسة وجدًا على مدار سبعة أشهر لقتال تنظيم الدولة.

ويعرب الشارع عن اعتقاده أنه لا يمكن المقارنة من الناحية العسكرية ين ما تمتلكه قوات سوريا الديمقراطية وما بين يدي أبناء القبائل والعشائر، مشيرًا إلى أن قسد على مدار السنوات السابقة أصبح لديها ترسانة عسكرية كبيرة جدًا، وسط دعم أميركي شبه مفتوح،  بينما أبناء القبائل والعشائر فالسلاح المتوفر بين أيديهم هو فقط السلاح الفردي.

ويشير الشارع إلى أن قسد نظرًا لقدراتها العسكرية الكبيرة يمكن أن تقوم بعملية الحسم العسكري في هذه المنطقة، خاصة أن جغرافية هذه المنطقة لا تساعد على المقاومة، وهي عبارة عن صحراء تتوسطها بلدات وقرى، فلا يوجد أي تضاريس كجبال وغابات تساعد أبناء القبائل على الاحتماء أو الاختباء بها.

لكنه يستبعد أن يبقى الصراع محصورًا في منطقة دير الزور، مشيرًا إلى إمكانية اندلاع انتفاضة مماثلة في الشدادي والحسكة والرقة خاصة أن سياسة قسد هي نفسها التي طبقتها على جميع هذه المناطق وأخذت مقدراتها.

ويخلص الباحث في مركز الشرق للسياسات سعد الشارع أن النظام السوري إلى أن مرحلة جديدة من الصراع ربما تشهدها مستقبلًا منطقة شمال شرق سوريا.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close