وصفت وزيرة خارجية جنوب إفريقيا ناليدي باندور ما حدث في غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بأنه "صادم للغاية"، ولم يسبق لها أن رأت مثله من قبل، حيث "يُقصف الناس والمستشفيات"، مشيرة إلى أن كل هذا كان مخططًا له، وأنها ممارسة قاسية وعمل غير إنساني تجاه شعب يخضع للاحتلال.
وأضافت باندور أن بلادها بدأت تشعر بقلق بالغ إزاء الهجمات الشرسة ضد الشعب الفلسطيني، ومن القلق من أن العالم يشاهد جريمة القتل دون أن يتدخل لوقف ذبح الأبرياء.
وفي لقاء خاص عبر شاشة "العربي"، أوضحت باندور، أن قرار توجه بلادها إلى محكمة العدل الدولية اتخذ في ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، ومنذ بداية العدوان على غزة، وعلى الأراضي الفلسطينية كافة.
وفي السادس من مارس/ آذار الجاري، قدمت جنوب إفريقيا طلبًا عاجلًا لمحكمة العدل الدولية لتحديد تدابير احترازية إضافية وتعديل أمر المحكمة الصادر في 26 يناير/ كانون الثاني 2024، وقرارها اللاحق في 16 فبراير/ شباط الماضي، في القضية المرفوعة ضد إسرائيل، والمتعلقة بتطبيق اتفاقية منع ومعاقبة ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة.
متى اتخذت جنوب إفريقيا قرار التوجه إلى محكمة العدل الدولية؟
وشرحت باندور أن جنوب إفريقيا ناقشت في مجلس الوزراء ما الذي يمكن القيام به، وما هي الأدوات المتاحة في المجال الدولي، والتي يمكن من خلالها حماية الأشخاص الذين يتعرضون للهجوم، مضيفة أن بلادها توصلت إلى أن هناك مشروعًا للقضاء على الشعب الفلسطيني، وقد شعرت بالقلق الشديد، واعتقدت أنه من الضروري لفت انتباه العالم إلى هذا الأمر، ويجب أن تكون الأداة هي اتفاقية جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.
وتابعت أن بلادها استخدمت الاتفاقية كأداة دولية للتواصل مع أعلى محكمة في العالم محكمة العدل الدولية، لتقول إنه يجب فعل شيء ما، وأن هناك شيئا فظيعا يحدث.
وقالت باندور: "في الواقع، اعتقدنا أن هناك عملية إعدام مخططًا لها بالإبادة الجماعية، ويجب على محكمة العدل أن تحدد التدابير اللازمة لحماية الشعب الفلسطيني، لقد فعلنا ذلك كدولة موقعة على الاتفاقية، تمامًا مثل إسرائيل، لأنه كلانا موقعان على أننا لن نرتكب إبادة جماعية أبدًا، وسنقاتل كلما حدثت إبادة جماعية".
وأضافت: "شعرنا بالأهمية عندما لاحظنا أن دولة طرفا في الاتفاقية تمارس ما تناولته هذه الاتفاقية، فقررنا إعداد دعوى وتوجهنا إلى محكمة العدل الدولية، وقمنا بذلك نيابة عن حكومة جنوب إفريقيا".
"لم نتلق أموالًا من إيران"
وكانت جنوب إفريقيا قد واجهت العديد من الادعاءات بعد أن وافقت محكمة العدل الدولية على القضية، مثل تلقيها تمويلًا إيران، ووجود علاقات سرية بينها وبين حركة حماس، وتهديد بعض المشرعين الأميركيين بقطع العلاقات التجارية معها.
وفي هذا الإطار، قالت باندور: "لم تصلنا أموال من إيران للمساعدة في هذه القضية ولا من أي دولة أخرى، كما أنني لا أرتبط بحماس كما يزعم، لقد قلت علنًا إن الأوغاد يستخدمون الإهانات كملاذ أخير لهم عندما لا يكون لديهم إجابات".
وأضافت "لذلك كانت هناك محاولات للاتهام بأنني أرتبط بحماس وبتلقي الأوامر من إيران، هذه الأشياء لا تجعلنا نتوقف عن دعمنا لشعب فلسطين، لأن هذا شيء نؤمن به بشدة، وليس هناك خطأ في مساعدة ودعم الناس في النضال من أجل العدالة".
