رغم محاولات الترميم الأميركية قبل تشكيلها، تواصل الحكومة الإسرائيلية الأكثر تطرفًا بقيادة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، مغامراتها في جرّ أرجل الإسرائيليين إلى لهيب انتفاضةٍ جديدة.
يتجلى ذلك في الاعتداء على المقدسات، ووضع القوانين لإعدام الأسرى، والقضاء على التسوية السياسية مع الفلسطينيين نهائيًا، ومن ثمّ وضع المجتمع الإسرائيلي في حالة تصادم مباشر مع العرب.
سياسات حكومة نتنياهو
وتمضي الحكومة الإسرائيلية بسياساتها المعادية، لأنها لا ترى ما من شأنه الاقتراب حتى من دوائر الحوار والتفاوض. فبالإضافة إلى القمع العسكري والأمني والحصار الخانق على أهالي الضفة الغربية وقطاع غزّة، لجأت أخيرًا إلى سرقة الأموال الفلسطينية وتجميد أعمال الإنشاءات، معلّلةً ذلك بأنه ردٌّ على لجوء السلطة الفلسطينية إلى محكمة العدل الدولية.
واعتبرت سلطات الاحتلال ذلك حربًا سياسية وقانونية على إسرائيل، في وقت لم تغسل هي بعد يديها من العبث بالمقدسات الدينية في مدينة القدس، والمقبرة البروتستانتية.
بالتأكيد، لن يرتاح بن غفير إلا بعد أن ينفّذ جميع مخططاته التي صرّح بها أثناء حملته الانتخابية، وآخرها تحركاته ضدّ الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، حيث أعلن مضيه باتجاه تبني قانون يفرض عقوبة الإعدام على الأسرى المتهمين بقتل ومحاولة قتل إسرائيليين.
كما قال بن غفير في تغريدة له إنهم "على الأقل، لن يحصلوا على ظروف أفضل"، ليرد عليه الأسرى بخوض معركة ضارية تنذر بانفجار الأوضاع داخل السجون.
"نتنياهو مجرد دمية"
وحذرت الأوساط الإسرائيلية من امتدادات اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى، حتى أن مناوئي حكومة بنيمين نتنياهو في الكنيست اعتبروا أن الوزير جعل رئيس الوزراء الإسرائيلي "مجرد دمية"، حيث سيقرر بن غفير مستقبلًا شكل السياسة الخارجية وأولويات الجيش في الضفة وغزة.
هذا وتأتي التحركات الإسرائيلية مباشرةً عقب جلسة لمجلس الأمن، دان فيها المجتمع الدولي التحركات الأحادية التي يتبناها نتنياهو وفريقه الوزاري المتشدد، وهي في الأصل الشروط التي وضعها عليه حلفاؤه من المتطرفين التي تنحصر في سن قوانين تلبي توجهاتهم السياسية والدينية.
وتتمثل هذه الشروط في تعزيز الاستيطان وتجديد السيطرة على القدس، والحفاظ على الطابع اليهودي، فضلًا عن دعم الهجرة اليهودية إلى إسرائيل.
وهذا بالتأكيد سيرمي بها بين مخالب العنصرية الدينية الأصولية التي تبرّر عملية القتل ضدّ الفلسطينيين وفرض عقوبات جماعية على قرى فلسطينية بأكملها.
هل ينفّذ بن غفير تهديداته؟
وفي وقت يهدد بن غفير بسحب ما وصفه "بامتيازات الأسرى الفلسطينيين"، يرى الدكتور باسل غطاس عضو الكنيست السابق والأسير المحرر أن ملفات مثل الأسرى في سجون الاحتلال والمقدسات تستخدم من قبل "الفاشيين الشعبويين" مثل بن غفير الذين يرغبون بالحصول على شعبية وتغطية إعلامية للمحافظة على قاعدتهم التي صوتت لهم في الانتخابات.
ورغم ذلك، يعتبر غطاس أنه على الرغم من أن بن غفير لديه لهجة مفرطة ومتطرفة بالتلويح، إلا أنه لا يملك الأدوات لتنفيذ تهديداته لأن ليس كل شيء بيده.