"إسرائيل تتمتع بالحصانة منذ مدة طويلة"
وبشأن عدم التزام إسرائيل بالقرار الأول الذي أصدرته محكمة العدل الدولية بحماية المدنيين في غزة، أعربت باندور عن اعتقادها بأن إسرائيل تتمتع بالحصانة من العقاب منذ مدة طويلة جدًا، قائلة إن إسرائيل تمكنت من التصرف كما يحلو لها لسنوات عديدة، من قتل الشعب الفلسطيني والاستيلاء على الأراضي بشكل غير قانوني، وبناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأضافت: "لذا فإن هذا السلوك لا ينبغي أن يفاجئنا، لأن إسرائيل تعتقد أنها تستطيع فعل ما يحلو لها دون حساب، وأنها لا تنظر إلى الشعب الفلسطيني كبشر يستحقون الاهتمام ولهم حقوق ويستحقون الكرامة الإنسانية، وهذا يوضح مدى ازدراء حكومة إسرائيل للفلسطينيين".
وأردفت أنها كانت تأمل أن تصدر المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق قادة إسرائيل الذين ارتكبوا جرائم حرب بشكل واضح، ولكن لم نسمع أي شيء حتى الآن، مشددة على وجوب النظر في وضع الأمم المتحدة كمؤسسة وكيفية إصلاحها حتى تتمكن من الاستجابة لتحديات السلام والأمن التي تواجه العالم اليوم.
موقف جنوب إفريقيا لحل الأزمة الفلسطينية
وعن رؤيتها لحلّ القضية الفلسطينية، أكدت باندور أن بلادها تؤيد جميع القرارات التي تبنتها هيئة الأمم المتحدة والتي تتضمن حل الدولتين كوسيلة للخروج من مأزق العنف والكراهية الموجود حاليًا، مشيرة إلى أنها ستستمر في طرح حل الدولتين باعتباره النهج المفضل للمجتمع الدولي.
وأضافت أن على الفلسطينيين والإسرائيليين أن يتفاوضوا، وهم من سيحددون النتيجة النهائية، ولكن يجب أن يتخذ القرار بحرية لا أن يتم فرضه عليهم.
وقالت باندور: "أعتقد أنه يتم بذل جهود جيدة لمحاولة التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة من قبل قطر ومصر، وأعتقد أن الأردن كان بطلًا في الطريقة التي دعم بها الشعب الفلسطيني على مدى عقود عديدة، لذلك أعتقد أن الجهود جارية. كل ما يمكننا فعله حاليًا هو أن ندعو من أجل أن تؤدي تلك الجهود إلى وقف لإطلاق النار قبل نهاية شهر رمضان".
باندور أشارت إلى أن الجهود تتمثل، بوقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات، والبدء بعملية تفاوض سواء ما يتعلّق بحلّ الدولتين أو الدولة الواحدة.
إيصال المساعدات إلى قطاع غزة
وأعربت وزيرة خارجية جنوب إفريقيا عن قلقها من تردّي الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة وعدم ممارسة دول قوية ضغوطًا على إسرائيل لفتح المعابر وإيصال المساعدات الإنسانية بحماية جيوش هذه الدول، بدلًا من إسقاطها من الطائرات، وهو ما اعتبرته أمرًا مهينًا للفلسطينيين.
وقالت باندور: "إن ما يُثير القلق هو أنّ دولًا قوية مثل أميركا غير قادرة على إقناع إسرائيل بفتح الحدود والسماح بدخول المساعدات. هذا ما نعتقد أنه يجب أن يحصل وعندها سيكون من الممكن إيصال المساعدات للفلسطينيين بطريقة لائقة وإنسانية".
ولفتت باندور إلى أن تضامن جنوب إفريقيا مع فلسطين بدأ منذ عقود طويلة، لافتة إلى أن الشعب الفلسطيني كان من بين الشعوب التي دعمت بلادها عندما كانت تناضل ضد نظام الفصل العنصري.
وتابعت أن "علاقة بلادها مع فلسطين هي نموذج طويل الأمد من التضامن والروابط الدولية للأخوة التي تجمعنا معًا، ونحن دائما ممتنون لشعب فلسطين الذي فهم أنه يجب رفض العنصرية ومحاربة الظلم، وبسبب هذا التضامن، قلنا دائمًا إنه لكي يتمتع شعب فلسطين بالحرية والديمقراطية والعدالة، فسوف نقف معهم كتفًا بكتف".
تجدون في الفيديو المرفق المقابلة الكاملة مع وزيرة خارجية جنوب إفريقيا ناليدي باندور، التي ناقشت فيها موقف بلادها من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ودور الدعوى التي رفعتها في محكمة العدل الدولية لإدانة جرائم الاحتلال ومساراتها القانونية ومآلاتها القانونية.