فيقول الأسير المحرر من الجليل: "بن غفير حر في الظهور أمام الكاميرات، ورمي الشعارات والتهويلات فهكذا يفعل كل شعبوي. ولكن من حيث التنفيذ لن يكون أفضل ممن سبقوه والذين شكلوا لجانًا قدمت توصيات كبيرة للحكومات شملت إعادة دمج الأقسام الأمنية ومنع الأسرى من إعداد وجبات الطعام وتقييد عدد الكتب التي اعتبروها امتيازًا للمعتقلين".
تعقيبا على زيارة بن غفير لسجن نفحة.. نادي الأسير الفلسطيني يؤكد أن الواقع في السجون أقوى وأكبر مما يتخيله الاحتلال#فلسطين pic.twitter.com/BBkI7MwStX
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) January 6, 2023
ماذا يعني إعلان التعبئة الأسيرة الشاملة؟
في السياق، ردت الحركة الأسيرة على تهديدات بن غفير بإعلان التعبئة الشاملة، فيشرح قدري أبو بكر رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية أن هذا القرار يعني أن الحركة الأسيرة موحدة أكثر من أي وقت مضى.
فيكشف أبو بكر عن تشكيل الحركة الأسيرة للجان تضم كل القوى السياسية داخل السجون، وضعت برنامجًا نضاليًا للرد على أي خطوة قد تقدم عليها إدارة السجون الإسرائيلية.
ويلفت رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية في حديث مع "العربي"، أنه منذ عام 1967 حتى يومنا هذا كانت تظهر حكومات إسرائيلية تحاول فرض قوانين جديدة لسحب حقوق الأسرى، إلا أن نضال الأسرى كان في كل مرة يتصدى لها.
ويردف من سلفيت: "قبل أيام اجتمعت إدارة السجون مع ممثلين المعتقلات، وأخبروهم بأن هناك تعليمات ستصدر عن المستوى السياسي وبالذات من بن غفير بتقييد الحركة والضغط على الأسرى وسحب بعض الإنجازات، وبأنهم مجبرون على تنفيذها..".
ويتابع أبو بكر، أنه يوم أمس زار بن غفير سجن نفحة حيث أبلغهم بمنع خروج المعتقلين إلى الباحات والكافتيريا، وحل الأطر التنظيمية، مشيرًا في هذا السياق إلى أن الأسرى يعيشون اليوم على نفقتهم الخاصة من الطعام والمشرب والملبس.
كما يؤكد رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية، أن أي خطوة تقوم بها إدارة السجون وبن غفير ستواجه ليس بموقفًا فرديًا، بل بشكل جماعي وموحّد حيث أعلن الأسرى عن ذلك في بيان.
ما هي رسائل بن غفير لواشنطن؟
من جهة ثانية، يبرز موقف الولايات المتحدة الذي تبدل من رفض في بداية الأمر التعاطي مع حكومة تضم شخصيات مثل بن غفير وسموتريتش، إلى قبول النظر في السياسات وليس الأشخاص.
بهذا الصدد، يعتقد مدير المركز العربي في واشنطن خليل جهشان أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ستستمر بنهجها الداعم للحكومة الإسرائيلية، لا سيما بغياب الإرادة السياسية والأخلاقية لتغيير الموقف الأميركي بهذا الخصوص.
كما يعلق جهشان من واشنطن، على زيارة بن غفير لسجن نفحة إذ يراها أنها ليست زيارة عادية إنما زيارة سياسية لها أهداف محددة، أبرزها إثبات وجوده باعتباره حركة يمينية فاشية متطرفة داخل الحكم.
ويضيف لـ"العربي": "يريد بن غفير أن يتحدى الأسرى، وأن يعلن لهم بأن هناك الآن حاكم جديد في إسرائيل ويجب عليهم أن يتأقلموا لإرادته.. فضلًا عن رغبته في تحجيم نتنياهو".
فبحسب مدير المركز العربي في واشنطن، يحاول نتنياهو أن يقول للجميع خصوصًا للولايات المتحدة إنه هو المسؤول وليس بن غفير، لذلك أراد وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير عبر زيارته الأخيرة واقتحامه للأقصى الإثبات أنه هو أيضًا مؤثر في تصرفات وسياسة هذه الحكومة ووضع رئيس الوزراء تحت الأمر الواقع.